على الرغم مما تصدح به المنابر الإعلامية المؤيدة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليلاً ونهاراً من إنجازات اقتصادية، يقف المرء عاجزاً عن هضم أغلب ما يسمعه، لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها تراجع مستوى معيشة غالبية المصريين ونزول الملايين منهم تحت خط الفقر، الأمر الذي فرض تقييم ما تم في العام 2019، من خلال خمس نقاط أرى أنها الأقرب لما يمس حياة المواطن المصري.
أولاً - الدين المحلي:
ارتفع الدين المحلي في مصر في نهاية السنة المالية 2018-2019، وهي الأرقام المتاحة حتى الآن، بحوالي 600 مليار جنيه، تمثل 16% مما كان عليه في نهاية السنة المالية السابقة، الأمر الذي ترتب عليه بصورة واضحة انخفاض حجم أموال الموازنة المخصصة للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي والنقل، لصالح خدمة الدين المتزايد.
ثانياً – الدين الخارجي:
مع إصرار البنك المركزي المصري على تأخير الإعلان عن أحدث الأرقام المتعلقة بالدين العام، بلغ آخر رصيد معلن للدين المصري الخارجي، في نهاية يونيو / حزيران 2019، أكثر من 108 مليارات دولار، مقارنة بحوالي 96 مليار دولار في نفس التاريخ من العام السابق، وبمعدل ارتفاع يتجاوز 18%، لم نلمس لها أي آثار في مشروعات تولد إيرادات بالعملة الأجنبية، من تصدير أو سياحة أو غيرها، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حول حجم الأغلال التي نضعها في أيادي أبنائنا وأحفادنا، الذين سيتعين عليهم في يوم من الأيام سداد ما اقترضناه.
ثالثاً – معدل نمو الاقتصاد:
تقول التقديرات الرسمية إن الاقتصاد المصري سيحقق بنهاية العام الحالي معدل نمو يتراوح بين 5.5% - 6%، معتبرة أن هذا المعدل يعد إنجازاً كبيراً، يضاف إلى ما تم تحقيقه خلال العام. ومع التسليم بأنه معدل مرتفع بالفعل.
إلا أن البندين السابقين يوضحان أن الحكومة المصرية زادت من اقتراضها المحلي والخارجي، بنسبة 16% و18% على التوالي، لتحقق معدل نمو لا يتجاوز 6%، الأمر الذي يؤكد ضعف المعدل الذي تم تحقيقه، خاصة وأن تفاصيل البيانات تشير إلى أن القروض لم يتم استخدامها في زيادة إنتاج يسمح بالتصدير أو إحلال المنتج المصري محل بعض الواردات، وإنما استخدم بعضها في سداد أقساط وفوائد ديون قديمة، بينما ذهب البعض الآخر لسد العجز في الموازنة العامة وفي ميزان المدفوعات.
رابعاً – سعر الجنيه مقابل الدولار:
ارتفع سعر الجنيه مقابل الدولار بصورة واضحة، لينخفض ما يمكن للدولار الواحد شراءه من العملة المصرية من 17.80 جنيهاً في بداية العام، إلى حوالي 16 جنيهاً في نهايته، تمثل ارتفاعاً في قيمة الجنيه بنسبة تقترب من 10%.
هذا خبر عظيم في ظاهره، لكن لمعرفة حجم الاستفادة الحقيقية التي ستعود على المواطن المصري مما حدث من تحسن في قيمة عملته المحلية، لا بد من الوقوف على الأسباب التي أدت إلى ذلك التحسن، لمعرفة مدى مصداقيتها، وقابليتها للاستمرار.
اقــرأ أيضاً
وفي حين يتحدث البنك المركزي عن مليارات الدولارات التي دخلت البلاد خلال العام، وتسببت في تحسن قيمة الجنيه، أكد العديد من العاملين بالبنوك، التي تمثل أذرع البنك المركزي المصري في سوق العملات، أن حجم ما دخل البلاد من عملة أجنبية لا يتناسب مع ما فرضه البنك المركزي على السوق من ارتفاع في قيمة الجنيه مقابل الدولار.
وعلى نحو متصل، أكد البنك المركزي في أكثر من مناسبة أن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي دخل البلاد خلال العام لا يكاد يذكر، وأن أغلب ما دخل البلاد جاء للاستثمار في أدوات الدين المحلي، ذات الفائدة المرتفعة، الأمر الذي يشير بقوة إلى تزايد احتمالات حدوث أزمة في المستقبل القريب، حين يقرر أصحاب تلك الأموال الساخنة الخروج من السوق، لأسباب ربما تكون لا علاقة لها بالسوق المصرية من الأساس، إلا أن الأمر وقتها لن يكون هيناً.
الجنيه المصري لم يرتفع لأننا اجتذبنا استثمارا أجنبيا مباشرا، من النوع الذي يأتي للبلاد للبقاء لسنوات طويلة، ولم يرتفع لأننا أوجدنا تدفقات إضافية بالعملة الأجنبية، من تصدير أو سياحة أو رسوم عبور قناة السويس، وإنما ارتفع بسبب توسعنا في الاقتراض الخارجي، وتحويل ما نقترضه بالدولار إلى العملة المحلية، وهو ما يضيف مرة أخرى إلى احتمالات حدوث أزمات، عند استحقاق تلك القروض، واضطرارنا إلى سدادها، بالعملة الأجنبية التي اقترضنا بها، فبعناها لتقوية الجنيه بصورة مصطنعة، لا تحقق إلا العناوين البراقة، بينما قد تتسبب في زيادة الواردات وانخفاض الصادرات، مع بقاء الأسعار، التي قالوا لنا إنها ارتفعت بسبب التعويم، عند مستوياتها المرتفعة.
خامساً – معدل التضخم:
اعتبر أغلب المحللين الاقتصاديين أن معدلات التضخم التي تم الإعلان عنها مؤخراً، والتي كانت في حدود 3.1% - 3.6%، لا تعبر عن واقع الأمر في مصر، وأنها لو كانت حقيقية لتغير حال المواطنين بصورة ملموسة.
وقدر البعض أن التضخم بالفعل انخفض عن مستويات العام الماضي، إلا أن الانخفاض يرجع بالأساس إلى ضعف القوى الشرائية للمواطنين، بعد انخفاض مستوى معيشتهم، ومعاناتهم في توفير الاحتياجات الأساسية.
اقــرأ أيضاً
ربما يرى البعض في العرض السابق بعض التشاؤم، إلا أنه بالتأكيد مُبَرَّر، بعد أن استمرت مستويات الدين، المحلي والخارجي، في الارتفاع، ولم ينجح النمو الاقتصادي "الكبير"، والجنيه "القوي"، والتضخم "الضعيف" في تحسين مستوى معيشة المصريين، خلال العام المنتهي، حتى أن البنك الدولي أعلن خلاله أن 60% من المصريين هم من الفقراء، أو من الفئات الأكثر احتياجاً، بينما كانت الحكومة المصرية تتشدق بالعناوين الخادعة، والمؤشرات البراقة.
التوسع في تدخل الجهات السيادية في الاقتصاد، على النحو الحادث في مصر الآن، مع ما يعنيه ذلك من غياب الكفاءة والرقابة وفتح أبواب الفساد، لا يمكن أن ينتج عنه إلا تراجع الاقتصاد وتزايد أزماته، ووقتها، لن تفلح في إنقاذه المسكنات المستخدمة حالياً.
أولاً - الدين المحلي:
ارتفع الدين المحلي في مصر في نهاية السنة المالية 2018-2019، وهي الأرقام المتاحة حتى الآن، بحوالي 600 مليار جنيه، تمثل 16% مما كان عليه في نهاية السنة المالية السابقة، الأمر الذي ترتب عليه بصورة واضحة انخفاض حجم أموال الموازنة المخصصة للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي والنقل، لصالح خدمة الدين المتزايد.
ثانياً – الدين الخارجي:
مع إصرار البنك المركزي المصري على تأخير الإعلان عن أحدث الأرقام المتعلقة بالدين العام، بلغ آخر رصيد معلن للدين المصري الخارجي، في نهاية يونيو / حزيران 2019، أكثر من 108 مليارات دولار، مقارنة بحوالي 96 مليار دولار في نفس التاريخ من العام السابق، وبمعدل ارتفاع يتجاوز 18%، لم نلمس لها أي آثار في مشروعات تولد إيرادات بالعملة الأجنبية، من تصدير أو سياحة أو غيرها، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حول حجم الأغلال التي نضعها في أيادي أبنائنا وأحفادنا، الذين سيتعين عليهم في يوم من الأيام سداد ما اقترضناه.
