دخل الائتلاف الوطني السوري، أبرز العناوين السياسية للمعارضة والثورة السورية، مرحلة جديدة مع انتخاب قيادة سياسية في ظل اتجاه القضية السورية إلى مزيد من التأزيم وانسداد أي أفق للحل السياسي في المدى المنظور، إذ وصل التجاذب الإقليمي والدولي حيال الملف السوري إلى الذروة.
وانتخب أعضاء الهيئة العامة للائتلاف، في اجتماعات دورتهم الـ39، عبد الرحمن مصطفى (تركماني الأصل) رئيساً جديداً، في مرحلة بدأ الائتلاف يفقد الكثير من أهميته السياسية، وخاصة أن القضية السورية برمتها خرجت من أيدي السوريين (موالين ومعارضين)، إذ باتت بلادهم مناطق نفوذ إقليمي ودولي، وميدان تكاسر إرادات، وتصفية حسابات بين دول متنافسة، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، ربما تفضي إلى تقسيم البلاد، لتنضم إلى نادي الدول الفاشلة في العالم.
ولطالما كان الائتلاف الوطني محل خلاف في الشارع السوري المعارض، ما بين منتقد ومطالب بحله، وتشكيل جسم سياسي جديد، وبين داع للمحافظة عليه، وإعادة تأهيله وإصلاحه، خاصة أن الائتلاف يمتلك الصفة التمثيلية للشعب السوري، إذ اعترفت أكثر من مائة دولة به ممثلاً للسوريين منذ تأسيسه في العاصمة القطرية الدوحة أواخر عام 2012، بعد أن فقد المجلس الوطني السوري، الذي شُكل في عام 2011، أهميته.
وكان الشارع السوري المعارض قد عقد آمالا كبرى على الائتلاف الوطني السوري في الشهور الأولى لتشكيله، ولكن سرعان ما تبيّن أنه غير قادر على الفعل السياسي بعد تدويل القضية، فبات الائتلاف أسير التجاذبات الإقليمية والدولية، وهو ما أفقده الكثير من مصداقيته في هذا الشارع، الذي فقد إلى حد بعيد ثقته بالكيانات السياسية المعارضة الموجودة في واجهة المشهد، ويحمّلها مسؤولية عدم وجود مشروع وطني جامع للسوريين.
ولا تبدو مهمة الرئيس الجديد للائتلاف سهلة، وخاصة أن الائتلاف فقد القدرة على إنتاج عمل وطني يمكن أن يؤدي إلى التقريب بين مختلف وجهات النظر السياسية في مكونات المعارضة السورية التي باتت عرضة لخلافات، كانت ولا تزال تصب في مصلحة النظام وحلفائه الذين حاولوا على مدى سنوات الطعن في قدرة المعارضة في أن تكون بديلا للنظام الحالي، بسبب هذه الخلافات التي تغذيها أطراف إقليمية كبّلت المعارضة السورية ولم تمنحها فرصة العمل السياسي باستقلالية كاملة.
ويحمل عبد الرحمن مصطفى، المتحدر من مدينة جرابلس شمال مدينة حلب، إجازة في الاقتصاد من جامعة حلب، وهو وفق تعريف الائتلاف السوري له- دخل ميدان الأعمال والإدارة المالية على مدى 24 عاماً، في كل من تركيا وليبيا والسعودية وبلغاريا. ويتقن مصطفى، التركماني الأصل، اللغة التركية، وقد عمل في عام 2012 على تنظيم التركمان السوريين ضمن الثورة السورية، ولعب دوراً ريادياً في تنظيم الصف التركماني في محافظة حلب.
وفي هذا الإطار، كان ضمن الهيئة التأسيسية لـ"منبر تركمان سورية"، الذي يعتبر "أول نجاح مؤسساتي يحققه تركمان سورية في عام 2012"، وفق الائتلاف.
في عام 2013، كان أيضاً في عداد الهيئة التأسيسية التي مهدت الطريق لتأسيس المجلس التركماني السوري، وتم انتخابه نائباً لرئيس المجلس التركماني السوري في الاجتماع الأول للهيئة العامة للمجلس، الذي انعقد بمشاركة مندوبين تركمان أتوا من المناطق السورية كافة.
وفي الاجتماع الثاني للهيئة العامة للمجلس، الذي انعقد في شهر مايو/ أيار 2014، تم انتخابه من قبل المندوبين رئيساً للمجلس التركماني السوري، الذي يعتبر الممثل الشرعي لتركمان سورية.
وفي الاجتماع الثالث للهيئة العامة للمجلس، الذي انعقد في شهر يونيو/ حزيران 2016، انتخب عضواً في المجلس، وهو يواصل العمل السياسي التركماني مع فريق المجلس على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.
ويواصل عبد الرحمن مصطفى، وفق الائتلاف، نضاله السياسي من أجل ضمان "الاعتراف الدستوري بتركمان سورية" بصفتهم "مكونا أصيلا ومؤسسا" في دستور "سورية الجديدة" التي ستنشأ في نهاية العملية السياسية/الدبلوماسية، وضمان اعتراف جميع الأطراف بالوضع القانوني لتركمان سورية.
وتولى مصطفى العام الماضي مهام نائب رئيس الائتلاف الوطني، قبل أن يصبح رئيسا بالوكالة في بداية مارس/ آذار الماضي عقب استقالة الرئيس المنتخب رياض سيف لأسباب صحية.
وتناوب على رئاسة الائتلاف الكثير من الشخصيات السورية الثورية والمعارضة منذ تأسيسه في الدوحة أواخر عام 2012، أبرزهم معاذ الخطيب، وهادي البحرة، وخالد خوجة، وأنس العبدة.
كما ضم الائتلاف عدداً من المكوّنات الثورية والمعارضة، بما فيها الفصائل المقاتلة، إضافة الى المجلس الوطني الكردي، والمجلس التركماني، حيث حاول أن يكون ممثلاً لجميع القوميات السورية.
وتعرّض الائتلاف الوطني السوري لتصدع كبير مؤخرا بسبب تقديم كلّ من جورج صبرا، وسهير الأتاسي، وخالد خوجة، استقالتهم أواخر الشهر الماضي من عضوية الائتلاف، وذلك احتجاجاً على ما وصفوه بـ"خروج الائتلاف عن مساره الثوري"، و"فرض الحل في سورية على الطريقة الروسية".
وكان ميشيل كيلو، وهو أحد أبرز الشخصيات السورية المعارضة، استقال هو الآخر من الائتلاف في نهايات عام 2015، إضافة إلى عدد من أفراد كتلته، وأعضاء آخرين، منهم فايز سارة، بحيث تقلص عدد أعضاء الائتلاف إلى نحو 80 عضوا.
ويعد الائتلاف الوطني السوري المكوّن الأهم في هيئة التفاوض التي تتولى التفاوض مع النظام تحت رعاية دولية في مفاوضات جنيف المتوقفة، بسبب عدم وجود نية لدى النظام بتنفيذ القرارات الدولية.
ويُتهم الائتلاف من قبل معارضيه بـ"العجز السياسي، وعدم القدرة على استرداد قراره الوطني"، بل يذهب بعضهم إلى اعتبار الائتلاف "عبئاً سياسياً إضافياً على الثورة".