ومن عجب أن رئيس الوزراء السابق، حازم الببلاوي ووزير ماليته أحمد جلال، ووزيره للتعاون الدولي زياد بهاء الدين، كانوا يتحدثون عن تحسّن أداء الاقتصاد المصري عقب وقوع الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي من خلال ثلاثة مؤشرات، هي ارتفاع قيمة احتياطي النقد الأجنبي، وانتعاش البورصة، واستقرار سعر الصرف.
وقد كذّب الواقع تحقيق كل هذه المؤشرات، وهم يعلمون أن حديثهم وهمٌ ومحض خيال، فالبورصة المصرية تعبر عن حالة غير واقعية، وجلّ مؤشرات الاقتصاد المصري سلبية، والبورصة لا تعرف إلا الصعود في مؤشرها العام، وهو ما يعد عكس القواعد الاقتصادية المتعارف عليها عالمياً، والتي تقول إن البورصة مرآة للاقتصاد.
كما أن احتياطي النقد الأجنبي، الذي سجل بنهاية أبريل/نيسان الماضي 17.4 مليار دولار، يتكون من موارد غير ذاتية، أبرزها المساعدات الخليجية، وفكّ وديعة حرب الخليج وقدرها 9 مليارات دولار.
وحسب البيان الأخير لحكومة الببلاوي التي استقالت نهاية فبراير/شباط، فإن قيمة المساعدات التي حصلت عليها من المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت بلغت منذ الانقلاب في الثالث من يوليو/تموز وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي 10.9 مليار دولار، لكن عبد الفتاح السيسي المرشح للانتخابات الرئاسية تحدث في حوار تليفزيوني مؤخراً حول بلوغها 20 مليار دولار.
كما أن سعر الصرف في السوق السوداء لا يبالي ببيانات البنك المركزي، حيث يوجد نحو 40 قرشاً كفرق في سعر صرف الدولار بالبنوك المصرية والسوق السوداء.
الكثير من المؤشرات الاقتصادية، تحدث عنها مسؤولون حكوميون بحكومة الببلاوي السابقة، والحالية برئاسة إبراهيم محلب، بأنها تشهد تحسناً، ليعلنوا حالة نجاح للاقتصاد المصري في ظل الانقلاب العسكري، ولكن من خلال الأرقام يتضح لنا أن ذلك التحسن كان محض خيال، والواقع يشهد المزيد من الارتباك في المشهد الاقتصادي المصري.
ونرصد هنا بعض الشواهد الدالة على عدم تحقيق وعود المسؤولين الحكوميين عن أداء المؤشرات الاقتصادية بمصر عقب الانقلاب العسكري في يوليو الماضي.
خفض عجز الموازنة
غير مرة، صرّح وزير المالية السابق أحمد جلال، في عهد حكومة الببلاوي، بأن الحكومة تستهدف تخفيض عجز الموازنة ليصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن المؤشرات الأولية التي يتحدث عنها رئيس الوزراء الحالي إبراهيم محلب ووزير ماليته هاني قدري دميان، تقدر أن يكون العجز بحدود 14%.
والملاحظ أن العبرة ليست بفشل حكومتَي الببلاوي ومحلب في خفض عجز الموازنة فقط، ولكن المشكلة الأكبر، هي أن هذا العجز المرتفع، تحقق حتى في ظل موارد إضافية لم تشهدها الموازنة المصرية من قبل، سواء من الخارج، والتي تمثلت في الدعم الخليجي، الذي قدره المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي بـ 20 مليار دولار.
أو من خلال إقدام الببلاوي على تسييل وديعة حكومية دولارية "وديعة حرب الخليج" بنحو 9 مليارات دولار، كانت مودعة لدى البنك المركزي، وتحويلها للجنيه المصري، وقدرت قيمة الوديعة بنحو 60 مليار جنيه مصري، وأعلن عن استخدامها في خطط التحفيز، وسد عجز الموازنة، وتدبير تمويل للحد الأدنى للعاملين بالحكومة.
كما تحقق عجز الموازنة أيضاً في ظل سعر الفائدة المتدني للاقتراض الداخلي، والذي تم تخفيضه بمعدل 3%، عما كان عليه قبل الانقلاب، وما تم توفيره نظير خفض سعر الفائدة يبلغ قرابة 30 مليار جنيه.