ثالثاً – معدل نمو الاقتصاد:
تقول التقديرات الرسمية إن الاقتصاد المصري سيحقق بنهاية العام الحالي معدل نمو يتراوح بين 5.5% - 6%، معتبرة أن هذا المعدل يعد إنجازاً كبيراً، يضاف إلى ما تم تحقيقه خلال العام. ومع التسليم بأنه معدل مرتفع بالفعل.
إلا أن البندين السابقين يوضحان أن الحكومة المصرية زادت من اقتراضها المحلي والخارجي، بنسبة 16% و18% على التوالي، لتحقق معدل نمو لا يتجاوز 6%، الأمر الذي يؤكد ضعف المعدل الذي تم تحقيقه، خاصة وأن تفاصيل البيانات تشير إلى أن القروض لم يتم استخدامها في زيادة إنتاج يسمح بالتصدير أو إحلال المنتج المصري محل بعض الواردات، وإنما استخدم بعضها في سداد أقساط وفوائد ديون قديمة، بينما ذهب البعض الآخر لسد العجز في الموازنة العامة وفي ميزان المدفوعات.
رابعاً – سعر الجنيه مقابل الدولار:
ارتفع سعر الجنيه مقابل الدولار بصورة واضحة، لينخفض ما يمكن للدولار الواحد شراءه من العملة المصرية من 17.80 جنيهاً في بداية العام، إلى حوالي 16 جنيهاً في نهايته، تمثل ارتفاعاً في قيمة الجنيه بنسبة تقترب من 10%.
هذا خبر عظيم في ظاهره، لكن لمعرفة حجم الاستفادة الحقيقية التي ستعود على المواطن المصري مما حدث من تحسن في قيمة عملته المحلية، لا بد من الوقوف على الأسباب التي أدت إلى ذلك التحسن، لمعرفة مدى مصداقيتها، وقابليتها للاستمرار.
وعلى نحو متصل، أكد البنك المركزي في أكثر من مناسبة أن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي دخل البلاد خلال العام لا يكاد يذكر، وأن أغلب ما دخل البلاد جاء للاستثمار في أدوات الدين المحلي، ذات الفائدة المرتفعة، الأمر الذي يشير بقوة إلى تزايد احتمالات حدوث أزمة في المستقبل القريب، حين يقرر أصحاب تلك الأموال الساخنة الخروج من السوق، لأسباب ربما تكون لا علاقة لها بالسوق المصرية من الأساس، إلا أن الأمر وقتها لن يكون هيناً.
الجنيه المصري لم يرتفع لأننا اجتذبنا استثمارا أجنبيا مباشرا، من النوع الذي يأتي للبلاد للبقاء لسنوات طويلة، ولم يرتفع لأننا أوجدنا تدفقات إضافية بالعملة الأجنبية، من تصدير أو سياحة أو رسوم عبور قناة السويس، وإنما ارتفع بسبب توسعنا في الاقتراض الخارجي، وتحويل ما نقترضه بالدولار إلى العملة المحلية، وهو ما يضيف مرة أخرى إلى احتمالات حدوث أزمات، عند استحقاق تلك القروض، واضطرارنا إلى سدادها، بالعملة الأجنبية التي اقترضنا بها، فبعناها لتقوية الجنيه بصورة مصطنعة، لا تحقق إلا العناوين البراقة، بينما قد تتسبب في زيادة الواردات وانخفاض الصادرات، مع بقاء الأسعار، التي قالوا لنا إنها ارتفعت بسبب التعويم، عند مستوياتها المرتفعة.
خامساً – معدل التضخم:
اعتبر أغلب المحللين الاقتصاديين أن معدلات التضخم التي تم الإعلان عنها مؤخراً، والتي كانت في حدود 3.1% - 3.6%، لا تعبر عن واقع الأمر في مصر، وأنها لو كانت حقيقية لتغير حال المواطنين بصورة ملموسة.
وقدر البعض أن التضخم بالفعل انخفض عن مستويات العام الماضي، إلا أن الانخفاض يرجع بالأساس إلى ضعف القوى الشرائية للمواطنين، بعد انخفاض مستوى معيشتهم، ومعاناتهم في توفير الاحتياجات الأساسية.
التوسع في تدخل الجهات السيادية في الاقتصاد، على النحو الحادث في مصر الآن، مع ما يعنيه ذلك من غياب الكفاءة والرقابة وفتح أبواب الفساد، لا يمكن أن ينتج عنه إلا تراجع الاقتصاد وتزايد أزماته، ووقتها، لن تفلح في إنقاذه المسكنات المستخدمة حالياً.