15 سبتمبر 2023
الأردن والعودة المحتملة إلى هبّة رمضان
لم تكن مصادفةً أن يزور نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية الأردن، ويلتقيه الملك عبد الله الثاني، ويوقع اتفاقياتٍ أمنية وعسكرية، وفي اليوم نفسه يتلقى الملك رسالة من العاهل السعودي، ويلتقي ممثلي جماعة الإخوان المسلمين في مجلس النواب عبر كتلة الإصلاح النيابية، وقبيل ذلك يوقّع الأردن اتفاقيات ومنحاً مع دولة الإمارات لتطوير القطاع العام والنهوض بعالم البرمجيات.
معنى ذلك كله أن الأردن مطلوب للجميع، وهو يحاول أن يكون بعيداً عن الاستقطاب الحادّ في الإقليم، وهذا حق له، وهو إن بدا ظاهرياً بجانب الحليف السعودي المصري الإماراتي، إلا أنه يتحرك ويتماهى بشكل كبير مع دولة قطر وتركيا، بحسب مصالحه السياسية والاقتصادية، عبر المواقف الشعبية ومواقف مجلس النواب، وخصوصاً في مسألة القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات في المدينة المحتلة، ودعم الفلسطينيين في مواجهة سيناريوهات صفقة القرن المزمع إعلانها، ما يجعل الأبواب الأردنية مفتوحةً على الجميع من دون كلف كبيرة سياسياً.
لا يحضر هذا الكلام من دون النظر إلى واقع الدولة والمجتمع الأردني والحكومة، التي تتوقع مزيداً من التحديات في مقبل الأيام، مع حلول شهر رمضان، والمخاوف من تكرار حركة الاحتجاج الشعبي التي أدت العام الفائت إلى إقالة حكومة هاني الملقي (يونيو/ حزيران 2018) وجاءت بحكومة عمر الرزاز، بأمل إحداث الفرق وإنعاش الاقتصاد وإجراء إصلاحات سياسية ملموسة، وتقليل مستوى البطالة. وهو ما لم يحدث بعد.
في هذا السياق، تفيد صفحة مجموعة البنك الدولي بأن الحالة الاقتصادية في الأردن لا تبشر بالخير عام 2019، على الرغم من كل الإجراءات التي تقول بها الحكومة، والحجج التي
تقدّمها لتبرير فشلها التنموي. جاء في تقرير بعنوان "الأردن الآفاق الاقتصادية" الصادر في شهر نيسان/ إبريل الجاري، أن من "المتوقع أن يرتفع نموّ إجمالي الناتج المحلي تدريجياً إلى 2.2% عام 2019 و2.6% على المدى المتوسط." ولكن هذا النموّ ليس مطلقاً ومحسوماً، فهو بحسب التقرير يتوقف على "الانتعاش الذي يمكن أن تقوده الصادرات لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، ووجود بيئة خارجية داعمة، بما في ذلك الدعم الرسمي كما ورد في مبادرة لندن، وانخفاض تكلفة توليد الطاقة، واستقرار أسعار النفط الدولية".
وقد جاء في التقرير الذي يأتي في وسط تكتم حكومي على نسب الفقر في الأردن، وكذلك النموّ الحقيقي، وحجم النجاح في استقطاب استثمارات حقيقية، أنّ أبرز تحديات الأردن هي "تعدّد أوجه الحرمان وانتشار الفقر والبطالة"، وهي تعدّ من أبرز التحديات الراهنة. وتظل المخاوف حاضرة بفعل بنية الاقتصاد الأردني، وأبرزها: ارتفاع سعر الفائدة عالمياً وعدم القدرة على خفض الديون وتقييد وضع السيولة وارتفاع إجمالي متطلبات التمويل الخارجي، كما أن ارتباط الاقتصاد الكلي في الأردن باقتصاديات المنطقة، وخصوصاً دول الخليج، وما قد يترتب على "تدهور المالية العامة فيها" (حسب التقرير)، فإن التحويلات الخارجية للأردنيين والاستثمار سيتأثران حكماً بذلك التدهور، ما يعني ظروفاً صعبة جديدة على الأردن الذي يعاني أصلاً اقتصاده من أزمات مفتوحة.
