اعتصامات، وإخلاء للوزارات، ومحاصرة مبان حكومية، وفوضى في شوارع العاصمة العراقية بغداد، يرافقها غياب السلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان العراقي بعد "انقلاب برلماني" غير ناضج تسعى كتل سياسية لإتمامه، وأخرى لإحباطه، وسط قلق وخوف كبيرَين ينتاب الشارع العراقي من مآلات تلك الأزمة، في ظلّ استمرار اجتماعات السفيرَين الأميركي ستيوارت جونز، والإيراني حسن دنائي فر، في بغداد، بالكتل السياسية المختلفة.
وشهد، أمس الاثنين، تصعيداً كبيراً من قبل أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي عاد من العاصمة اللبنانية بيروت إلى بغداد، إذ حاصر المئات من المعتصمين 13 وزارة عراقية، وأجبروا بعضها على إخلائها من الموظفين، وإغلاقها حتى إشعار آخر. وكانت أبرز هذه الوزارات؛ الداخلية، والكهرباء، والمالية، والثقافة، والعمل والعلوم والتكنلوجيا، والتخطيط، والإعمار والإسكان. وأعلن عدد من تلك الوزارات، في بيانات رسمية، إخلاء مبانيها، ومنح الموظفين فيها إجازة بسبب محاصرة مبانيها من مئات المعتصمين، ونصب خيامهم، ومطالبة الوزراء ووكلائهم بالاستقالة. فيما طوّقت قوات التدخّل السريع التابعة لوزارة الداخلية العراقية مبنى مجلس محافظة بغداد وسط العاصمة، ومباني المحكمة الاتحادية، ومفوضية الانتخابات المستقلة، وهيئة الإعلام والاتصالات، ما أدى إلى إحداث شلل كبير في العاصمة. استدعى هذا الأمر تدخل الصدر، من خلال إصدار بيان مقتضب، دعا فيه أنصاره إلى عدم إعاقة حياة المواطنين والتضييق على عملهم اليومي.
ورفض الأعضاء المعتصمون في مجلس النواب العراقي، طلب العبادي، عقد جلسة "فورية"، والتصويت على قائمة التشكيلة الوزارية الأولى، التي أرسلها إلى البرلمان، الشهر الماضي. وقال مقرر البرلمان نيازي أوغلو لوكالة "الأناضول"، أمس، إن "طلب العبادي لا يعنينا"، لافتاً إلى أنهم يعملون الآن على "استكمال المرحلة الأولى من الخطوات الإصلاحية بانتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان". وأوضح، أنه لا يمكن التصويت حالياً على أية حكومة، قبل انتخاب رئاسة جديدة للبرلمان، ولا يمكن لرئاسة البرلمان "المقالة" التصويت على أية حكومة، مشيراً إلى أن "البرلمان بعد انتخاب رئاسة جديدة سيكون له رأي في أية تشكيلة وزارية تُقدّم".
في السياق ذاته، اتهم المتحدث باسم النواب المعتصمين هيثم الجبوري، في بيان له، أمس الاثنين، الولايات المتحدة وإيران بـ"التدخل في الشأن العراقي"، وطالب الدولتين بـ"رفع يدها عن المقالين دستورياً"، في إشارة لرئيس البرلمان سليم الجبوري ونوابه.
ويأتي تصعيد الصدر، أخيراً، بعد منحه مهلة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مجدداً، من المقرر أن تنتهي، مساء اليوم الثلاثاء، لتقديم قائمة وزرائه الجدد إلى البرلمان العراقي وإقالة الحاليين. إلّا أن البرلمان نفسه لا يبدو بحال أفضل من الحكومة، إذ ينقسم على نفسه برئيسَين ومقرّرَين اثنين. ومن المتوقع أن تعقد جلسة للبرلمان العراقي، اليوم الثلاثاء، وسط مساعي الوساطات الأميركية والإيرانية لإنجاحها، باعتبار أنّه إذا ما تحقق ذلك يعني تجاوز الأزمة والعودة بالحديث عن حكومة التكنوقراط التي يطالب بها الصدر وبعض الكتل السياسية، وأعضاء البرلمان.
في هذا السياق، تقول القيادية في اتحاد القوى العراقية (الممثل الأكبر للعرب السنة) لقاء مهدي وردي لـ"العربي الجديد"، "نحن كسياسيين لم نعد نفهم ما يجري. في البداية، كانت الدعوات للإصلاح، والقضاء على الفساد الحكومي، وتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة الطائفية، ثم صارت الأمور إلى إقالة رئيس البرلمان، وهذا ما يمكن تسميته التخبط بالأزمة". وتضيف وردي أنّ "الجبوري هو الرئيس الشرعي للبرلمان، وما حدث من جلسة وتصويت على إقالته لا يمكن اعتبارها شرعية، ولا تستند للقانون"، وفقاً للقيادية.
وتوضح وردي أنّه "خلال اجتماعي الأخير مع الجبوري رفض أن يقدم شكوى أو استفسار للمحكمة الدستورية، وأبلغني أنه لا يريد أن يجعل المصوّتين على إقالته خصوماً"، مضيفة أنّه "غداً، ومن خلال الجلسة التي طالب فيها الجبوري الكتل بجمع 110 تواقيع لإقالته في أول جلسة يرأسها، عندها سيكون وفقاً للقانون، ما يُلزمه على تقديم استقالته. ونحن بدورنا كاتحاد قوى، سنقوم بترشيح بديل عن الجبوري من داخل اتحاد القوى، كون المنصب استحقاقا انتخابيا للكتلة، هذا إذا استمر إصرار الكتل الأخرى على الإقالة"، وفقاً لها. وتشير إلى أنّه "في حال امتنع النواب المعتصمون عن الحضور للجلسة البرلمانية، وأصرّوا على موقفهم، عندها سيقدم الجبوري طلباً للمحكمة للبت بالقضية"، متوقعة أن "هذا هو السيناريو المفروض لهذا اليوم (غداً)".
من جانبه، يؤكد برلماني أن "كتلة المالكي والكتل الأخرى المتحالفة معها تصرّ على إقالة الجبوري، حالياً، وهم الجناح المعروف بقربه من طهران، وهو ما يزيد الحيرة بين موقف هذه الكتل والموقف الإيراني الذي أعلن عن رفضه إقالة الجبوري، وأكد شرعية البرلمان والدستور"، بحسب البرلماني. ويضيف أنّ "الكتل المعتصمة ليست واحدة، فكل كتلة لها مطالب تختلف، بل تتعارض مع الثانية. المالكي يريد الإطاحة بالعبادي، والصدر يريد من العبادي تشكيل وزارة جديدة يديرها وزراء مستقلون، وكل من الفضيلة وأهل الحق، وهي كتل صغيرة، يريد الضغط على العبادي للإفراج عن نحو مليار دولار كموازنة متبقية لمليشيات الحشد الشعبي"، واصفاً الوضع بـ"المُربك، والمتبدّل بين ساعة وأخرى"، وفقاً للبرلماني ذاته. ويعتبر البرلماني ذلك "نتيجة طبيعية لبداية تفكك التحالف الوطني، وفقدان إيران البوصلة بين كتله"، على حد تعبيره.