29 أكتوبر 2024
الانتخابات هنا وهناك
بعد مفاجآت الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي أطاحت الطبقة السياسية المعهودة، يمينا ويسارا، لتأتي برئيس للجمهورية، شاب (39 عاما)، متزوّج بامرأة تكبره 24 عاما، ومن خارج الإستابليشمنت، ها هي الانتخابات التشريعية التي جرت دورتاها، الأولى والثانية في تاريخي 11 و18 يونيو/ حزيران، تثبت أن إيمانويل ماكرون لم يفز فقط لأن الناس صوّتوا ضد مرشحة اليمين المتطرّف، مارين لوبان، بل لأن كثرا من أهل اليمين راجعوا مواقفهم منه، وكثرا آخرين قاطعوا الانتخابات، ممتنعين عن التصويت بنسبةٍ فاقت كل توقع، وشكلت سابقة، إذ بلغت 51% في الدورة الأولى، و57% في الثانية. هكذا تحوّلت أصواتُ البرجوازية والبرجوازية الكبيرة اليمينية لمصلحة حركة الرئيس الشاب "الجمهورية إلى الأمام"، وذلك بعد أن ركّز اليسار، في حملاته الانتخابية، على "يمينيّة" طروحات هذا الأخير وأفكاره، وهو ما صدّقه هؤلاء، معتبرين أن ماكرون ليس بذلك السوء، وأنه على غير ما أشيع عنه، لا يعتبر فعلا من جماعة اليسار.
في النتائج التي أعلنت مساء يوم الأحد، حققت "الجمهورية إلى الأمام"، صغيرة السنّ التي لم يتجاوز تأسيسها عاما ونصف العام، فوزا ساحقا في نتائج الدورة الثانية، مؤمّنةً للرئيس الفرنسي أكثريةً مطلقة. وفي هذا مؤشّر واضح وصريح إلى رغبة الفرنسيين في تغيير المشهد السياسي، عبر المراهنة على طاقات جيلٍ شاب وأوجه جديدة، تنسيهم الفشل الذريع لأحزاب اليمين واليسار على السواء، التي لم يكسبوا من تعاقبها على الحكم، إلا الوعود الكاذبة بخفض معدّل البطالة، وتحسين القدرة الشرائية ومستوى العيش، إلخ. والحال إن فرنسا التي تعاني، منذ سنواتٍ طويلة، من فراغ الخطاب السياسي لأحزابها، ومن غياب أي حوار حقيقي وفاعل في ما بينها، على الرغم من استفحال المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مضافا إليها الهجمات الإرهابية التي تعرّضت إليها في السنتين الأخيرتين، وخطر التطرّف الإسلامي الذي يتهدّد أبناءها من المسلمين، انتفضت بعد "امتلاء وعاء" (ras le bol) الفرنسيين وقرار الأغلبية بضرورة التغيير...
أما في لبنان، فالوعاء كأنه لا يمتلئ قط، برغم أنه فاض وانثقب وما زال يفيض. فها إنّ زعماءنا يهنّئون أنفسهم ويهنّئوننا بقانونٍ جديدٍ للانتخابات، "طبخته" طبقة سياسية لم يعد فسادها في موضع الشكّ، وصادق عليه مجلسٌ نيابيٌّ يجدّد لنفسه، فيما المواطن اللبناني غائب تماما عن الوعي، وهو، إن كان ممّن "لم يفض به وملّ"، فسيصوّت بشكل حتمي لزعيم طائفته، ومرشّح طائفته، وحليف طائفته، من دون النظر أصلا إلى أي برنامجٍ سياسي، أو من دون أن يشترط حتى احترام تنفيذ أي مطلبٍ له.
في معرض تقييمها مشروع قانون الانتخاب الذي أقرّته الحكومة، رأت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) أنّ القانون يفتقد "العديد من الإصلاحات الانتخابية المهمّة أبرزها الكوتا النسائية، خفض سن الاقتراع والترشّح، منح حق الاقتراع للعسكريين، إقرار هيئة مستقلة دائمة لإدارة الانتخابات، تخفيض الإنفاق الانتخابي، ورفع السرّية المصرفية عن حسابات المرشحين وأصولهم وفروعهم"، مضيفةً أنّه يشوّه النسبية جاعلا منها نظاما أكثريا يلغي دينامية التغيير في حدّها الأدنى، على الرغم من إشادتها باعتماد مبدأ النظام النسبي، عوضا عن النظام الأكثري، وبوجود ممثلٍ عن المجتمع المدني ضمن أعضاء هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية التي استقلّت جزئيا عن وزير الداخلية والبلديات، بموجب القانون الجديد.
