05 نوفمبر 2024
الاصطفاف والمقاطعة وخرافاتٌ أخرى
محمد طلبة رضوان
ثمّة مفارقةٌ ليست مدهشة، أن من يدعونك إلى الاصطفاف هم من يدعونك إلى المقاطعة، الاصطفاف حول ماذا؟ لا إجابة حقيقية، مقاطعة التصويت على "الاعتداءات" الدستورية، ولو كان بـ"لا"، لماذا؟ لا إجابة حقيقية، القاسم المشترك هو العدمية السياسية، اتركه يضربك ولا تقاومه، قف بجانبي لنصرُخ في وجهه، ونُخبره معا أنه قاتل، هكذا العمل الوطني والثوري، وإلا فالمزايدة أبدا..
ما الفرق بين تويتات محمد البرادعي التي تطالب سلطة عبدالفتاح السيسي باحترام القانون وخطابات الشرعية التي تطالب بعودة محمد مرسي، وتبشّر المشاركين في الاستفتاء بعذاب "ديموقراطي" أليم؟ الفرق أن الإسلاميين يسخرون من الأولى، ويتبنون الثانية، في مفارقةٍ، هي الأخرى، ليست مدهشة، فمن العيب أن يدهش المرء الآن!
يبدو الاصطفاف، في المطلق، بين أصحاب التصوّرات المختلفة، حد التناحر، حول الدولة والحكم وتقييم ما حدث في الأعوام الثمانية الماضية، ضربا من "الطيابة" السياسية التي يعاني أصحابها من أمراض الفراغ، إلا أن قضايا بعينها تفرض على الجميع أن يتّفقوا، إذا كانوا حقا يريدون أن يتفقوا ويصطفّوا، ويدعون، حقا، إلى ما يستهدفونه، لا ما لم يجدوا غيره لملء "الهوا"، وتسويد بوستات "فيسبوك" وتغريدات "تويتر"، وتسلية آلاف المتابعين، والإيحاء بأنهم معارضون بالفعل، وأصحاب مشروع بالفعل، ولديهم ما يقدّمونه.
حين تنجح "فكرة" التصويت بلا في جمع 16 ألف توقيع في يومين على "فيسبوك"، ببوست، من دون تدخلٍ من أحزاب أو جماعات أو صفحات كبرى لها تأثيرُها، فنحن نتحدّث عن حملة "ماشية لوحدها"، تيار شعبي جارف يحمل من الحنق قدر ما يحمل من العفوية، وحين نسأل أين أنتم؟ نجدكم في موقع التثبيط، ذلك لأن الشرعية مع مرسي، والمشاركة تعني منحها للسيسي.. يا رب السماء، ارفع عنا، هل يمكن مناقشة كلامٍ بهذا المستوى؟
الشرعية الوحيدة التي يتمتع بها هذا النظام لدى من يؤيدونه في الداخل، ويدعمونه في الخارج، هي شرعية الحفاظ على حالة الاستقرار، والخمول، و"التنبلة"، شرعية استمرار اليوم تلو الآخر، من دون منغص، من دون مشكلات، من دون أصواتٍ ترتفع هنا وهناك، من دون قلق، من دون مرورٍ يتعطل، من دون أصواتٍ تصرخ بالتزوير، من دون مداخلة النائب أحمد طنطاوي التي تطعن بعدم دستورية التعديلات فيما يعتبرها المقاطعون "تمثيليةً مخابراتيةً"، ما شاء الله أذكيا جدا، الشرعية الحقيقية هي شرعية "السكوت"، سكوت الجميع عما يحدث، ومروره في سلام، كل كلمةٍ، وإن لم تغير وحدها، تطعن في شرعية هذا النظام، وتراكم ما من شأنه أن يُسقطه حين تحين الفرصة السياسية. حسني مبارك لم يسقط في 18 يوما، بل في ثماني سنوات، ظروف سياسية تجبره على انتخابات رئاسية صورية، وهامش ديمقراطي بسيط، تحرّكنا في هذه المساحات، وراكمنا جهودا بدأت بخمسين نفرا أمام دار القضاء العالي، يوم تأسيس "كفاية"، كان الجميع يسخرون منا، فإذا بها تتحوّل إلى ثورةٍ تنتزع الملايين من جحور المقاطعة، وتدفع بهم إلى الميادين، لا شيء يأتي بالمصادفة، ولا ثورة تأتي بصورةٍ فوتوغرافيةٍ يلتقطها عجائز المشهد السياسي في اسطنبول، إنما بمراكمة الفعل.. الداخل يشارك ويصوت بلا، ويجمع التوقيعات، ويشعل مواقع التواصل بالاستفتاءات. الخارج يُخاطب المنظمات الدولية، ويطالب بالإشراف الدولي، ويتحرّك قانونيا وحقوقيا، الإعلام يوفّر للمواطن المعلومة، لا الصراخ والعويل الذي من شأنه التنفيس، لصالح النظام، وليس ضده. الجميع يتحرّك، ولا تعني أخطاء الحراك التوقف عنه، بل مواصلته، "الناس" في مصر، مرة أخرى، الناس، معمّمة مجرّدة، من دون تحفظ. الناس، وأولهم قطاع كبير من مؤيدي السيسي، في حالة حنقٍ حقيقي، كل استطلاعات الرأي تشير إلى غلبة التصويت بلا، فلم لا؟!
