13 نوفمبر 2024
الانتخابات الأوروبية.. تمدّد الشعبوية وتحدّيات أمام المغاربيين
أفرزت الانتخابات الأوروبية انتصاراً، من حيث ارتفاع نسبة المقترعين لصالح التيار اليميني، المجاهر، منذ عقود، بنية تفكيك الاتحاد الأوروبي والاعتداد بالهويات، المغلّفة أساساً بالمعاداة للمهاجرين، ومن حيث عدد المقاعد التي حصل عليها، وهو ما يشكّل، بالنّسبة للرّهانات السياسية المقبلة، تحديات للجاليات المهاجرة والدّول المغاربية، على حّد سواء، يمكن، من خلالها، فرض رؤية جديدة للمبادرات الأوروبية ومراجعة لاتفاقات الشراكة التي رهنت المنطقة واقتصادياتها وربما، في الأفق، أيضا، فرص لبعث البناء المغاربي، ليكون أداة موازنة للسياسات الأوروبية في المنطقة، ورسالة لميلاد قوة إقليمية مغاربية في المستقبل المنظور.
يمكن، بداية، الخروج بتحليل رصين بشأن النّتائج التي شاهدنا فيها الأحزاب والتيارات الشعبوية تدخل بقوّة البرلمان الأوروبي، حيث إنّ ذلك علامة على عمق الاتّجاه "البريكستي"، أي التّفكيك المتدرّج لمؤسّسات البناء الأوروبي والخروج منه، على غرار ما فعلت بريطانيا، تحت ضغط صعود التّمايزات القومية وفشل العولمة، إضافة إلى المنافسة الشّديدة مع أقطاب العالم المختلفة، وفي مقدمتها أميركا والصين وروسيا، اقتصادياً وأمنياً واستراتيجياً.
وقد سارعت القوى السياسية التّقليدية في أوروبا، يميناً ويساراً، إلى التّقليل من هول الصدمة، لأنّ اختراق اليمين المتطرّف والشعبويين البرلمان الأوروبي ليس له إلاّ معنى واحد، وهو تمدّد الاتجاه اليميني، المعروف باليمين الهوياتي، إلى أهم مؤسّسات الاتّحاد الأوروبي، إلى جانب المفوضية الأوروبية، ما ينذر بسياساتٍ حمائية، تضييقات على المهاجرين، وبمزيد من الانغلاق للحدود الخارجية لأوروبا على كلّ ما هو أجنبي، حتّى تلك الحالات التي كانت تُسمح بها في إطار اللّجوء والتّجنيس والحاجة للأيدي العاملة.
يشكّل ذلك كلّه، بالنسبة للمغاربيين (مهاجرين ودولاً) تحدّياتٍ يجب أن تُرفع، ورهانات/ فُرصا، لأنّ مستقبل وجود أجانب في الدُّول الأوروبية المختلفة، وخصوصاً تلك التي شهدت
الاختراق الأقوى، من حيث الاقتراع لصالح اليمين المتطرّف، أصبح على المحكّ. كما ستشهد حياتهم مزيداً من التّضييق، دفعا لهم نحو المغادرة إلى بلدانهم الأصلية أو التقوقع، أكثر فأكثر، داخل الدائرة الهوياتية، وهو ما سيزيد من إقصائهم عن الحياة العامّة، من ناحية، ويدفع نحو تشريعاتٍ معادية لهم، باعتبار أنهم "الآخر" الذي يجب لفظه من القارّة الأوروبية، من ناحية ثانية.
وعلى مستوى الدُّول المغاربية، فإن الوضع المتجّه نحو مزيد من التّفكيك للاتّحاد الأوروبي أو، على أقلّ تقدير، معاداة كل ما هو جماعي أوروبيا، سيفتح الباب واسعاً أمام مشروع إعادة التّفاوض بشأن اتّفاقات الشّراكة التّي استفادت من انكشاف الاقتصاديات المغاربية، وفشل المشروع الاندماجي المغاربي، لفرض المشروع المقابل، أي رهن المستقبل المغاربي إلى ما لا نهاية، ودليل ذلك الوضع الرّاهن لتلك الاقتصاديات، وكلّ الدراسات التي أكّدت أن الرّبح كان من جانب الأوربيين فقط، في حين أنّ المغاربيين خسروا حتّى تلك القطاعات التي كان يمكن أن تشكّل قواعد انطلاق لبناء هياكل اقتصادية واعدة وناشئة، زراعية، سياحية، صناعية، وحتى طاقوية.
من جانب آخر، وعلى مستوى الدول المغاربية، دائما، يمكن للمسار التّفكيكي للاتّحاد الأوروبي أو إضعافه، على الأقلّ، أن يشكّل فرصةً لإعادة التّوازن إلى العلاقات بين الضفتين المتوسطيتين، وفرض منطق تفاوضي جديد، يحتاج تجسيده إلى تعاضد جهود الدُّول المغاربية، واستفاقتها بالاتّجاه نحو تفكير واقعي، يفرض قواعد تّعامل النّد للنّد، أي قطب مقابل قطب، اتّحاد مغاربي في مواجهة اتّحاد أوروبي، أو لنقل اتحاد مغاربي في مواجهة قوس لاتيني أوروبي، يجمع الخمس دول المواجهة للمغرب الكبير، إسبانيا وفرنسا والبرتغال ومالطا وإيطاليا
التي يجمع بينها وبين الدول المغاربىة منتدى 5+5.
وعلى مستوى المبادرات الإستراتيجية - الأمنية التي كانت دوماً من اقتراح أوروبي، بدءاً بمسار برشلونة، الاتّحاد من أجل المتوسط وصولا إلى سياسة الجوار الأوروبية، فإنّها، كلّها، بالمسار الجديد للاتحاد الأوروبي الضعيف، قابلة/ مهّيأة للمراجعة، من حيث المبادرة، المضمون ثمّ الأهداف والتي كانت إلى جانب الأوروبيين المنتشين بانتمائهم إلى اتّحاد أوروبي قوي اقتصاديا ومؤيدين، دوما، من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، باعتبار أنه ذراعهم الاستراتيجي – العسكري، لفرض إدراكهم التّهديدات واستراتيجيات مواجهتها، على غرار آفات الإرهاب، والهجرة غير الشرعية أو مسألة التحول نحو الدّيمقراطية.
من شأن هذه الموازنة للعلاقات بين الضفتين أن ترسل إلى اليمين الشعبوي رسالةً قوية بأن ثمّة قوة من وراء ملايين المهاجرين، ما سيستدعي تعاملا أقلّ استفزازا لمشاعرهم، أو انتقاصاً لحقوقهم، كما أن من شأن هذا التّعامل الجديد أن يوجد معادلةً جديدة، مؤسسة على مبدأ رابح – رابح، أي التعامل بين الند والند، وتجسيد ذلك من خلال إبراز أنّ الإدراك، ثم التفاوض والتجسيد للمسائل كلّها، اقتصادية، سياسية، أمنية واستراتيجية، يجب أن يكون في إطار تعاون/ شراكة، وليس في إطار التوجيه الأحادي، لصالح الأوروبيين، كما يجري حالياً.
يحتاج هذا الوضع ليتجسّد على أرض الواقع إلى تفكير واقعي، يتجاوز التّفكير القُطري الضيّق، ليسمو به إلى التفكير الاندماجي في إطار مغاربي، سيخدم، حتماً، المغاربيين، ويفرض قواعد تعامل وتفاوض جديدة، سواء للمهاجرين أو للدول المغاربية. ينطلق ذلك المشروع من إعادة بعث الاتحاد المغاربي ومؤسساته، ولا يمكن لذلك أن يتم إلا من خلال مسار تحوّل نحو الدّيمقراطية، ينتشر على طول الفضاء المغاربي، ليكون الهمّ الاندماجي مغاربياً، شعوباً وحكومات، وهو من الشروط الإعدادية الأساسية لنجاح أية عملية اندماجية، كما يؤكّد على ذلك المنظّرون والدّارسون للتّجارب التّكاملية عبر العالم.
تلك هي التحديات التي يجب التعامل معها، ويمكن أن تتعمّق وتتمدّد، إذا استمر التوجّه اليميني
في فرض أجندته السياسية في الاقتراعات المقبلة، وخصوصا في دول القوس اللاتيني إذ أصبحت إيطاليا أول دولة تجسّد ذلك عبر صعود سالفيني، وتيار "النجوم الخمسة" اليميني، مرفوقا بصعود ملحوظ للحزب اليميني المتطرّف "التجمع الوطني" (الاسم الجديد) لحزب مارين لوبان، في فرنسا، حيث يوجد أكبر تجمع للمهاجرين المغاربيين.