يحدث ذلك كلّه في ظل مقاربات أردنية ومخاوف للمرحلة المقبلة، التي سوف تلي إعلان
"صفقة القرن"، والتي من الواضح أنها سوف تمسّ الأردن في مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين، والسيادة على القدس. وفي مواجهة هذا التحسب، تنتشر في مدن المملكة مسيرات مؤيدة للملك عبد الله الثاني في موقفه من الوصاية على القدس الشريفة، وهو ما يعتبر ضرورة ملحّة لإبراز استقرار المؤسسة الملكية "الهاشمية" في الأردن، مقابل حملات مغرضة تواجهها من الخارج والداخل.
لا يعني هذا بالضرورة انفصال الأردن عن واقعه، العربي والإقليمي، فهو يدرك أن ظروفه اليوم ليست في أفضل حالها، وبالتالي يبدو أن العاهل الأردني سيتبع نهج والده الراحل الحسين، حين كان يمرّ بأزمات وجودية تجاه عرشه، فإنه يستدير بذكاء نحو العمق الداخلي، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير حكومي، في حال ألهبت ثورات السودان والجزائر جمهور الشباب الأردني للعودة بالخروج، مطالبين برحيل الحكومة التي قيّم رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي مصطفى حمارنة، أداء رئيسها عمر الرزاز بوصفه "خيبة أمل كبيرة"، على الرغم من صفاته العليمة والفهيمة، بتعبير حمارنة.
ولكن الأردن يحتاج اليوم إلى حلول لا تأزيم جديد. ومن يطالع الراهن الأردني يجد أن هناك
تحسّباً كبيراً لدى الدولة العميقة من عودة مظاهر الاحتجاج التي قامت قبل عام، لكون الحكومة لا تملك قيادات تواجه ذلك التحدّي. وفي الوقت نفسه، لا يمكن للدولة العميقة إنكار وجود غضب شعبي وجوع وفقر وعجز حكومي في إدارة الأزمات، وضعف في بنية الحكومات، وتنام في فجوة الثقة، ما يجعل الهتافات تصيب الرأس، وتحدث صداعاً كبيراً. وفي مجمل هذا المشهد، يرى تيار عريض من الأردنيين أن قيادتهم تتعرّض لضغوط كبيرة، وأنها على الرغم من أنها مسموعة في الغرب الأوروبي، ومقبولة الخطاب، لكنها لا تستطيع وضع يدها بيد ترامب، وتوقع على تصفية القضية الفلسطينية، أو تكون شاهداً على بيع حقوق أهلها.
خلاصة المشهد، كان الحراك الأردني في حالة هدوء نسبي طوال الشتاء، لكن الربيع السياسي الذي سيطول بفعل فصل مطري طويل، قد يجعل الحكومة الأردنية أمام تحدٍ كبير، وليال طويلة من الاحتجاج والغضب الذي يتمنى جلّ الأردنيين أن يظلّ في حدود المعقولية والقانون والبعد عن العنف. وإذا ما عاد هذا الحراك بكثافة وسلميّة، بنسخة هبّة أيار (رمضان الماضي)، التي أطاحت حكومة هاني الملقي، فإنه سيقرّر مصير حكومة الرزاز، وربما مجلس النواب وقياداتٍ كثيرة.
معنى ذلك كله أن الأردن مطلوب للجميع، وهو يحاول أن يكون بعيداً عن الاستقطاب الحادّ في الإقليم، وهذا حق له، وهو إن بدا ظاهرياً بجانب الحليف السعودي المصري الإماراتي، إلا أنه يتحرك ويتماهى بشكل كبير مع دولة قطر وتركيا، بحسب مصالحه السياسية والاقتصادية، عبر المواقف الشعبية ومواقف مجلس النواب، وخصوصاً في مسألة القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات في المدينة المحتلة، ودعم الفلسطينيين في مواجهة سيناريوهات صفقة القرن المزمع إعلانها، ما يجعل الأبواب الأردنية مفتوحةً على الجميع من دون كلف كبيرة سياسياً.
لا يحضر هذا الكلام من دون النظر إلى واقع الدولة والمجتمع الأردني والحكومة، التي تتوقع مزيداً من التحديات في مقبل الأيام، مع حلول شهر رمضان، والمخاوف من تكرار حركة الاحتجاج الشعبي التي أدت العام الفائت إلى إقالة حكومة هاني الملقي (يونيو/ حزيران 2018) وجاءت بحكومة عمر الرزاز، بأمل إحداث الفرق وإنعاش الاقتصاد وإجراء إصلاحات سياسية ملموسة، وتقليل مستوى البطالة. وهو ما لم يحدث بعد.
في هذا السياق، تفيد صفحة مجموعة البنك الدولي بأن الحالة الاقتصادية في الأردن لا تبشر بالخير عام 2019، على الرغم من كل الإجراءات التي تقول بها الحكومة، والحجج التي
وقد جاء في التقرير الذي يأتي في وسط تكتم حكومي على نسب الفقر في الأردن، وكذلك النموّ الحقيقي، وحجم النجاح في استقطاب استثمارات حقيقية، أنّ أبرز تحديات الأردن هي "تعدّد أوجه الحرمان وانتشار الفقر والبطالة"، وهي تعدّ من أبرز التحديات الراهنة. وتظل المخاوف حاضرة بفعل بنية الاقتصاد الأردني، وأبرزها: ارتفاع سعر الفائدة عالمياً وعدم القدرة على خفض الديون وتقييد وضع السيولة وارتفاع إجمالي متطلبات التمويل الخارجي، كما أن ارتباط الاقتصاد الكلي في الأردن باقتصاديات المنطقة، وخصوصاً دول الخليج، وما قد يترتب على "تدهور المالية العامة فيها" (حسب التقرير)، فإن التحويلات الخارجية للأردنيين والاستثمار سيتأثران حكماً بذلك التدهور، ما يعني ظروفاً صعبة جديدة على الأردن الذي يعاني أصلاً اقتصاده من أزمات مفتوحة.
يحدث ذلك كلّه في ظل مقاربات أردنية ومخاوف للمرحلة المقبلة، التي سوف تلي إعلان
لا يعني هذا بالضرورة انفصال الأردن عن واقعه، العربي والإقليمي، فهو يدرك أن ظروفه اليوم ليست في أفضل حالها، وبالتالي يبدو أن العاهل الأردني سيتبع نهج والده الراحل الحسين، حين كان يمرّ بأزمات وجودية تجاه عرشه، فإنه يستدير بذكاء نحو العمق الداخلي، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير حكومي، في حال ألهبت ثورات السودان والجزائر جمهور الشباب الأردني للعودة بالخروج، مطالبين برحيل الحكومة التي قيّم رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي مصطفى حمارنة، أداء رئيسها عمر الرزاز بوصفه "خيبة أمل كبيرة"، على الرغم من صفاته العليمة والفهيمة، بتعبير حمارنة.
ولكن الأردن يحتاج اليوم إلى حلول لا تأزيم جديد. ومن يطالع الراهن الأردني يجد أن هناك
خلاصة المشهد، كان الحراك الأردني في حالة هدوء نسبي طوال الشتاء، لكن الربيع السياسي الذي سيطول بفعل فصل مطري طويل، قد يجعل الحكومة الأردنية أمام تحدٍ كبير، وليال طويلة من الاحتجاج والغضب الذي يتمنى جلّ الأردنيين أن يظلّ في حدود المعقولية والقانون والبعد عن العنف. وإذا ما عاد هذا الحراك بكثافة وسلميّة، بنسخة هبّة أيار (رمضان الماضي)، التي أطاحت حكومة هاني الملقي، فإنه سيقرّر مصير حكومة الرزاز، وربما مجلس النواب وقياداتٍ كثيرة.