10 نوفمبر 2024
الاتفاق النووي خمسة ضد واحد
وُقِّع الاتفاق الذي تقول أميركا إنه سيمنع إيران من تجاوز العتبة النووية. ولكنه قد يبقيها على حدود تلك العتبة، بما يعني تأجيل العبور النووي زمناً، قد يقصر، وليس مؤكداً أنه سيطول. لكن الجانب الآخر من الوثيقة، والذي لم يُعلن عنه بشكل صريح، ورقة ذات طبيعة استراتيجية، تستعيد فيها إيران ملياراتها المجمدة في كل أوروبا، من دون التأكد من أن هذه النقود لن تُصرف، حسب عقلية "الملا" المعبأة بفكر مذهبي، تحت عناوين سياسية وتحررية في سورية واليمن ولبنان، ما يعني استمرار حالة الاستعصاء، وتوقف إمكانات الحل عند العتبة "النووية" نفسها التي لن تستطيع إيران عبورها، وستمنع أي عبور نحو حالة من الاستقرار، بموجب الوثيقة التي باعت فيها بعض الماء الثقيل، واشترت ما يشبه صك حمايةٍ، قد تعربد بموجبه بطريقة أكثر رعونة.
جميع الأطراف تقول، إن الاتفاق ينحصر في المادة المكتوبة، فهو يقنن التصرفات الإيرانية النووية، ويضعها تحت رقابة صارمة، بعد أن يقلم كل ما يشذ منها عن السلوك السلمي، وتنتهي مهمة الاتفاق عند هذه النقطة. ليس في هذه الحاشية ما يجعل إيران تطلق لسعادتها العنان، وتعلن ما يشبه الانتصار الذي يبقي السلاح النووي، بعيداً عن متناولها. لكن، على الرغم من ذلك، ينتشي النظام في إيران ومؤيدوه، مطلقين تنهيدة ارتياح، وكأن في هذا الاتفاق أكثر مما يظهر منه. الفرح الشعبي قد يعكس شعوراً بفرج اقتصادي بعد الحديث عن أموال كثيرة مجمدة، سيتم الإفراج عنها. عند هذا الحد، قد يبدو الفرح والاستبشار مبرراً لطبقة عريضة من الشعب الإيراني الذي يعاني اقتصادياً، ويقتات على خطابات الحصار وهيمنة الغطرسة التي يلقيها المرشد العام، بعد صلاة كل يوم جمعة.
عاشت إيران قبل الربيع العربي ربيعها الخاص الذي كان نسخة طبق الأصل عما حصل من تحرك تحرري في بعض الشوارع العربية، تعاملت معه سلطات إيران كما يليق بدولة بوليسية، تقدس العنف وتعتمده دستوراً مهنياً، فقمعت الشارع بالقوة، وألقت قادة الانتفاضة في السجون، وأطلقت وسائل إعلامها لتردد عبارات عن المؤامرة والحصار.. كانت بعض تصريحاتها واقعية، فالمجتمع الإيراني واقع تحت حصار تدرَّج صعوداً، حسب التزام إيران الدولي الذي كان في أدنى درجاته. نجحت السلطات، حينها، في إخماد الحريق الثوري، نتيجة محافظتها على النغمة الإعلامية ذاتها التي تلوك مصطلحات الغطرسة والحصار، من دون أن تقدم تنازلاً واحداً لصالح الألوف التي تظاهرت في الشوارع.
نعود إلى الاتفاق الجديد الذي أطيلت، عن قصد، مدة الحوار حوله، وتأجلت نهايته مرات كان فيها المفاوض الأميركي يتغاضى عن "طيب خاطر" عن بند المدة، ويعطي تسامحاً زمنياً أكبر، لعلمه أن البديل من الاتفاق خطير جداً، قد لا يقل عن حرب. وبالنسبة للجانب الإيراني الذي يعي هذه النقطة، كان يستجيب قبل أن ينفد الصبر الدولي، وكأنه يعرف أن الاتفاق سيوقَّع في نهاية المطاف، لكنه رَغِبَ في إطالة أمده إلى الحد الأقصى، مسوقاً، في الوقت نفسه، مصطلحات الغطرسة والحصار نفسها، ملقياً بملياراته التي يحصل عليها من اقتصاده المنهك إلى ساحات صراع خارجية، محاولاً كسب مناطق نفوذ ذات طبيعة مذهبية في معظمها، شملت العراق وسورية واليمن ولبنان.