تقول الجمعية هذا، ونحن نثق بها. لكننا مدركون، في العمق، أننا داخل حفرة سحيقة، وأن ليس من بين من صاغوا القانون الجديد هذا، من يلتفت إلينا أو يرمي لنا بحبل. نحن نعرف أننا بلا حماية، ومن دون أفق، وأننا ممن لا يُحسب لهم حساب، إلا كأصواتٍ انتخابيةٍ داخل الطائفة. نعرف ونثق أن فقرنا سيزداد فقرا، ونساءنا عجزا، ومرضانا موتا، وأولادنا نقصانا وقهرا. ندرك ونعرف ونثق أن لا قدرة لنا على التأثير في مصائرنا وأوضاعنا، ولا في مصير البلاد وأوضاعها، أننا الرقم السهل، الحلقة الضعيفة، الصوت الأصمّ، وأننا خاصة الدودُ الذي، بقدر ما يغذّي التراب، يُبيد كلَّ الزرع.
في النتائج التي أعلنت مساء يوم الأحد، حققت "الجمهورية إلى الأمام"، صغيرة السنّ التي لم يتجاوز تأسيسها عاما ونصف العام، فوزا ساحقا في نتائج الدورة الثانية، مؤمّنةً للرئيس الفرنسي أكثريةً مطلقة. وفي هذا مؤشّر واضح وصريح إلى رغبة الفرنسيين في تغيير المشهد السياسي، عبر المراهنة على طاقات جيلٍ شاب وأوجه جديدة، تنسيهم الفشل الذريع لأحزاب اليمين واليسار على السواء، التي لم يكسبوا من تعاقبها على الحكم، إلا الوعود الكاذبة بخفض معدّل البطالة، وتحسين القدرة الشرائية ومستوى العيش، إلخ. والحال إن فرنسا التي تعاني، منذ سنواتٍ طويلة، من فراغ الخطاب السياسي لأحزابها، ومن غياب أي حوار حقيقي وفاعل في ما بينها، على الرغم من استفحال المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مضافا إليها الهجمات الإرهابية التي تعرّضت إليها في السنتين الأخيرتين، وخطر التطرّف الإسلامي الذي يتهدّد أبناءها من المسلمين، انتفضت بعد "امتلاء وعاء" (ras le bol) الفرنسيين وقرار الأغلبية بضرورة التغيير...
أما في لبنان، فالوعاء كأنه لا يمتلئ قط، برغم أنه فاض وانثقب وما زال يفيض. فها إنّ زعماءنا يهنّئون أنفسهم ويهنّئوننا بقانونٍ جديدٍ للانتخابات، "طبخته" طبقة سياسية لم يعد فسادها في موضع الشكّ، وصادق عليه مجلسٌ نيابيٌّ يجدّد لنفسه، فيما المواطن اللبناني غائب تماما عن الوعي، وهو، إن كان ممّن "لم يفض به وملّ"، فسيصوّت بشكل حتمي لزعيم طائفته، ومرشّح طائفته، وحليف طائفته، من دون النظر أصلا إلى أي برنامجٍ سياسي، أو من دون أن يشترط حتى احترام تنفيذ أي مطلبٍ له.
في معرض تقييمها مشروع قانون الانتخاب الذي أقرّته الحكومة، رأت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) أنّ القانون يفتقد "العديد من الإصلاحات الانتخابية المهمّة أبرزها الكوتا النسائية، خفض سن الاقتراع والترشّح، منح حق الاقتراع للعسكريين، إقرار هيئة مستقلة دائمة لإدارة الانتخابات، تخفيض الإنفاق الانتخابي، ورفع السرّية المصرفية عن حسابات المرشحين وأصولهم وفروعهم"، مضيفةً أنّه يشوّه النسبية جاعلا منها نظاما أكثريا يلغي دينامية التغيير في حدّها الأدنى، على الرغم من إشادتها باعتماد مبدأ النظام النسبي، عوضا عن النظام الأكثري، وبوجود ممثلٍ عن المجتمع المدني ضمن أعضاء هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية التي استقلّت جزئيا عن وزير الداخلية والبلديات، بموجب القانون الجديد.
تقول الجمعية هذا، ونحن نثق بها. لكننا مدركون، في العمق، أننا داخل حفرة سحيقة، وأن ليس من بين من صاغوا القانون الجديد هذا، من يلتفت إلينا أو يرمي لنا بحبل. نحن نعرف أننا بلا حماية، ومن دون أفق، وأننا ممن لا يُحسب لهم حساب، إلا كأصواتٍ انتخابيةٍ داخل الطائفة. نعرف ونثق أن فقرنا سيزداد فقرا، ونساءنا عجزا، ومرضانا موتا، وأولادنا نقصانا وقهرا. ندرك ونعرف ونثق أن لا قدرة لنا على التأثير في مصائرنا وأوضاعنا، ولا في مصير البلاد وأوضاعها، أننا الرقم السهل، الحلقة الضعيفة، الصوت الأصمّ، وأننا خاصة الدودُ الذي، بقدر ما يغذّي التراب، يُبيد كلَّ الزرع.