27 ديسمبر 2014
الانتخابات ومتاهة الإنسان العراقي
تجيء "صراعات الانتخابات البرلمانية" العراقية، والتي ستشهد، نهاية الأسبوع الحالي، خاتمتها، لتكشف عن أن ما يحكم المجتمعات التي لها نصيب في التاريخ الإنساني من روابط هي في المجتمع العراقي الحاضر "روابط تفكك" ـ إذا جاز التعبيرـ وبالتالي، هي تكشف عن مشكلاتٍ ومعضلاتٍ ليست منفصلة، ولا منعزلة عن بعضها، ما يجعل الإنسان العراقي، في بلده، يبدو كمن يعيش حالة من صعوبة التفكير في إيجاد حلولٍ لما يمرّ به، إنساناً وبلداً، من معضلات، بل في "كيفية العيش" ضمن/ ومن خلال حياة طبيعية، كما افترضت الدراسات السكانية قبل دخولنا الألفية الثالثة بقرن. فإذا ما تأملنا في هذا الواقع المجتمعي، سنجده يفترق مع كثير مما للإنسانية فيه:
فإذا كنا، كما تؤكد حقائق الوجود الإنساني، نعيش في "عصر العلم"، فإن الجهل هو السور الذي يطوّق وجودنا الحاضر، ويُحاصر العلم والمعرفة فيه، فيحدّه عن كل ما يمكن أن يكون تقدماً...
وإذا كنا نجد العالم، كما تأتي بذلك الأبحاث والدراسات العلمية، يعيش ضمن ما يُعرف بـ "حقائق العقل"، بما لهذا العقل من فتوحاتٍ معرفيةٍ، فنحن نمرّ اليوم بما يمكن أن ندعوها "أوهام التفكير"، بأن يستدعى الوهم من الماضي، فيُجعل له فعله في الحاضر. بل نجد من يعمد إلى جرّ الحاضر إلى الماضي، لكي لا نخرج منه إلى المستقبل، لتكون "الأوهام السائدة" هي "حقائق العوام" التي يراد لها أن تسود، فتحكم حاضر الإنسان والمجتمع، ومستقبلهما.
فهل أخذنا ما أطلق عليه أحد مفكري القرن العشرين "الموجة الثالثة"، بالمعنى الذي يجعل منها موجة تراجع الحاضر أمام المستقبل، وضعاً وسؤالاً؟ قد يثار السؤال، هنا، عن الحركات الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي كانت تعلن عن حضورها في هذا الواقع، وتَعِدُ بما هيأت نفسها له من "دور" كان يبدو، للمتأمل فيه، وعداً بمستقبل أفضل؟
يمكن القول، هنا، إن ما وقع، وحصل، لم يكن متوقعاً، في أن نشهد/ ونعايش مثل حالة الانكسار التي نمرّ بها اليوم، وعلى المستويات كافة. فمن كان يحسب أن يأتينا يوم نجد فيه بين المنتمين إلى الحركة اليسارية العربية، ممن كانوا يتمركسون على كارل ماركس، من ينكفئ متراجعاً عن "ثوريته" ليستسلم، مع من استسلم، لـ "مجلس حكم" قاده أميركي اسمه بول بريمر، نصّبته قوى بلده المحتلة "حاكماً مدنياً على العراق"، فيمتثلون لما يقرّر وبه يأمر؟ بل يدرجه اسماً ضمن تصنيفات "التشكيل الطائفي" للمجلس؟ من كان يتوقع أن يسبق هذا، ويكمله من جاء مع المحتل من أصحاب "الأطروحات الثورية" ممن كان جيفارا مثلهم الأعلى في النضال، فيكون الدليل لهذا المحتل، والمروّج أطروحاته، والعون له على توطيد احتلاله؟
من بين هؤلاء من يتصدّر، اليوم، كما تصدّر في انتخاباتٍ سابقة، قوائم "التسابق الانتخابي".. والمنتخِب، أكثر من سواه، يعرف أَن "شعاراتهم" التي يرفعون، لا علاقة لها بما أعدوا أنفسهم له، فقد تأكد له، من دورتين سابقتين للبرلمان، أن "ملف الخدمات" الذي يلوحون به وعداً، إنما هو ملف "خدمة مصالحهم"، والكيفية التي يعدون أنفسهم، بقوة نفوذهم، والمال الذي سيصبح في أيديهم، لتأمينها على "أفضل وجه"، يحقق لهم المكاسب التي من شأنها ضمان مستقبلهم، ومستقبل أولادهم وأحفادهم. أما "الملف الأمني"، فهو الذي يخص الكيفية التي يضمنون فيها تأمين السكن والعيش لأنفسهم وعوائلهم، في بلدان بعيدة عن حالات الاضطراب، وغالباً ما تكون من بلدان الجنسية الثانية التي يحملون!
