بدأت بوادر الاصطفافات في الساحة الحزبية الإسرائيلية قبيل الانتخابات المبكرة المرتقبة، بإعلان حزبي الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو و"البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بنيت، أمس الجمعة، عن توقيع الحزبين على اتفاق لفائض الأصوات بينهما. وتشكل هذه الخطوة مؤشراً أولياً لجهة التحالفات المستقبلية بين مختلف الأحزاب الإسرائيلية. ويضمن مثل هذا الاتفاق أن يتمكن أحد الحزبين، الذي يتوفر لديه عدد أكبر من الأصوات الفائضة بعد توزيع المقاعد البرلمانية حسب نسبة الحسم، من الاستفادة من الأصوات الفائضة لدى شريكه في الاتفاق بدلاً من حرقها.
وعلى الرغم من أنه من المبكر التكهن بخريطة التحالفات، بفعل المفاجآت التي تحملها الانتخابات الإسرائيلية، فإن من شأن تفضيل الليكود إبرام اتفاق الأصوات مع البيت اليهودي، أن يجسد حجم الفجوة بينه وبين حليفه الانتخابي في الانتخابات الماضية، أفيغدور ليبرمان. وخاض الليكود وحزب ليبرمان الانتخابات في قائمة مشتركة، أملاً في حصد عدد كبير من المقاعد، إلا أن النتيجة كانت مخيبة لآمال الطرفين، إذ حصل الحزبان مجتمعين على 31 مقعداً فقط.
في المقابل، يمكن القول أيضاً إن هذه الخطوة تعكس الشك والمخاوف التي يملكها نتنياهو تجاه ليبرمان ومشاريعه بوراثته في كرسي رئاسة الحكومة، ولا سيما أنّ حزب ليبرمان لم ينف هذا الاحتمال. كما أن أحزاب الوسط واليسار وتحديداً حزب العمل، لم تسقط من خياراتها بعد عدم المشاركة مع ليبرمان في حكومة مقبلة.
على الرغم من ذلك، تبدو المعركة الانتخابية الإسرائيلية الحالية، في خطواتها الأولى، مدفوعة بالأساس من عقدة نتنياهو، بفعل الترسبات الشخصية بين أقطاب الحكومة برئاسة الأخير، ولا سيما مع زعيم حزب ييش عتيد، يئير لبيد، ورئيسة حزب "هتنوعاه"، تسيبي ليفني، وبدرجة أقل أفيغدور ليبرمان، والتي شكلت باعتقاد كثيرين، عاملاً محفزاً على تفكيك الحكومة.
وفي هذا السياق تمكن قراءة الكم الهائل من التصريحات التي تركز على شخص نتنياهو باعتباره العائق أمام استمرار الحكومة الحالية، من جهة، واكتشاف شركائه حتى الأمس، مدى خطورته لإسرائيل من جهةٍ ثانية.
في غضون ذلك، ستشهد المائة يوم المتبقية على الانتخابات الإسرائيلية، بازاراً نشطاً من التكهنات والشائعات حول اصطفافات وصفقات مختلفة بعضها غير معقول، مع أن كل شيء، تقريباً، متوقع في السياسة الإسرائيلية.
ومن أولى تباشير هذه التكهنات ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ يوم الخميس الماضي، حول احتمال إعلان وزير الداخلية السابق، غدعون ساعر، عزمه خوض الانتخابات الداخلية في الليكود والتنافس على رئاسة الليكود مقابل نتنياهو في السادس من يناير/كانون الثاني المقبل.
وتبدي الصحافة الإسرائيلية نشاطاً يفوق أحياناً النشاط الحقيقي داخل الأحزاب الإسرائيلية وبينها، فهي ترشح "نجوماً" سياسيين وحزبيين أحياناً قبل أن يكون هؤلاء على معرفة بقرار ترشيحهم، أو حتى قبل اتخاذهم لقرارهم، على اعتبار أن الجو الانتخابي السائد يتيح للصحافة الإسرائيلية دائماً، نسب الخبر إلى مقربين من "النجم المرشح" من دون أن يسائلها أحد.
كما ترشّح الصحافة أحياناً سيناريوهات لتحالفات واصطفافات من دون أن تضطر إلى تقديم البراهين على صحتها، وتكتفي عادة بعبارات تحفّظ مختلفة مثل عبارات "مصادر حزبية" أو "مقربين من"، كي تنقذ نفسها من مطبات أو سقطات كبيرة. وتساعد هذه التعابير التي تبقي نوعاً من الشك بصحة الخبر، في حفظ وسائل الإعلام لخط رجعة أمام جمهور قرّائها.
وبما أن السياسة الحزبية في إسرائيل تشهد منذ العام 2000 بشكل خاص ظهور أحزاب "الموضة" أو الأحزاب الموسمية، والتي يقوم قسم كبير منها بفعل انشقاق نائب أو وزير عن حزبه الأم، يمكن القول إن البازار الانتخابي هذه المرة لن يختلف عن المرات السابقة.
ففي الانتخابات الأخيرة كان حزب يئير لبيد المبني على نجومية الأخير في الإعلام من جهة، والميراث السياسي الذي ورثه من والده الصحافي والسياسي تومي لبيد من جهةٍ ثانية. وهذه المرة تبدي وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً، بغض النظر عن مدى صدقيته، بالوزير المنسحب من الليكود في الدورة الماضية موشيه كاحلون.
وتحاول الصحف تصوير كاحلون، باعتباره النجم القادم للسياسة الإسرائيلية، والذي من شأنه بفعل الشعبية التي يتمتع بها، (بفعل إصلاحاته في سوق الاتصالات الخلوية عندما كان وزيراً للاتصالات في حكومة نتنياهو السابقة) بأنه سيكون بيضة القبان التي سترجّح الكفة بعد الانتخابات لتشكيل حكومة يسار وسط، سواء بقيادة زعيم العمل، يتسحاق هرتسوغ، أم بزعامة لبيد أو حتى ليبرمان، أم ترسيخ ولاية رابعة لنتنياهو عبر التحالف مع الليكود مجدداً.
ولكن فيما تبدو الصورة شبه واضحة في اليمين الإسرائيلي، حالياً على الأقل، لجهة كون نتنياهو المرشح عن اليمين لرئاسة الحكومة، فإن الصورة في المعسكر المضاد غير واضحة كلياً، بل إن الفرقة والتشرذم هما السِّمتان السائدتان.
وأعلن حزب العمل أنه لن يخوض الانتخابات في قائمة مشتركة مع حزب ميرتس. وأعلن يئير لبيد رداً على تصريحات زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ حول سعيه لتشكيل كتلة من الأحزاب الصهيونية لمواجهة نتنياهو، أنه يعتزم التنافس على رئاسة الحكومة، على الرغم من أن الاستطلاعات الحالية تشير إلى أن قوته الانتخابية تراجعت، وقد يحصل على أقل من 10 مقاعد مقابل 19 مقعداً يملكها في الكنيست الحالي. ووفقاً للإذاعة الإسرائيلية، فإن هناك بوادر لتحالف انتخابي بين حزب العمل برئاسة هرتسوغ وبين حزب هتنوعاه بقيادة ليفني، وهو حزب تتوقع الاستطلاعات، حالياً، على الأقل، ألا يجتاز نسبة الحسم أصلاً.