الانتخابات الأبكر في العراق... مواجهات وتحديات
إن تحديد الرابع من شهر يونيو/حزيران لسنة 2021 موعداً لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في العراق من طرف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ليس إلا تنفيذاً لمطلب جماهيري رفعته الحركة الاحتجاجية منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، ورغبة المرجعية الدينية ودعوات بعض الكيانات السياسية والمنظمات الأهلية، كما أنه بند واضح وصريح في البرنامج الحكومي الذي حاز على موافقة البرلمان، ويشكل عنوانا من عناوين النجاح لو التُزِمَ بالموعد المحدد.
الاعتراض الأول والمباشر صدر من رئيس مجلس النواب، مفاده أن المادة 64 من الدستور العراقي هي المسار الدستوري الوحيد لإجراء الانتخابات المبكرة، والمادة تقتضي أن يحل البرلمان نفسه بصوت ثلثي أعضائه أو أن يقدم رئيس الوزراء طلب إجراء الانتخابات وبموافقة رئيس الجمهورية .
لكن القضية لها أبعاد أخرى من الناحية السياسية، فمجرد تقديم الموعد الطبيعي يعني أن البلد يمر بأزمة، وفي العادة تأتي الانتخابات التي تفرز مجلسا جديدا وحكومة جديدة من أجل الخروج من تلك الأزمات ومعالجة موطن العطب الإداري والمؤسسي، وهذا هو التحدي الكبير، ليس فقط أمام الكاظمي بل أمام الجسم السياسي العراقي برمته، لأن الثابت منذ أول حكومة عراقية غير انتقالية في 2006 أن كل البرلمانات لم تأت بالتغيير النوعي ولم تقدم من أمر البلد شيئا.
في الانتخابات السابقة 2018، حصلت نسبة تزوير كبيرة للغاية إلى درجة سحب الثقة من المفوظية العليا المشرفة على الانتخابات
وبما أن الحكومة وليدة البرلمان من حيث طبيعة النظام الحاكم، فالفشل تراكم والنجاح لم يبدأ إلى الآن، وهي المرة الأولى التي يقدم فيها موعد الانتخابات، وذلك جراء الوضع السياسي الذي تجاوز مرحلة الاختناق وانفجر بفوهات براكين متفاوتة القوة.
البعض يرى أن الإنتخابات المبكرة هي رمي الكرة في ملعب مجلس النواب، ووضع النواب أمام الشارع، لكن رئيس الوزراء فعل ما كان يتوجب عليه ومطلوباً منه أن يفعل، وهنا على البرلمان أن يقوم بما يتوجب عليه فعله وفق الدستور، وهو إكمال القانون الجديد أو القديم المعدل للانتخابات، وأمامه الكثير من الوقت، المعلوم أن هناك اختلافا كبيرا بين المعنيين في اللجنة القانونية في البرلمان المعنية بهذا الأمر، هي خلافات تقنية لكنها بخلفيات سياسية، أو الأمرين معا، لأنه توجد إشكالية حقيقية موجودة في تقسيم الدوائر، لكن هناك بعض الأحزاب السلطوية لا تريد الدوائر الفردية وتعرقلها لأنها ستخسر، وتريد الإبقاء على التوزيع القديم أي جعل كل محافظة في العراق دائرة واحدة، وكذلك بعض الأحزاب الصغيرة التي لا تصل نسبة أصواتها إلى عتبة 1%.
الأحزاب الحاكمة في الوقت الراهن، والتي استأثرت بالحكم منذ 2003، هي التي ثارت عليها الجماهير، هذه الأحزاب ليست في وضع يؤهلها لعرض نفسها أمام الشعب لإصدار حكمه عليها، بل هي بحاجة إلى الوقت لترتيب أوراقها وخلق شروط اجتماعية جديدة، قد يكون إفشال الكاظمي خلال الفترة المقبلة هو شرط من هذه الشروط.
إن الشارع العراقي الآن غاضب جدا على أحزاب السلطة، وحصل فصام جلي بينها وبين القاعدة الانتخابية، تحديدا في محافظات الوسط والجنوب، فبعد سبعة عشر عاما من الحكم ما زال المواطن العراقي يبحث عن الكهرباء والماء الصالح للشرب!
من أجل نجاح الانتخابات، كما يرى أهل الجنوب بالذات وكما ترى الحكومة والقريبون منها، لا مفر من تخفيف تأثير الفصائل المسلحة وتحكّمها بالانتخابات ونتيجتها، سواء تأثيرها عبر التخويف أو الترغيب أو التزوير، أو اللجوء إلى الخلفية الدينية، خاصة أن العراقيين ينسون بسرعة كبيرة، أن رئيس الوزراء لمَّح و صرَّح أحياناً بضرورة ألا تجري الانتخابات تحتَ تهديد السلاح، وإلا ستكون النتيجةَ غيرِ حقيقية ولا تُعكس الواقع.
هنالك مسألة أخرى، وهي الأهم بعد الانتخابات، ألا وهي قطع طرق التزوير وسدّ أبوابه، في الانتخابات السابقة في 2018، حصلت نسبة تزوير كبيرة للغاية إلى درجة سحب الثقة من المفوضية العليا المشرفة على الانتخابات، إلى الآن المفوضية ليست بالكيفية المطلوبة، وقراراتها كثيرا ما تتأثر بالحالة السياسية الموقوتة، بما أنها واقعة بالكامل تحت هيمنة وسيطرة الأحزاب المتنافسة، وأن شراء ذمم العاملين في مديريات وأقسام المفوضية ليس صعباً، خصوصا في مكاتب الخارج. هنا لا بد من طمأنة الشارع بأن هذه الانتخابات ليست كسابقاتها، فهي تأتي بالتغيير ليس في الأسماء والوجوه فقط، بل في العقول والقلوب والكفاءات، وغير بعيد أن تحاول القوى المتضررة توجيه الانتخابات المقبلة لكي تكون استنساخا للدورات الماضية، ولو حدث فهو القضاء على الروح التي تكافح من أجل التغيير في الوضع المنحدر على الدوام.
إن فكرة المراقبة الدولية جيدة، لكن هل بإمكان المنظمة الأممية أن تأتي بمراقب لكل مركز انتخابي في عموم العراق؟