21 فبراير 2018
الأصولية تخسر مقعداً في تونس
وضعت حركة النهضة التونسية القدم الأولى خارج قفص (الإسلام السياسي)، ودخلت إلى خيمة الحزب السياسي المدني، ذي المرجعية الإسلامية، حزب يعلن انتماءه إلى تونس دولة وثقافة وحضارة، ويطلق الأممية الدينية التي كانت ردة فعل على صدمة سقوط الخلافة العثمانية، وعلو كعب الغرب، وانتشار الاستبداد والقمع في الشرق.
أعيد انتخاب راشد الغنوشي (74 سنة) بأغلبيةٍ كاسحةٍ في المؤتمر العاشر لحركة النهضة، ومعه صوّت المؤتمرون على ورقة الفصل بين السياسي والديني، وإقرار تمايز واضح في الأهداف والوسائل بين السياسي والدعوي، بين البرلمان والمسجد، بين رجلي الدعوة والدولة. وقال الغنوشي للصحافيين العرب والغربيين الذين حجّوا بكثرة لمتابعة المؤتمر العاشر لـ "النهضة": حركتنا تونسية، تتطور مع تونس، إننا نتجه بشكل جدي باتجاه حزب سياسي وطني مدني ذي مرجعية إسلامية، يعمل في إطار دستور البلاد ويستوحي مبادئه من قيم الإسلام والحداثة.
وقال وزير الخارجية التونسي السابق لوكالة فرانس برس، في تفسير هذا التحول الفكري والتنظيمي لحركة إسلامية في العالم العربي: لم يعد هناك حاجة للإسلام السياسي الاحتجاجي في مواجهة الدولة، نحن الآن في مرحلة البناء والتأسيس، نحن حزب وطني يعتمد المرجعية الإسلامية، ويتجه إلى تقديم إجابات أساسية على مشاغل التونسيين واهتماماتهم في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
ما هي دلالات هذا التحول في العالم العربي والمنطقة المغاربية؟ تحوّل النهضة من حركة دينية إلى حزب مدني معناه أن الإسلاميين يتطورون، وإنهم ليسوا قنافد متشابهة لا أملس فيها، وأن أجواء الحرية والتعددية وتجربة الانتقال الديمقراطي جعلت رؤوسهم تلين، فلم يعد التشدّد الديني والانغلاق الفكري والراديكالية السياسية عملة رائجة في تونس، كما كانت زمن استبداد بورقيبة وبن علي، ذلك أن احتكاك الإسلاميين مع الواقع وخروجهم إلى المجتمع وإدارتهم الدولة فتحت عقولهم وأعينهم على حقائق لم يكونوا يرونها، وعلى إشكالات وتعقيدات كبيرة، لم يكونوا يشعرون بها وهم في المعارضة، ففهموا أن الشعارات الدينية صالحة للتعبئة وللثورة ولأدب السجون وللخلايا التنظيمية، لكنها غير صالحة للرفع من نسبة النمو وتخفيض معدل البطالة وجلب الاستثمارات الأجنبية.
هذا التحول الفكري والسياسي الذي وقع في حركة النهضة ودفعها إلى نوع من العلمانية الناعمة، حيث الفصل بين الديني والسياسي بين السلطة والدعوة هو رجوع لتصحيح مسار الإصلاحية الإسلامية التي بدأت مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلال الفاسي والمختار السوسي وعبدالعزيز الثعالبي والبشير الإبراهيمي كتيار نهضوي يهدف إلى مقاومة التخلف وتخليص الفكر الديني من الجمود والتقليد، لكن هذا التيار الإصلاحي انتهى إلى السقوط في مجرى الأصولية الدينية المتشددة التي صدمت بسقوط الخلافة الإسلامية، في بداية القرن الماضي، واتجهت إلى الانفصال عن المجتمع والقطع معه، فأرهقت نفسها وأرهقت شعوبها.
تدل التجربة التونسية والمغربية والتركية على أن علاج الأصوليات الدينية وغير الدينية هو الديمقراطية، وأن الأخيرة قادرة على إدماج كل التيارات، كما حصل في المجتمعات الأوروبية التي استوعبت جنوح الشيوعية وتطرف الاشتراكية، ونزعت منها ديكتاتورية البروليتاريا وملأتها بروح التعدّدية والاحتكام إلى صندوق الاقتراع وحكم الناخبين. ليس الاستبداد هو العلاج الصحيح لآفة التطرف والفوضى والإرهاب. بالعكس، الاستبداد هو أصل كل المشكلات والأمراض التي تصيب المجتمعات المتدينة وغير المتدينة. هذا لا يعني أن الديمقراطية تقضي تماماً على التطرّف والرادكالية، لكن الديمقراطية تنتج حلولاً فعّالة لهذه الأمراض إذا لم تستطع أن تنتج تلقيحات ضدها، فإنها تجعل من التطرف تياراً هامشياً في المجتمع، في حين أن الاستبداد والدكتاتورية تجعل من التطرف والغلو ملاذاً للأغلبية الساحقة التي ترى في مشاريع الأصولية الدينية أو القومية أو الطائفية معولاً لهدم حكم الاستبداد، من دون أن تعي أنها تهدم مع النظام الدولة، ومع الدولة المجتمع، ومع المجتمع المستقبل.