هل يستفيق المغاربيون، دولا وشعوبا، لفرض تغييرٍ يرفع هذا التحدّي، أم نستمرّ في جرّ ويلات الهزائم الاستراتيجية تلو الهزائم؟.. هذا ما يجب التوجه إلى التفكير فيه وجوبا، على خلفية هذه النتائج الوخيمة على مستقبل العلاقات المغاربية - الأوروبية، من ناحية، وعلى وضع المهاجرين المغاربيين في ذلك الفضاء، من ناحية أخرى، ودرءا لمخاطر تكرار ما تواجهه ليبيا، الآن، من اعتداءٍ سافر للاستحواذ على نفطها وغازها من الأوروبيين، دونما اهتمام أو دور ما للمغاربيين.
تحتاج الدول للتّفكير مليا في مستقبل الاتّحاد المغاربي، الميّت سريريا منذ حوالي ثلاثة عقود، لأنّه طوق النّجاة الوحيد المتوفّر لاسترجاع جزءٍ من المبادرة في مسار بناء مشروع قوّة إقليميةٍ تغطّي كلّ فضاء المتوسّط الغربي، وتصل، في تأثيرها الاستراتيجي، إلى المنطقة السّاحلية – الصحراوية، لتعلن ميلاد قوة موازنة للقوس اللاتيني على المستويات كافة.
وقد سارعت القوى السياسية التّقليدية في أوروبا، يميناً ويساراً، إلى التّقليل من هول الصدمة، لأنّ اختراق اليمين المتطرّف والشعبويين البرلمان الأوروبي ليس له إلاّ معنى واحد، وهو تمدّد الاتجاه اليميني، المعروف باليمين الهوياتي، إلى أهم مؤسّسات الاتّحاد الأوروبي، إلى جانب المفوضية الأوروبية، ما ينذر بسياساتٍ حمائية، تضييقات على المهاجرين، وبمزيد من الانغلاق للحدود الخارجية لأوروبا على كلّ ما هو أجنبي، حتّى تلك الحالات التي كانت تُسمح بها في إطار اللّجوء والتّجنيس والحاجة للأيدي العاملة.
يشكّل ذلك كلّه، بالنسبة للمغاربيين (مهاجرين ودولاً) تحدّياتٍ يجب أن تُرفع، ورهانات/ فُرصا، لأنّ مستقبل وجود أجانب في الدُّول الأوروبية المختلفة، وخصوصاً تلك التي شهدت
وعلى مستوى الدُّول المغاربية، فإن الوضع المتجّه نحو مزيد من التّفكيك للاتّحاد الأوروبي أو، على أقلّ تقدير، معاداة كل ما هو جماعي أوروبيا، سيفتح الباب واسعاً أمام مشروع إعادة التّفاوض بشأن اتّفاقات الشّراكة التّي استفادت من انكشاف الاقتصاديات المغاربية، وفشل المشروع الاندماجي المغاربي، لفرض المشروع المقابل، أي رهن المستقبل المغاربي إلى ما لا نهاية، ودليل ذلك الوضع الرّاهن لتلك الاقتصاديات، وكلّ الدراسات التي أكّدت أن الرّبح كان من جانب الأوربيين فقط، في حين أنّ المغاربيين خسروا حتّى تلك القطاعات التي كان يمكن أن تشكّل قواعد انطلاق لبناء هياكل اقتصادية واعدة وناشئة، زراعية، سياحية، صناعية، وحتى طاقوية.