الآن، وبعد أن يوضع الاتفاق حيز التنفيذ، سيزداد حجم المنتج النفطي والغازي، وسيتم الإفراج عند النقد الإيراني المجمد، من دون أن يتخلى الخطاب الإيراني عن موقفه أنملة واحدة، وقد حرص المرشد العام على أن يقول، إن الموقف من غطرسة أميركا لن يتغير، ما يعني أن السلوك الإيراني المعرف لكل جدول المنطقة لن يتغير، وستصب المليارات الجديدة في تغذية الصراعات التي افتتحتها إيران، أصلاً، أو التي تغذيها وتحافظ على نشاطها المتزايد.
سنرى في الأيام المقبلة ما سيكون عليه رد فعل الشارع الإيراني، وهو يتأمل ذاته العارية من مكتسبات بلاده، و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت".
عاشت إيران قبل الربيع العربي ربيعها الخاص الذي كان نسخة طبق الأصل عما حصل من تحرك تحرري في بعض الشوارع العربية، تعاملت معه سلطات إيران كما يليق بدولة بوليسية، تقدس العنف وتعتمده دستوراً مهنياً، فقمعت الشارع بالقوة، وألقت قادة الانتفاضة في السجون، وأطلقت وسائل إعلامها لتردد عبارات عن المؤامرة والحصار.. كانت بعض تصريحاتها واقعية، فالمجتمع الإيراني واقع تحت حصار تدرَّج صعوداً، حسب التزام إيران الدولي الذي كان في أدنى درجاته. نجحت السلطات، حينها، في إخماد الحريق الثوري، نتيجة محافظتها على النغمة الإعلامية ذاتها التي تلوك مصطلحات الغطرسة والحصار، من دون أن تقدم تنازلاً واحداً لصالح الألوف التي تظاهرت في الشوارع.
نعود إلى الاتفاق الجديد الذي أطيلت، عن قصد، مدة الحوار حوله، وتأجلت نهايته مرات كان فيها المفاوض الأميركي يتغاضى عن "طيب خاطر" عن بند المدة، ويعطي تسامحاً زمنياً أكبر، لعلمه أن البديل من الاتفاق خطير جداً، قد لا يقل عن حرب. وبالنسبة للجانب الإيراني الذي يعي هذه النقطة، كان يستجيب قبل أن ينفد الصبر الدولي، وكأنه يعرف أن الاتفاق سيوقَّع في نهاية المطاف، لكنه رَغِبَ في إطالة أمده إلى الحد الأقصى، مسوقاً، في الوقت نفسه، مصطلحات الغطرسة والحصار نفسها، ملقياً بملياراته التي يحصل عليها من اقتصاده المنهك إلى ساحات صراع خارجية، محاولاً كسب مناطق نفوذ ذات طبيعة مذهبية في معظمها، شملت العراق وسورية واليمن ولبنان.
الآن، وبعد أن يوضع الاتفاق حيز التنفيذ، سيزداد حجم المنتج النفطي والغازي، وسيتم الإفراج عند النقد الإيراني المجمد، من دون أن يتخلى الخطاب الإيراني عن موقفه أنملة واحدة، وقد حرص المرشد العام على أن يقول، إن الموقف من غطرسة أميركا لن يتغير، ما يعني أن السلوك الإيراني المعرف لكل جدول المنطقة لن يتغير، وستصب المليارات الجديدة في تغذية الصراعات التي افتتحتها إيران، أصلاً، أو التي تغذيها وتحافظ على نشاطها المتزايد.
سنرى في الأيام المقبلة ما سيكون عليه رد فعل الشارع الإيراني، وهو يتأمل ذاته العارية من مكتسبات بلاده، و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت".