من يتابع تغطية الصحف والمواقع الإخبارية وما تعرضه قنوات التلفزة ومحطات الإذاعة الإسرائيلية للعدوان المتواصل على قطاع غزة، لا بد أن يلفت نظره حقيقة أن معظم الصحافيين والمعلقين الصهاينة استعاضوا عن تغطية الأحداث وتحليلها، بالتحريض الفج على العنف وممارسة أكبر قدر من القوة العسكرية ضد قطاع غزة.
وبدلاً من أن يضع جمهور المشاهدين في جوّ مجريات الأمور، حوّل المراسل العسكري لقناة التلفزة الثانية، روني دانئيل، تقاريره إلى نصائح لقيادة الجيش حول "أنجع" الطرق التي يمكن لإسرائيل بواسطتها تحقيق أكبر قدر من الإيذاء ليس فقط للمقاومة الفلسطينية، بل أيضاً للجمهور الفلسطيني بشكل عام. فخلال إحدى إطلالاته العديدة مساء الثلاثاء الماضي، على أكثر قنوات التلفزة مشاهدةً، خرج دانئيل عن طوره في تعداد الأسباب التي تبرر للجيش الإسرائيلي المسّ بالمدنيين خلال هجماته على القطاع.
ومن خلال تجربته كمقدم احتياط في سلاح المدرعات، فإن دانئيل لا يكتفي بالتحريض العام، بل يتوسع في تقديم مقترحات تفصيلية لإجراءات عسكرية ميدانية، يقول إنه يتوجب تطبيقها في الحرب على حماس.
صحافيون واستخبارات
ولا يختلف زميلاه في "قناة التلفزة العاشرة"، ألون بن دافيد وأورن هيلر، عن دانئيل كثيراً، حيث إن تقاريرهما تزخر بما يعتبرانه "العوائد الإيجابية للإفراط في استخدام القوة العسكرية ضد غزة". ولم يتردد هيلير في ذكر اسماء القيادات الحمساوية التي يتوجب على الجيش الإسرائيلي "معالجتها" (أي تصفيتها)، ضمن الحملة على القطاع، علاوة على أنه يعرض قائمة طويلة من "العمليات الإرهابية" لكل قيادي في المقاومة تمت تصفيته من قبل جيش الاحتلال، في مسعى واضح لتبرير عمليات التصفية.
أما عاموس ريغف، رئيس تحرير صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فلا يرى حلاً للوضع القائم سوى "إعادة غزة للعصر الحجري". وفي تقرير نشرته الصحيفة في عددها الصادر الأربعاء، كتب ريغف: "يجب استئصال أسنان الثعبان عبر القضاء على مخزون حماس من السلاح، الذي تمكنت الحركة من مراكمته خلال العقد الأخير"، على حد تعبيره. ولا يتمكن ريغف من التخلص من غريزته العنصرية، فهو يرى وجوب شن عملية برية واسعة على غزة "المتخلفة" من ناحية تقنية وعسكرية وحضارية، والتي تجرأت على استفزاز إسرائيل التي تملك أحد أقوى الجيوش في العالم وفائض قوة هائلاً.
وهو يرى أنه يجب عدم السماح بواقع تتمكن فيه حماس من إيجاد "ميزان رعب" في مواجهة إسرائيل، لذا فهو يرى وجوب "تدمير كل شيء من أجل تمكين إسرائيل من استعادة قوة الردع". وبلهجة تشع استكباراً، يضيف ريغف: "يجب إرجاع الحمساويين إلى وضع يتمكنوا فيه من إلقاء حجارة علينا فقط، كما كانت عليه الأمور في الانتفاضة الأولى.
التلاعب بالمصطلحات
وعند تحليل مضامين التغطية الصحافية وطابع المصطلحات المستخدمة في التقارير حول مجريات العدوان، يتضح أنه يتم الالتزام بمصطلحات مريحة للدعاية الإسرائيلية. فبدلاً من استخدام مصطلح "تصفية" أو "اغتيال" عندما يتعلق الأمر بقتل قيادات وعناصر في المقاومة الفلسطينية، فان وسائل الإعلام الصهيونية تستخدم مصطلح "الإحباط المركز". ويشي هذا المصطلح أن الشخص الذي كان هدفاً لعملية الاغتيال كان في طريقه لشن عمل عسكري ضد إسرائيل وجاءت عملية الاغتيال لإحباط مخططه.
في الوقت ذاته فإن استخدام صيغ المبني للمعلوم والمجهول في التقارير التي تتناول العدوان الصهيوني وعمليات المقاومة الفلسطينية يخضع لهوية الطرف المتضرر. فعندما يتم تغطية مقتل عدد من الفلسطينيين في غارة صهيونية، فإن تقارير معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول: "عدد من الفلسطينيين قتلوا...الخ"، حيث لا إشارة إلى الفاعل، في حين يتم استخدام صيغ المبني للمعلوم في تغطية عمليات المقاومة التي تستهدف إسرائيل. ويتحول الفلسطينيون الذين يقتلون أو يجرحون جراء الغارات الإسرائيلية إلى مجرد "أرقام"، في حين يتم التوسع في تصوير مظاهر "معاناة" المستوطنين، الذين لم يقتل منهم أحد حتى الآن في غارات المقاومة الفلسطينية.
في الوقت ذاته، فإن وسائل الإعلام الصهيونية تتبنى بشكل تلقائي الرواية الرسمية الإسرائيلية وتتجاهل الرواية الفلسطينية. ومن أجل تعظيم الطابع العنصري في التغطية الإخبارية، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تستعين بخدمات مستشرقين صهاينة معروفين بمواقفهم العنصرية من العرب، مثل رؤفين بيركو، الذي برز في التعليق على ما يجري من خلال كتاباته في صحيفة "يسرائيل هيوم "، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً. يتضح مما تقدم أن الإعلام الإسرائيلي من خلال استنفاره واسناده لخطاب المؤسسة الحاكمة في تل أبيب، بات طرفاً أساسياً في المعركة ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته.