الانتخابات الأردنية .. الوباء والسياسة
يتغلب الهاجس الصحي على الانتخابات النيابية الأردنية، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إذ جاءت التأكيدات من صانع القرار على إجرائها، على الرغم من الصعود المفاجئ والكبير في معدل الإصابات بفيروس كورونا.
لا بديل عن الانتخابات، طالما أنّه لا توجد مؤشرات على أنّ الأشهر المقبلة (في حال تأجيلها) ستشهد تحسناً في الحالة الوبائية، وبعد أن أصبح واضحاً أنّ استمرار المجلس الحالي غير مطروح في أروقة القرار.
عمدت الهيئة المستقلة للانتخابات، خلال الفترة السابقة، على استقراء الاحتمالات المتوقعة وبناء السيناريوهات المرتبطة بالتوازن بين إجراء الانتخابات والالتزام ببروتوكولات طبية في الحملات الانتخابية والاقتراع، ووضعت خطةً لكل طارئ. مع ذلك، ما تزال المخاوف من تدهور الأوضاع الصحية، مع الارتفاع المستمر بمعدل الإصابات، أمراً مؤرّقاً للجميع.
إذا تجاوزنا الهاجس الصحّي الذي يهيمن على تفكير الهيئة المستقلة، فإنّ هنالك اتجاهاً يحذّر من أنّ عزوفاً عن الانتخابات يتبدّى في أوساط المزاج الشعبي، وهو أمر يشكّك فيه مراقبون طالما أنّ "العامل العشائري" موجود في أغلب المحافظات، فسيضمن الحدّ الأدنى المعتاد من معدلات الاقتراع، في ظل المعدّل المنخفض جداً في العادة لمشاركة سكان المدن الكبرى في الانتخابات.
الملاحظ، إذا تجاوزنا الجانب الكمّي (نسبة الاقتراع)، أنّ هنالك عزوفاً آخر أهمّ، يتمثل في غياب اللغة السياسية والمناظرات في الفضاء العام، حتى في مواقع التواصل الاجتماعي، ما قد يختلف، مع بدء الحملات الانتخابية للمرشّحين، لكن المناخ العام للانتخابات إلى الآن جافّ سياسياً، على غير العادة، وهو الأمر الذي لا يفسَّر فقط بالوضع الصحّي، بقدر ما قد يكون انعكاساً لحالة من الإحباط وغياب الأفق السياسي لإمكانية التغيير على تركيبة مجلس النواب ودوره ضمن المؤشرات المطروحة.
الأمر الوحيد الذي يظهر حالياً في الانتخابات هو، على النقيض مما سبق، الاجتماعات العشائرية في المحافظات المختلفة، التي كأنّها تصبغ الانتخابات بلونها، ما يفسّره مسؤولون بأنّه مرتبط بطبيعة المجتمع، وإنْ كان في هذا التبرير شك كبير، فلطالما كان العامل العشائري موجودا، لكن في جواره خطابات ونقاشات وعوامل سياسية تأخذ مساحةً مهمةً في محافظات المملكة، وتفتح المجال للمرشحين والناخبين للدخول في نقاشات وحوارات، وإحداث حراكٍ في الوسط العام، ما لم يظهر في المشهد الحالي.
الطريف في الأمر أنّ ما قد يحرّك المياه الراكدة قليلاً هو إعلان الإسلاميين (جبهة العمل الإسلامي - الإخوان المسلمين) المشاركة في الانتخابات. ومن الواضح أنّ هنالك اختلافاً شديداً في أوساطهم بشأن قرار المشاركة، خصوصا لدى القواعد الإخوانية التي لا تجد ما يحفّزها على خوض الانتخابات في ضوء الإحباط عموماً، والخشية من تكرار تجربة 2007 معهم.
يبدو أنّ أوساطاً رسمية، على الرغم من الأزمة العميقة مع "الإخوان" (الجماعة الأم، لأنّ هنالك جمعية جديدة تحمل اسم الإخوان المسلمين اليوم تحظى بالشرعية القانونية)، تنبّهت إلى أهمية مشاركتهم في المعركة الانتخابية، بصفتهم أكبر تيار معارضة سياسية، فالتقى وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، بقيادة حزب جبهة العمل الإسلامي، للتأكيد على "النيات الحسنة" للدولة تجاه مشاركتهم، وعدم الممانعة في حصولهم على حصةٍ معينة في مجلس النواب القادم.
المفارقة أنّ الانتخابات تجري في وقت حسّاس، يمرّ فيه الأردن بمنعرج تاريخي حقيقي، وهو يخوض ما يشبه الحروب على أكثر من جبهة: الأولى صحياً مع كورونا وتداعياته الصحية والاقتصادية. والثانية مع الوضع الإقتصادي والمالي وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة والفقر. والثالثة خارجية في مواجهة استحقاقات "صفقة القرن" وعمليات التطبيع العربية مع إسرائيل، بما تستبطنه من تحولات إقليمية استراتيجية.
في مثل هذه اللحظة، يبدو المشهد السياسي عشية الانتخابات راكداً، في وقتٍ من المفترض أن تكون فيه القوى السياسية في أوج حضورها، والنقاشات الاستراتيجية تهيمن على الانتخابات، والناس تنتظر مجلس نواب قادر على أن يقف قوياً مع الدولة، ويعكس اتجاهات الشارع ومخاوفه وطموحاته، ما لم يحدث، أليس أمراً يدعو، بحدّ ذاته، إلى إثارة التساؤلات والقلق والمخاوف؟!