أعيد انتخاب راشد الغنوشي (74 سنة) بأغلبيةٍ كاسحةٍ في المؤتمر العاشر لحركة النهضة، ومعه صوّت المؤتمرون على ورقة الفصل بين السياسي والديني، وإقرار تمايز واضح في الأهداف والوسائل بين السياسي والدعوي، بين البرلمان والمسجد، بين رجلي الدعوة والدولة. وقال الغنوشي للصحافيين العرب والغربيين الذين حجّوا بكثرة لمتابعة المؤتمر العاشر لـ "النهضة": حركتنا تونسية، تتطور مع تونس، إننا نتجه بشكل جدي باتجاه حزب سياسي وطني مدني ذي مرجعية إسلامية، يعمل في إطار دستور البلاد ويستوحي مبادئه من قيم الإسلام والحداثة.
وقال وزير الخارجية التونسي السابق لوكالة فرانس برس، في تفسير هذا التحول الفكري والتنظيمي لحركة إسلامية في العالم العربي: لم يعد هناك حاجة للإسلام السياسي الاحتجاجي في مواجهة الدولة، نحن الآن في مرحلة البناء والتأسيس، نحن حزب وطني يعتمد المرجعية الإسلامية، ويتجه إلى تقديم إجابات أساسية على مشاغل التونسيين واهتماماتهم في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية.
ما هي دلالات هذا التحول في العالم العربي والمنطقة المغاربية؟ تحوّل النهضة من حركة دينية إلى حزب مدني معناه أن الإسلاميين يتطورون، وإنهم ليسوا قنافد متشابهة لا أملس فيها، وأن أجواء الحرية والتعددية وتجربة الانتقال الديمقراطي جعلت رؤوسهم تلين، فلم يعد التشدّد الديني والانغلاق الفكري والراديكالية السياسية عملة رائجة في تونس، كما كانت زمن استبداد بورقيبة وبن علي، ذلك أن احتكاك الإسلاميين مع الواقع وخروجهم إلى المجتمع وإدارتهم الدولة فتحت عقولهم وأعينهم على حقائق لم يكونوا يرونها، وعلى إشكالات وتعقيدات كبيرة، لم يكونوا يشعرون بها وهم في المعارضة، ففهموا أن الشعارات الدينية صالحة للتعبئة وللثورة ولأدب السجون وللخلايا التنظيمية، لكنها غير صالحة للرفع من نسبة النمو وتخفيض معدل البطالة وجلب الاستثمارات الأجنبية.
هذا التحول الفكري والسياسي الذي وقع في حركة النهضة ودفعها إلى نوع من العلمانية الناعمة، حيث الفصل بين الديني والسياسي بين السلطة والدعوة هو رجوع لتصحيح مسار الإصلاحية الإسلامية التي بدأت مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلال الفاسي والمختار السوسي وعبدالعزيز الثعالبي والبشير الإبراهيمي كتيار نهضوي يهدف إلى مقاومة التخلف وتخليص الفكر الديني من الجمود والتقليد، لكن هذا التيار الإصلاحي انتهى إلى السقوط في مجرى الأصولية الدينية المتشددة التي صدمت بسقوط الخلافة الإسلامية، في بداية القرن الماضي، واتجهت إلى الانفصال عن المجتمع والقطع معه، فأرهقت نفسها وأرهقت شعوبها.
تدل التجربة التونسية والمغربية والتركية على أن علاج الأصوليات الدينية وغير الدينية هو الديمقراطية، وأن الأخيرة قادرة على إدماج كل التيارات، كما حصل في المجتمعات الأوروبية التي استوعبت جنوح الشيوعية وتطرف الاشتراكية، ونزعت منها ديكتاتورية البروليتاريا وملأتها بروح التعدّدية والاحتكام إلى صندوق الاقتراع وحكم الناخبين. ليس الاستبداد هو العلاج الصحيح لآفة التطرف والفوضى والإرهاب. بالعكس، الاستبداد هو أصل كل المشكلات والأمراض التي تصيب المجتمعات المتدينة وغير المتدينة. هذا لا يعني أن الديمقراطية تقضي تماماً على التطرّف والرادكالية، لكن الديمقراطية تنتج حلولاً فعّالة لهذه الأمراض إذا لم تستطع أن تنتج تلقيحات ضدها، فإنها تجعل من التطرف تياراً هامشياً في المجتمع، في حين أن الاستبداد والدكتاتورية تجعل من التطرف والغلو ملاذاً للأغلبية الساحقة التي ترى في مشاريع الأصولية الدينية أو القومية أو الطائفية معولاً لهدم حكم الاستبداد، من دون أن تعي أنها تهدم مع النظام الدولة، ومع الدولة المجتمع، ومع المجتمع المستقبل.