إخوان العراق وخيبة مصرية
بعد القليل من الانفتاح الحاصل بين الحكومة العراقية الحالية والدولة المصرية، طلبت الأخيرة من العراق إدراج الإخوان في اللائحة المعتمدة عن المنظمات الإرهابية كما ورد في وثيقة رسمية عراقية..
يمكن عد الأمر مقبولا لدى من يجعلون من الهوى سياسة أو أساسا في التعامل من دون وجود ورقة مساعدة تعتمد عادة في العلاقات الخارجية وتوظف من أجل الحصول على المبتغى، وهذا لن يكون إلا من طرف الدول الكبار، أو أن تكون الدولة المعنية صغيرة إلى درجة الخضوع الكامل لدولة أخرى..
مصر لا هي دولة كبيرة يسمع لها من الدول الأخرى، ولا تمتلك الورقة الضاغطة على العراق بحيث يلبي لها العراق دون أو مع قليل من النقاش والتداول، إن الطلب من العراق إدراج حركة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية نابع من الجهل الكامل بما يجري في العراق، أو ربما مجرد تسجيل حضور..
لو كانت مصر أو غيرها تكن الحب للعراق وتبتغي مصلحته، لعلمت أن العراق بحاجة إلى المصالحة الداخلية الوطنية و ليس إلى الزيادة في الشقوق والتوسيع في الفجوات
ربما المعلومات المصرية المتعلقة بالوضع العراقي قد توقفت منذ اغتيال السفير إيهاب الشريف بعد اختطافه من طرف القاعدة الإرهابية في بغداد، و إلا لو كان العقل حاضرا في دماغ القيادة المصرية لما أقدمت على توجيه طلب إلى القيادة العراقية ضد جماعة الإخوان المسلمين..
سبب رفض العراق إدراج الموضوع في جدول الأعمال هو التالي:
1- إن جماعة الإخوان أو من يحسب على الحركة، كالحزب الإسلامي العراقي في بغداد، جزء مؤسس للعملية السياسية في العراق منذ سنة 2003، تولى منصب رئاسة البرلمان لدورتين متتاليتين و منصب نائب رئيس الجمهورية، ووزراء ونواب في البرلمان العراقي، وتعرضت قياداته إلى الاغتيال و ممتلكاته إلى المصادرة من قبل المنظمات المتطرفة المسلحة في بغداد والموصل و الأنبار و ديالى، ثم إن رئيس الحزب محسن عبدالحميد كان عضوا في مجلس الحكم الانتقالي وكان يتعامل مع الحاكم الأميركي بول بريمر، و لهذا كان البيان الصادر الموصوف بالسرية من مجلس الأمن الوطني يصف الحزب الإسلامي أو الإخوان المسلمين بأنهم من ضمن المشاركين الأساسيين في العملية السياسية..
2- لم يثبت على أنصار الإخوان أو الأعضاء الملتزمين الضلوع في عمليات إرهابية بالضد من الحكومة العراقية، كيف وهم من ضمن المكونين في جل الحكومات منذ أول حكومة مؤقتة عام 2004، وشاركوا بمئات الأعضاء في الجمعية الوطنية التأسيسية عام 2003، وهم من المشاركين في صياغة الدستور العراقي الحاكم، ووقع عليه بإمضاء الأمين العام للحزب في حينه طارق الهاشمي، بمعنى أن الإخوان في العراق عضو مكون وأساسي للجسد السياسي العراقي منذ الإطاحة الأميركية بالنظام العراقي السابق..
3- بعض المتحدثين والقنوات الإعلامية التابعة للدول المناوئة لحركة الإخوان كانوا يحاولون تفسير الرفض العراقي بأنه مراعاة للجانب الإيراني، و هو رأي قائم على أن العراق مقتنع بإرهابية الإخوان، لكن الإيرانيين هم الذين يمانعون، وهذا جهل كامل في تفسير الأحداث وتجاوز لأسسه، ولا أظن أبدا أن للأمر علاقة بإيران، بل السؤال المعاكس هو لماذا يدخل العراق في لعبة ليس لاعبا فيها؟ ولماذا يسحب المشاكل القائمة بين النظام المصري الحاكم وحركة الإخوان إلى الأرض العراقية؟ لماذا يدخل العراق في محور المشاكل الداخلية لبعض الدول ويجعل منها مشاكل داخلية عراقية وهي ليست كذلك؟ ثم كم هي المشاكل الداخلية العراقية حتى يحاول زيادة نسبتها؟
لو كانت مصر أو غيرها تكن الحب للعراق وتبتغي مصلحته، لعلمت أن العراق بحاجة إلى المصالحة الداخلية الوطنية وليس إلى الزيادة في الشقوق والتوسيع في الفجوات، مع أن نظام مبارك كان يعمل من أجل هذا وحاول أن تكون القاهرة مركزا يتجمع العراقيون كلهم -وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين- عندها، حيث تم استقبال رئيسه في القصر الجمهوري المصري، كما أن قيادات عربية جارة حاولت كثيرا كالأردن و المملكة العربية السعودية أيام الملك عبدالله فيما يسمى بورقة مكة عام 2006 للمصالحة بين الفرقاء العراقيين.. لكل ذلك صوت مجلس الأمن الوطني العراقي في 26-8-2020 على رفض الطلب المصري.