ودع الأردنيون عام 2017 بما حمله من ظروف اقتصادية صعبة، انعكست سلباً على مستوى معيشتهم، في ظل فرض المزيد من الضرائب وزيادة الأسعار، وتضخم المديونية العامة للدولة، فيما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة.
ويتوقع برلمانيون وخبراء اقتصاد أن يكون العام الحالي أصعب على المواطنين، مع عزم الحكومة اتخاذ إجراءات مالية غير مسبوقة لتخفيض عجز الموازنة تقوم أساسا على زيادة أسعار الخبز ورفع الضرائب على غالبية السلع الغذائية ودخول المواطنين.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، يرجح الخبراء ألا يحقق الاقتصاد معدلات نمو جيدة، وستبقى أقل من 2.2%، كما ستقفز المديونية لتشكل ما نسبته 100% من الناتج المحلي الإجمالي وربما تتجاوزها، فيما ستشهد نسب الفقر والبطالة ارتفاعات أخرى خلال العام الجديد.
يقول النائب خيرو صعيليك، رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب (البرلمان) في حديث لـ "العربي الجديد"، إن الاقتصاد عانى كثيرا خلال 2017 بسبب الاضطرابات المحيطة، خصوصاً الأزمتين العراقية والسورية، وما نجم عنهما من تراجع للصادرات الأردنية بنسبة وصلت إلى أكثر من 10% في المجمل، وبلغ الانخفاض 40% و70% للسوقين العراقي والسوري على الترتيب بسبب إغلاق الحدود البرية معهما.
ويضيف صعيليك، أن مديونية الأردن ارتفعت بشكل كبير، وأصبحت تشكل أكثر من 93% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما قفز معدل البطالة إلى 18.5% وفقا لآخر أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة (حكومية).
ويتابع أن الحكومة فرضت خلال العام الماضي المزيد من الضرائب على السلع والخدمات، بهدف خفض عجز الموازنة العامة.
وبحسب البيانات الرسمية بلغ حجم موازنة 2017 حوالي 12.6 مليار دولار بعجز مقدر بنحو 1.1 مليار دولار.
ويتوقع البرلماني الأردني، أن تواجه الظروف المعيشية صعوبات أيضا خلال العام الحالي، مع عزم الحكومة فرض مزيد من الضرائب وزيادة الأسعار وارتفاع البطالة والفقر، وكذلك مواجهة الحكومة تحديات مواصلة الديون ارتفاعها.
ويقول: "المواطن سيتحمل مزيداً من الأعباء، ما سيؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم وتراجع مستويات المعيشة وتهديد الطبقة الوسطى وتعمق الفقر".
ويؤكد أن مواجهة المشكلات الاقتصادية تتطلب بالدرجة الأولى التركيز على الاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال وتوفير فرص العمل والحد من الفقر، مشيرا إلى أن مجلس النواب يستعد لإقامة مؤتمر استثماري شامل العام الجاري لتحفيز الاستثمار في المملكة.
وأعلنت الحكومة نهاية 2017، أنها سترفع الدعم عن الخبز وضريبة المبيعات على شريحة كبيرة من السلع الغذائية، خلال 2018، وكذلك إلغاء الإعفاءات من الضرائب والرسوم التي كانت ممنوحة لبعض القطاعات.
ويقدر حجم الموازنة العامة للأردن للعام الجاري بنحو 12.75 مليار دولار، بعجز متوقع 753 مليون دولار.
تلاشي الطبقة المتوسطة
يقول مازن مرجي الخبير الاقتصادي لـ "العربي الجديد"، إن "الاقتصاد الأردني ودع سنة من السنوات العجاف، بينما لا توجد مؤشرات على أن يكون 2018 أفضل حالاً وإنما يتوقع أن يكون أكثر صعوبة وتردياً للأحوال الاقتصادية للبلاد وانحداراً حاداً في مستويات المعيشة وتلاشيا متسارعا للطبقة الوسطى".
ويضيف مرجي أن الحكومة تراهن دائما على جيب المواطن لزيادة الإيرادات وتخفيض العجز المالي للموازنة، وهذا رهان خاسر في النهاية، لأنه من غير الممكن الاستمرار في سياسات الجباية".
ويتابع أن "الموطنين وصلوا إلى حالة صعبة جداً وغير مسبوقة من تدني القدرات الشرائية وعدم المقدرة على مواجهة الأعباء المالية المفروضة عليهم".