يبدو الاصطفاف، في المطلق، بين أصحاب التصوّرات المختلفة، حد التناحر، حول الدولة والحكم وتقييم ما حدث في الأعوام الثمانية الماضية، ضربا من "الطيابة" السياسية التي يعاني أصحابها من أمراض الفراغ، إلا أن قضايا بعينها تفرض على الجميع أن يتّفقوا، إذا كانوا حقا يريدون أن يتفقوا ويصطفّوا، ويدعون، حقا، إلى ما يستهدفونه، لا ما لم يجدوا غيره لملء "الهوا"، وتسويد بوستات "فيسبوك" وتغريدات "تويتر"، وتسلية آلاف المتابعين، والإيحاء بأنهم معارضون بالفعل، وأصحاب مشروع بالفعل، ولديهم ما يقدّمونه.
حين تنجح "فكرة" التصويت بلا في جمع 16 ألف توقيع في يومين على "فيسبوك"، ببوست، من دون تدخلٍ من أحزاب أو جماعات أو صفحات كبرى لها تأثيرُها، فنحن نتحدّث عن حملة "ماشية لوحدها"، تيار شعبي جارف يحمل من الحنق قدر ما يحمل من العفوية، وحين نسأل أين أنتم؟ نجدكم في موقع التثبيط، ذلك لأن الشرعية مع مرسي، والمشاركة تعني منحها للسيسي.. يا رب السماء، ارفع عنا، هل يمكن مناقشة كلامٍ بهذا المستوى؟
الشرعية الوحيدة التي يتمتع بها هذا النظام لدى من يؤيدونه في الداخل، ويدعمونه في الخارج، هي شرعية الحفاظ على حالة الاستقرار، والخمول، و"التنبلة"، شرعية استمرار اليوم تلو الآخر، من دون منغص، من دون مشكلات، من دون أصواتٍ ترتفع هنا وهناك، من دون قلق، من دون مرورٍ يتعطل، من دون أصواتٍ تصرخ بالتزوير، من دون مداخلة النائب أحمد طنطاوي التي تطعن بعدم دستورية التعديلات فيما يعتبرها المقاطعون "تمثيليةً مخابراتيةً"، ما شاء الله أذكيا جدا، الشرعية الحقيقية هي شرعية "السكوت"، سكوت الجميع عما يحدث، ومروره في سلام، كل كلمةٍ، وإن لم تغير وحدها، تطعن في شرعية هذا النظام، وتراكم ما من شأنه أن يُسقطه حين تحين الفرصة السياسية. حسني مبارك لم يسقط في 18 يوما، بل في ثماني سنوات، ظروف سياسية تجبره على انتخابات رئاسية صورية، وهامش ديمقراطي بسيط، تحرّكنا في هذه المساحات، وراكمنا جهودا بدأت بخمسين نفرا أمام دار القضاء العالي، يوم تأسيس "كفاية"، كان الجميع يسخرون منا، فإذا بها تتحوّل إلى ثورةٍ تنتزع الملايين من جحور المقاطعة، وتدفع بهم إلى الميادين، لا شيء يأتي بالمصادفة، ولا ثورة تأتي بصورةٍ فوتوغرافيةٍ يلتقطها عجائز المشهد السياسي في اسطنبول، إنما بمراكمة الفعل.. الداخل يشارك ويصوت بلا، ويجمع التوقيعات، ويشعل مواقع التواصل بالاستفتاءات. الخارج يُخاطب المنظمات الدولية، ويطالب بالإشراف الدولي، ويتحرّك قانونيا وحقوقيا، الإعلام يوفّر للمواطن المعلومة، لا الصراخ والعويل الذي من شأنه التنفيس، لصالح النظام، وليس ضده. الجميع يتحرّك، ولا تعني أخطاء الحراك التوقف عنه، بل مواصلته، "الناس" في مصر، مرة أخرى، الناس، معمّمة مجرّدة، من دون تحفظ. الناس، وأولهم قطاع كبير من مؤيدي السيسي، في حالة حنقٍ حقيقي، كل استطلاعات الرأي تشير إلى غلبة التصويت بلا، فلم لا؟!
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024