أسمع مرور الوقت
أسمع مرور الوقت مثل كلام يُهمس في أذني
أو رياحٍ تعبر دون أن تحرّك ورقة واحدة
أسمع مرور الوقت، وكأنها مجرد خشخشةٍ،
مثل صوتٍ يتجوّل في الغرفة
أسمع مرور الوقت
المهلة التي وُعدنا بها
ذابتْ مثل صوت الجرس
وانتشر الأذانُ من فمٍ إلى فمٍ
عندما أغلق عينيّ
أرى المدينة القديمة، والمئذنة العالية
وأسمع مرور الوقت
في منتصف المدينة تمامًا
كأنّه بقي هنا
عيناه مفتوحتان مثل فكرةٍ مُتعبةٍ من النظر إلى السماء
أسمع صوتَ الوقتِ الفائت
أسمع مرور الوقت
مثل الذين يمرون بالقرب منّي
بعضهم كصوتٍ مألوف، يضيعون في الظلام بعيدًا
والآخرون كالذكرى التي لن تُسمع بعد
أسمع صوتَ الوقت الفائت
مثل يدٍ تلوح في الفراغ
آه يا إسطنبول الجريحة!
هل تسمعين الوقت الذي يمرُّ بداخلكِ؟
كانت الرياح المتجهة إلى "الفاتح"
على مرمى حجر من آيا صوفيا،
ولا تدري إلى أين تذهب بعد ذلك!
لقد عشنا أيضًا
تحمّمنا في مياه هذه المدينة
وركضنا في حدائقها
قبل أن تُمطر بخسّة هكذا
هل تسمعين صوت الوقت الفائت؟
أسمع مرور الوقت
يمضي وهو يُصفِّر غير مبالٍ
والطفل الذي يمسُّه يصبح شابًا فجأة
أرى الناس يتعجبون من حالهم
عندما تمرّ نظراتهم على المرايا
ولا أحد يسأل إلى أين؟
أقول عن الرجفة الشاردة بداخلي
إنّها صوت مرور الوقت
أسمع مرور الوقت
وأعرف أن كل شخص يسمعه مثلي
ولكن بصوتٍ مختلفٍ، ولونٍ مختلفٍ
وربما بطَعْمٍ مختلفٍ أيضًا
أسمع مرور الوقت
حزينًا أحيانًا
مثل شعور لن يفارقنا أبدًا
أو مثل قلق الحب الأول
الذي يدفعك إلى البكاء
أسمع مرور الوقت
ولا أحد يعرف إلى أين يذهب
أسمع مرور الوقت
وأفتح بابي
فينصبّ البحر في الداخل!
■ ■ ■
مرّ الصيف
أُسدلت الستائر وتَطايَرَ الغبارُ
صارت الدموعُ مثل المطر
وعندما كانت الأزهار تتساقط من الأشجار
جاء الصيف ومضى
لم أره، لكنّني سمعتُ صوته فقط
كانت الأمواج تضرب الشواطئ
وكنتِ نائمةً
كم كنتِ جميلة وأنتِ نائمة
ولكي لا يزعج الصيفُ نومَك
لابد أنّه كان يركض من باب إلى باب على أطراف أصابعه
لم يكن الغبارُ قد سقط بعد على الأرض ولا الأزهار
وأنا كالمسحور لا أنظر إلّا إليكِ
طوال الصيف!
■ ■ ■
اِنْفَكَّ السّحرُ
اِنْفَكَّ السِّحرُ،
وانسحب القاربُ بجسده الرقيق
توقفت الأحجار عن السقوط، وذبلت الفاكهة على الأشجار
شاخت حبيبتنا قبل أن تصير امرأةً
اِنْفَكَّ السِّحر،
وها هو البحر،
والقمرُ ما زال في الرابعة عشرة
يركض في ليلة صافية مثل رجلٍ هرب منه النوم
أو مثل شيء يقع في قلبكَ،
ربما مثل هذا، ربما
كان هكذا وانتهى،
استيقظ النائمُ ورأى
فالذي لم يُر من قبل أصبح يُرى،
والصوت خائفٌ من صداه
الظلالُ ليست لأحد،
والنّسر وَجدَ فريسته في المكان الذي يختبئ فيه ابن الثعلب
اِنْفَكَّ السِّحر، وعاد المُسنُّ إلى الصوت الذي نادى عليه
لقد مات هناك مرة أخرى، آملًا أن يصبح شابًا
انقسم الضوء ألف مرة إلى جميع ألوانه
وانغَلَقَ الغارُ الذي امتلأ بكلامٍ صَرَخنَاهُ ألف مرة
انغلق وصار جبلًا،
بعد أن كان أملًا مُصْفَرًّا
مع فأل ثمالة القهوة الذي لم يتحقق
تلاشى الأمل وهرب
وفجأة، فُتحت الطرقات التي كانت مغلقة
ولكن لم يعد أحدٌ، ولم تمر سفينة صامتة
اِنْفّكَّ السَحر، وقرص الثعبانُ نفسَه
عاد العقرب الملدوغ بأسنان صغاره إلى الليل،
وأصبح هالةً من لهب
صار قديسًا، شاعرًا، ونبيًّا
خلع عمامته، وألقى سترته
وفي الطريق الذي فُتح أمامه في الصحراء حتى غار حراء
وجدتْ النباتاتُ الماءَ مرةً أُخرى
اِنْفَكَّ السّحر، وها قد وجدتُك يا إلهي
وما لا يُرى صار يُرى، والصوتُ خائفٌ من صداه
صار السراب حقيقةً بين الناس والمدينة
والموجود لم يكن موجودًا
اِنْفَكَّ السِّحر، لكنك لم تره
كان مجرد حلم عميق، وكاد أن يسقط!
* ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير
بطاقة
Tuğrul Tanyol شاعر تركي من مواليد إسطنبول عام 1953. درس علم الاجتماع في جامعة "بوغازتشي"، ويعمل أستاذاً بجامعة "يدي تبة"، ويعتبر من أبرز الأصوات الشعرية في جيل الثمانينيات بتركيا. صدرت له عدة مجموعات شعرية، منها: "امسكوا اليوم من يده" (1983)، و"دهاليز أغسطس" (1985)، و"العنقاء التي في الماء" (1990)، و"اِنْفَكَّ السِّحر" (2000)، و"نبيذ الأيام القادمة" 2015. حصل على جائزة أتيلا إلهان عام 2016.