ويرى أن "السياسات التي تطبقها الحكومة لم تنجح في إنقاذ الأردن من أزمته الاقتصادية، فهي لم تؤد إلى خفض ديون الدولة وعجز الموازنة، والحد من الفقر والبطالة، وزيادة الصادرات ومعدلات النمو، التي لاتزال في الحدود الدنيا".
وبحسب مرجي فإن هناك عدم وضوح واتزان في سياسات الحكومة الاقتصادية، وبالتالي من الصعب الخروج من الأزمة وفقا لحسابات الحكومات المتعاقبة.
ويتوقع أن ترتفع الديون بأكثر من 2.2 مليار دولار خلال العام الجاري، لتشكل حوالي 97% من الناتج المحلي الإجمالي ومن المرجح أن تساوي الناتج وتزيد عنه في فترات لاحقة.
كما يتوقع الخبير الاقتصادي أن تزيد معدلات البطالة إلى أكثر من 20%، خاصة مع عودة أعداد كبيرة من الأردنيين العاملين في الخارج، لاسيما في دول الخليج العربي، لأسباب تتعلق بتأخر الرواتب وتخفيضها وتسريح بعضهم من العمل، مشير إلى أن من المرجح أيضا ارتفاع نسبة الفقر في ظل الصعوبات الحالية.
ولا توجد إحصائيات رسمية حديثة لمعدل الفقر، فيما أشارت آخر نسبة معلنة وتعود لأكثر من 12 عاماً، إلى بلوغه 14%، بينما يرجح ارتفاعه كثيراً عن هذه النسبة بسبب موجات الغلاء التي شهدتها البلاد في السنوات السبع الماضية.
وارتفع التضخم بنسبة 3.3% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، مقارنة بتراجع نسبته 1.1% لنفس الفترة من عام 2016.
ويقول مرجي إن معدل النمو الاقتصادي لن يتعدى 2.2% خلال العام الجاري، فيما سيرتفع العجز في الميزان التجاري بنسبة كبيرة مع استمرار الظروف الإقليمية المحيطة، إلى جانب ارتفاع عجز الموازنة، خاصة مع انخفاض المساعدات.
نمو ضعيف
وكان وزير المالية عمر ملحس قال في تصريحات صحافية مؤخراً، إن الصراعات والظروف الإقليمية المتوترة أدت إلى تواضع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة والدين العام إلى مستويات قياسية، فضلا عن الأعباء الكبيرة الناجمة عن تدفق اللاجئين السوريين.
وبحسب الوزير فإن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نما خلال النصف الأول من 2017 بنسبة 2.1%، وهي نفس النسبة المتحققة للفترة المماثلة من 2016، مشيرا إلى أن هذا المستوى المتواضع من النمو لا يكفي لخلق فرص العمل اللازمة للحد من معدلات البطالة. وتتوقع الحكومة أن يبلغ النمو لعام 2017 كاملاً نحو 2.3%.
وكانت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني العالمية، قد خفضت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي التصنيف الائتماني للأردن في ضوء ارتفاع حجم الدين العام مع استمرار الاحتياجات التمويلية المتنامية والاقتراض الخارجي والمحلي، الذي يترتب عليه ارتفاع كلفة الاقتراض، خاصة مع احتمال تراجع المنح الخارجية، وتباطؤ معدل النمو مع توقعات بعدم وجود حل سريع للأزمة السورية.
وبحسب مؤسسة التصنيف فإن الأردن سيكون عرضة للمزيد من التخفيض في حال تدهور الاستقرار في المنطقة وارتفاع الدين العام إلى مستويات أعلى وتراجع حجم المنح التي يتلقاها.
وبلغ إجمالي الدين العام في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 38.2 مليار دولار، أو ما نسبته 95.3% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 95.1% بالمئة في نهاية عام 2016. وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي نحو 11.7 مليار دولار في نهاية ذلك الشهر، بما يكفي لتغطية نحو 7 أشهر من الواردات.
وكان رئيس غرفة تجارة عمّان، عيسى مراد، قد طالب في حديث مع وكالة الأنباء الأردنية "بترا" يوم الإثنين الماضي، بابتعاد الحكومة عن سياسة الجباية والتوجه نحو تحريك عجلة النمو عبر تسهيل بيئة الأعمال.