من جانب آخر، وعلى مستوى الدول المغاربية، دائما، يمكن للمسار التّفكيكي للاتّحاد الأوروبي أو إضعافه، على الأقلّ، أن يشكّل فرصةً لإعادة التّوازن إلى العلاقات بين الضفتين المتوسطيتين، وفرض منطق تفاوضي جديد، يحتاج تجسيده إلى تعاضد جهود الدُّول المغاربية، واستفاقتها بالاتّجاه نحو تفكير واقعي، يفرض قواعد تّعامل النّد للنّد، أي قطب مقابل قطب، اتّحاد مغاربي في مواجهة اتّحاد أوروبي، أو لنقل اتحاد مغاربي في مواجهة قوس لاتيني أوروبي، يجمع الخمس دول المواجهة للمغرب الكبير، إسبانيا وفرنسا والبرتغال ومالطا وإيطاليا
وعلى مستوى المبادرات الإستراتيجية - الأمنية التي كانت دوماً من اقتراح أوروبي، بدءاً بمسار برشلونة، الاتّحاد من أجل المتوسط وصولا إلى سياسة الجوار الأوروبية، فإنّها، كلّها، بالمسار الجديد للاتحاد الأوروبي الضعيف، قابلة/ مهّيأة للمراجعة، من حيث المبادرة، المضمون ثمّ الأهداف والتي كانت إلى جانب الأوروبيين المنتشين بانتمائهم إلى اتّحاد أوروبي قوي اقتصاديا ومؤيدين، دوما، من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، باعتبار أنه ذراعهم الاستراتيجي – العسكري، لفرض إدراكهم التّهديدات واستراتيجيات مواجهتها، على غرار آفات الإرهاب، والهجرة غير الشرعية أو مسألة التحول نحو الدّيمقراطية.
من شأن هذه الموازنة للعلاقات بين الضفتين أن ترسل إلى اليمين الشعبوي رسالةً قوية بأن ثمّة قوة من وراء ملايين المهاجرين، ما سيستدعي تعاملا أقلّ استفزازا لمشاعرهم، أو انتقاصاً لحقوقهم، كما أن من شأن هذا التّعامل الجديد أن يوجد معادلةً جديدة، مؤسسة على مبدأ رابح – رابح، أي التعامل بين الند والند، وتجسيد ذلك من خلال إبراز أنّ الإدراك، ثم التفاوض والتجسيد للمسائل كلّها، اقتصادية، سياسية، أمنية واستراتيجية، يجب أن يكون في إطار تعاون/ شراكة، وليس في إطار التوجيه الأحادي، لصالح الأوروبيين، كما يجري حالياً.
يحتاج هذا الوضع ليتجسّد على أرض الواقع إلى تفكير واقعي، يتجاوز التّفكير القُطري الضيّق، ليسمو به إلى التفكير الاندماجي في إطار مغاربي، سيخدم، حتماً، المغاربيين، ويفرض قواعد تعامل وتفاوض جديدة، سواء للمهاجرين أو للدول المغاربية. ينطلق ذلك المشروع من إعادة بعث الاتحاد المغاربي ومؤسساته، ولا يمكن لذلك أن يتم إلا من خلال مسار تحوّل نحو الدّيمقراطية، ينتشر على طول الفضاء المغاربي، ليكون الهمّ الاندماجي مغاربياً، شعوباً وحكومات، وهو من الشروط الإعدادية الأساسية لنجاح أية عملية اندماجية، كما يؤكّد على ذلك المنظّرون والدّارسون للتّجارب التّكاملية عبر العالم.
تلك هي التحديات التي يجب التعامل معها، ويمكن أن تتعمّق وتتمدّد، إذا استمر التوجّه اليميني
هل يستفيق المغاربيون، دولا وشعوبا، لفرض تغييرٍ يرفع هذا التحدّي، أم نستمرّ في جرّ ويلات الهزائم الاستراتيجية تلو الهزائم؟.. هذا ما يجب التوجه إلى التفكير فيه وجوبا، على خلفية هذه النتائج الوخيمة على مستقبل العلاقات المغاربية - الأوروبية، من ناحية، وعلى وضع المهاجرين المغاربيين في ذلك الفضاء، من ناحية أخرى، ودرءا لمخاطر تكرار ما تواجهه ليبيا، الآن، من اعتداءٍ سافر للاستحواذ على نفطها وغازها من الأوروبيين، دونما اهتمام أو دور ما للمغاربيين.
تحتاج الدول للتّفكير مليا في مستقبل الاتّحاد المغاربي، الميّت سريريا منذ حوالي ثلاثة عقود، لأنّه طوق النّجاة الوحيد المتوفّر لاسترجاع جزءٍ من المبادرة في مسار بناء مشروع قوّة إقليميةٍ تغطّي كلّ فضاء المتوسّط الغربي، وتصل، في تأثيرها الاستراتيجي، إلى المنطقة السّاحلية – الصحراوية، لتعلن ميلاد قوة موازنة للقوس اللاتيني على المستويات كافة.