ويبقى السؤال، كيف ستدبر الحكومة موارد الموازنة للعام المالي 2014/2015، تفي باحتياجات الموازنة من النفقات العامة، دون حدوث المزيد من العجز في الموازنة ؟
وهل ستتاح للحكومة موارد من خلال برامج دعم خارجية، تعادل ما تم الحصول عليه في العام المالي 2013/2014.
يمكننا الإجابة على السؤالين بالقول إنه من الصعوبة بمكان أن يتحقق نصف هذه الموارد خلال الفترة القادمة، فضلاً عن عدم وجود ودائع حكومية أخرى يمكن التصرف فيها كما حدث مع حكومة الببلاوي التي قامت بتسييل وديعة حرب الخليج.
إن التقديرات تشير إلى أن تنفيذ سياسات تخفيض دعم الطاقة، في حالة نجاحه، وبنسبة 100 %، سوف تعمل على تخفيض دعم الطاقة بنحو 30 مليار جنيه، ولكنه لن يكون مؤثراً في ظل استمرار اعتماد الحكومة في تمويل مشروعاتها عبر آلية المديونية من الداخل والخارج.
الحد الأدنى والأقصى للأجور
هذه القضية اعتبرت واحدة من قضايا العدالة الاجتماعية في مصر، على أساس أن هذا المعيار يعد إحدى آليات توزيع الثروة. ففي عهد الببلاوي سادت حالة من التردد الملحوظ، من خلال إيمان الحكومة بالقضية، ولكن كان لديها صعوبات في التنفيذ على أرض الواقع.
انتهت القضية في حكومة الببلاوي بتطبيق الحد الأدنى للعاملين بالحكومة، بتكلفة مالية تقدر بنحو 9 مليارات جنيه، تتحملها الموازنة العامة للدولة، خلال النصف الأول من عام 2014. وكذلك أعلن عن تطبيق حد أقصى للأجور، وتم استثناء جهات عدة من التطبيق، وهي المؤسسات التي كانت مستهدفة بالحد الأقصى لارتفاع رواتب العاملين بها، مثل الهيئات الاقتصادية، والقضاء، والبترول، والمؤسسات المالية.
وأسفر التنفيذ عن سوء تقديرات الحكومة من جانبين، الأول التكلفة المالية، حيث قدر رئيس قطاع الموازنة بوزارة المالية تكلفة الحد الأدنى خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2014 بحدود 12 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 33% عن التكلفة المقدرة، ومع ذلك لم يشمل التطبيق كافة العاملين بالدولة، مما أوجد حالة من السخط وسط العاملين بالحكومة.
أما الحد الأقصى للأجور، فقد ولد تطبيقه ميتاً، من خلال الاستثناءات، كما أعلن وزير المالية الحالي، بأن القانون لا يطبق إلا على نحو 8 آلاف موظف فقط، وأنه معرض للطعن دستورياً، وأن تطبيقه الحالي لا يوفر للموازنة سوى 200 مليون جنيه، وأنهم بصدد إجراء تعديل على هذا القانون.
عدم الحاجة لقرض الصندوق
مع بداية عمل حكومة الببلاوي عقب الانقلاب، أعلن وزير التخطيط أشرف العربي، أن مصر ليست في حاجة لقرض صندوق النقد الدولي، ولكن ما يتم على أرض الواقع، من خلال مجموعة من الإجراءات الخاصة برفع أسعار الخدمات الحكومية، يدلل على أن الحكومة تنتظر الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، لكي تقوم بدعوة صندوق النقد للدخول في شروط جديدة لتوقيع اتفاق بشأن الحصول على القرض.
فقد تمت بالفعل زيادة أسعار المياه، لما زاد عن استهلاك 20 متر مكعب بمقدار قرش للمتر المكعب، وكذلك تم رفع سعر استهلاك الغاز للمنازل والأغراض التجارية، حسب شرائح ثلاث بين 40 قرش للمتر، وجنيه، و1.5 جنيه، حسب الاستهلاك.
ومن المنتظر أن يتم رفع أسعار الكهرباء للمنازل لشريحة الـ20% الأكثر استهلاكاً، وكذلك من المنتظر زيادة أسعار الكهرباء والغاز للمصانع، ومن المتوقع أن تتم زيادة أسعار الوقود (البنزين والسولار)، وإن لم يتحدد بعد تاريخ هذه الزيادة.
وتؤهل الحكومة موازنة 2015/2014، لتكون في إطار سيناريوهين، الأول بدون إجراءات رفع الأسعار، والثاني في إطار إجراءات رفع الأسعار، ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الأسعار إلى خفض قيمة الدعم بنحو 30 مليار جنيه سنوياً.
وفي ظل تفاقم الأزمة التمويلية لمصر، قد تكون مفاوضات صندوق النقد حول قرض بقيمة أربعة أضعاف حصة مصر، أي 6.4 مليار دولار.
ومما يؤكد عزم حكومة محلب على توقيع اتفاق مع الصندوق، تصريحات وزير المالية هاني قدري، حول أن مصر قد تلجأ إلى سوق السندات الدولية لتوفير السيولة، وهذا السوق من الصعب الولوج إليه من دون الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد.
البطالة ومعدلات النمو
من عجائب بيانات أداء الاقتصاد المصري، أن تظهر إحصاءات الجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، ثبات معدل البطالة عند معدل 13.4% خلال الفترة يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2014، وهي نفس النسبة المتحققة خلال الفترة أكتوبر/تشرين الأول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
وكأن خطط التحفيز الثلاث، التي أعلنت الحكومة عن تنفيذها بالفعل وقامت بتوفير التمويل اللازمة لها، كانت هباءً منثوراً.
والسؤال المطروح هنا هو: كيف لا تتحرك معدلات التشغيل على الرغم من هذا الضخ الكبير من التمويل المحلي والخارجي في شرايين الاقتصاد المصري؟
من المفترض أن حزم التحفيز، تؤدي إلى زيادة معدلات النمو، وتسريع حركة التشغيل، لكن البيانات المنشورة عن النصف الأول من العام المالي الحالي، والمنتهية في ديسمبر 2013، تشير إلى أن معدل النمو بحدود 1%، وهو ما استجلب العار لوزارة المالية المصرية، لأن معدل النمو بعهد مرسي كان ضعف هذا المعدل "2.2%".
ثمة شيء خطأ يتعلق بالبيانات، إما أن هذا الإنفاق كان وفاءً لديون قديمة، أو أنه وُجّه لغير المشروعات المعلن عنها، وكانت الحكومة قد أعلنت أن حزم التحفيز موجهة لمشروعات البنية الأساسية.
لغز احتياطي النقد الأجنبي
كانت إحدى بشريات رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي وصول احتياطي النقد الأجنبي لـ 20 مليار دولار، وهو ما لم يتحقق قط، فبيانات البنك المركزي المصري تشير إلى أن أكبر رقم وصل إليه احتياطي النقد الأجنبي هو 18 مليار دولار.
ثم انخفض إلى 17 مليار دولار، ثم تزايد في نهاية أبريل/نيسان 2014، لنحو 17.4 مليار دولار، واستمر البنك المركزي في سياسته لحماية سعر صرف الجنيه، عبر العطاءات المتكررة الدورية والاستثنائية، والتي كان آخرها في 14 مايو/أيار بنحو 1.1 مليار دولار.
وقد نكون في غنى عن التذكير بمكونات الاحتياطي واعتمادها على الودائع الخليجية والتركية، فهذا الاحتياطي من غير المكونات أو الموارد الذاتية. ومع ذلك فإن الاستقرار النسبي للاحتياطي على مدار الشهور الماضية، يرجع بالدرجة الأولى لتدفق الدعم النفطي الخليجي.
فلازالت السياحة تعاني في مصر، كما أن تحويلات العاملين بالخارج، تشهد تراجعاً ملحوظاً، ولا تحقق مصر فوائض بترولية، حيث يشير الميزان التجاري للبترول إلى وجود عجز بنحو 0.5 مليار دولار نهاية العام المالي 2013/2012. ولم يبق من مورد ثابت في تدفقاته من النقد الأجنبي سوى عوائد قناة السويس.
لكن من المستحيل أن تأتي بيانات البنك المركزي مع نهاية مايو/أيار الحالي، لتقول إن الاحتياطي زاد بضع ملايين الدولارات، أو أنه لم ينخفض في ظل العطاء الاستثنائي الأخير، إلا إذا كانت هناك برامج للدعم الخارجي غير معلن عنها، يتم من خلالها تزويد احتياطي النقد الأجنبي لمصر.