الأحلام المتجمدة للسوريين
ترتب على هجمات النظام على قرى ومدن وأرياف السوريين، دمار وخراب واسع، وجملة من الحقائق تخص المهجرين والنازحين داخل وخارج سورية.
الظروف الفريدة التي يعيشها النازحون في مخيمات الجنوب، والشمال السوري على الحدود التركية، أو مخيمات عرسال اللبنانية، هي لترسيخ وضع مزرٍ يخدم بندا واحدا في الأجندة الدولية والإقليمية: الضغط على اللاجئين السوريين باعتبارهم الخزان المعادي للنظام وهذا لا يروق لمعظم الأجندة التي تسوق رواية وقوفها بجانب قضية السوريين، على اعتبار أن دعم السوري في نزوحه ولجوئه ذلك يمنحهُ قدرة أكبر على الصمود في وجه النظام.
تأكيد حقيقة أن قضية السوريين مع الظلم والاستبداد، هي لب صراعهم مع النظام، وبالتالي إحاطتهم بقدر واسع من هذا الظلم وتسليط القهر عليهم، الهدف منه إغفال أبسط حقوقهم الإنسانية في أماكن النزوح، والتغاضي عن معاناتهم يخدم سياسة النظام.
التضامن مع النازحين والمهجرين، يعني التفافا حول قضيتهم، وتسليط الضوء بشكل مستمر على معاناتهم. لم يتحقق هذا الأمر للأسباب المذكورة وهما أساسان راسخان لقوة دعم السوريين، ويمكن أن يوفرا صمودا على نحوٍ يُمكّن السوريين من تصليب الجبهة الاجتماعية الديمغرافية التي مُنيت بضربات عميقة وجارفة، إضافة إلى أن قيود التضامن المحلية معهم في أماكن التهجير مكبلة بقيود النزعات العنصرية والطائفية، مع تزايد حملات القمع ضدهم في لبنان وفي مخيمات الشمال السوري.
مع كل شتاء يتحول موسم معاناة النازحين السوريين، لمناشدات لا تلقى آذاناً صاغية، مع اكتساب سياسات رسمية عربية وإقليمية لخبرة تحييد هذه المعاناة، وعدم تأثيرها على اتخاذ قرارات عملية تخفف من معاناة السوريين، على العكس تفشت ظاهرة العداء للاجئين وربطهم مع مشكلات محلية وبيئية واقتصادية واجتماعية، إلى عدوى انتفاخ ظاهرة العنصرية ضدهم، والتحريض عليهم وصل إلى حد المطالبة بطحنهم بمكب النفايات.
لم يعد تسليط الضوء على معاناة السوريين في الداخل، أو حتى في مناطق التهجير والنزوح، يستقطب التضامن المطلوب، أو الشكل الطبيعي لإسناد مطالبهم الإنسانية حتى من القوى أو البلدان "المؤيدة" لحقوقهم. لقد اهتز التأييد المألوف لصالح التنسيق المباشر أو غير المباشر مع النظام، وبالتالي أي خطوة تتقدم باتجاههم باتت تحسب من زاوية المصلحة مع النظام.
فكيف للسوري أو المراقب، أن يقيّم طريقة تعاطي السياسات الإقليمية والعربية مع معاناة السوريين في قضايا الدعم النفسي والطبي والتعليمي، وبإثارة الأسئلة والتحرك على أساس أن القضية لهذه البلدان فقط هي التسول من المجتمع الدولي، والإيحاء بأن قضية النازحين هي سبب أزمات اقتصادية واجتماعية في هذه البلدان. ووحل الشتاء وبرودة الطقس لا يقارنهما البعض مع هجمة وهمجية النظام ضد عموم السوريين الذين واجهوا عدواً تميز بوحشية وهمجية راسخة.
ومع ظهور أسئلة مشككة في دور المنظمات الدولية، والمؤسسات الفاعلة المعنية بدعم النازحين واللاجئين السوريين، لم تجر إدانة واضحة لهذا التقصير والتقاعس وصولاً لحد التآمر مع النظام ضد النازحين، وإضافة القهر المركب فوق جرائم النظام التي تراكمت على كاهل السوريين، والتي فتحت الأعين على فداحة الظلم والقهر في مخيمات النازحين مع موسم شتاء جديد، يعيد للأذهان أية كارثة لحقت بالسوريين جراء تدمير النظام منازل ومدارس ومشافي السوريين.
خلاصة: الإبقاء على حالة الإذلال للسوريين في مناطق التهجير والنزوح، حتى لا يتسنى للسوريين إعادة صياغة حياتهم الاجتماعية والوطنية، حتى في المناطق التي ما زالت خارج سيطرة النظام. فالهدف منع إعادة البيئة السورية المتميزة وتجريدها من كل عناصرها الفعالة وإغراقها في وحل المشكلات والتفاصيل، وتصعيب إمكانية بناء ما دمره الأسد، وتسهيل بعثرة المعاناة على أماكن مختلفة تارة في عرسال، وأخرى في الركبان والزعتري، ودير بلوط أو في ريف إدلب الشمالي. شتاء السوريين ووحله يزيدان من مأزق الدول التي تدعي حرصها على قضيتهم ويعريان الإنسانية المدعاة، للشعور بكل الأوقات أن كل الجهود تهدف لإسناد قاتلهم لا إنقاذهم ودعمهم، فمتى ينتهي شتاء السوريين ويجف وحلهم ويعود ربيعهم؟