فإن كانت "الحالة الشعارية" جعلتهم ينزلون إلى الشارع مرة واحدة، وبكل ما في قبضة كل منهم من أموال، فإن "نزولهم" هذا جاءَ "رمزياً"، إن لم نقل "وهمياً" هو الآخر. فهم لم ينزلوا بأنفسهم، ليلتقوا من يعولون عليهم في مسألة الانتخاب، والصعود بهم إلى سُدّة البرلمان، وإنما كان من خلال "الملصقات الإعلانية" التي سدّوا بها منافذ الرؤية على المارة، في شوارع المدن العراقية، وفي الطليعة منها بغداد. ما جعل رجل الشارع العراقي يسأل: ماذا كان سيتم، لو وزّعوا الأموال المنفقة على هذا الحديد والورق على الفقراء. هل سيبقى فقير في البلاد؟ ماذا لو وجهوها لبناء مدارس. هل ستبقى "مدرسة طينية" في العراق؟ وماذا لو تم إنفاقها في تحسين "الواقع الصحي"؟
يثير المواطن، رجل الشارع العراقي، مثل هذه الأسئلة، وأمامه حقيقة ما وقع قبل اليوم مما أطلق عليه، من دون تحفظ، "وعود كاذبة"، أطلقها "أسلافهم" (أو هم أنفسهم) في الدورة السابقة. فهو يجد الأسماء تتكرر، وهي نفسها في القوائم الجديدة، وبالوعود القديمة الجديدة، من دون أن يؤثر على رؤيته هذه تغيير بعضهم "موقعه" منتقلاً من "تيار ليبرالي" إلى غيره "ديني مسيّس"، ومن "قائمة علمانية"، بما تُعلن لنفسها من برنامج، إلى أخرى "طائفية مذهبية المنزع".. وفي الليل تشابه علينا البقرُ...
أمام هذا، يثار التساؤل، وقد أثير، عن موقع المثقف مما يحصل؟ وأين المفكر في ما له من دور تنويري؟ وأين كل منهما، المثقف والمفكر، مما كانا يثيران، ويقترحان، قبل اليوم، من سياقاتٍ حضاريةٍ لمجتمعهم وإنسانه؟
هنا، تبرز حقيقة أخرى، ليس البرلمان ونوابه في معزل منها:
تقول الوقائع إن من غادر العراق من بعد العام 2003 من العلماء، والمثقفين، والمفكرين، وأساتذة الجامعات، قد بلغ 60% من عددهم الكليّ، بعد أن أصبحت حياتهم مهددة بخطر التصفية، وقد أدركت التصفيات الجسدية أعداداً كبيرة منهم. أما من تبقّى، فأرادوا منه أن يكون أحد اثنين: إما "مطوَّعاً"، يرضخ لما يُفرض عليه من سكوت، وقد أرهبوه، أو "متطوّعاً" أغروه بالأجر فاستأجروه!
فإذا كنا، كما تؤكد حقائق الوجود الإنساني، نعيش في "عصر العلم"، فإن الجهل هو السور الذي يطوّق وجودنا الحاضر، ويُحاصر العلم والمعرفة فيه، فيحدّه عن كل ما يمكن أن يكون تقدماً...
وإذا كنا نجد العالم، كما تأتي بذلك الأبحاث والدراسات العلمية، يعيش ضمن ما يُعرف بـ "حقائق العقل"، بما لهذا العقل من فتوحاتٍ معرفيةٍ، فنحن نمرّ اليوم بما يمكن أن ندعوها "أوهام التفكير"، بأن يستدعى الوهم من الماضي، فيُجعل له فعله في الحاضر. بل نجد من يعمد إلى جرّ الحاضر إلى الماضي، لكي لا نخرج منه إلى المستقبل، لتكون "الأوهام السائدة" هي "حقائق العوام" التي يراد لها أن تسود، فتحكم حاضر الإنسان والمجتمع، ومستقبلهما.
فهل أخذنا ما أطلق عليه أحد مفكري القرن العشرين "الموجة الثالثة"، بالمعنى الذي يجعل منها موجة تراجع الحاضر أمام المستقبل، وضعاً وسؤالاً؟ قد يثار السؤال، هنا، عن الحركات الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي كانت تعلن عن حضورها في هذا الواقع، وتَعِدُ بما هيأت نفسها له من "دور" كان يبدو، للمتأمل فيه، وعداً بمستقبل أفضل؟
يمكن القول، هنا، إن ما وقع، وحصل، لم يكن متوقعاً، في أن نشهد/ ونعايش مثل حالة الانكسار التي نمرّ بها اليوم، وعلى المستويات كافة. فمن كان يحسب أن يأتينا يوم نجد فيه بين المنتمين إلى الحركة اليسارية العربية، ممن كانوا يتمركسون على كارل ماركس، من ينكفئ متراجعاً عن "ثوريته" ليستسلم، مع من استسلم، لـ "مجلس حكم" قاده أميركي اسمه بول بريمر، نصّبته قوى بلده المحتلة "حاكماً مدنياً على العراق"، فيمتثلون لما يقرّر وبه يأمر؟ بل يدرجه اسماً ضمن تصنيفات "التشكيل الطائفي" للمجلس؟ من كان يتوقع أن يسبق هذا، ويكمله من جاء مع المحتل من أصحاب "الأطروحات الثورية" ممن كان جيفارا مثلهم الأعلى في النضال، فيكون الدليل لهذا المحتل، والمروّج أطروحاته، والعون له على توطيد احتلاله؟
من بين هؤلاء من يتصدّر، اليوم، كما تصدّر في انتخاباتٍ سابقة، قوائم "التسابق الانتخابي".. والمنتخِب، أكثر من سواه، يعرف أَن "شعاراتهم" التي يرفعون، لا علاقة لها بما أعدوا أنفسهم له، فقد تأكد له، من دورتين سابقتين للبرلمان، أن "ملف الخدمات" الذي يلوحون به وعداً، إنما هو ملف "خدمة مصالحهم"، والكيفية التي يعدون أنفسهم، بقوة نفوذهم، والمال الذي سيصبح في أيديهم، لتأمينها على "أفضل وجه"، يحقق لهم المكاسب التي من شأنها ضمان مستقبلهم، ومستقبل أولادهم وأحفادهم. أما "الملف الأمني"، فهو الذي يخص الكيفية التي يضمنون فيها تأمين السكن والعيش لأنفسهم وعوائلهم، في بلدان بعيدة عن حالات الاضطراب، وغالباً ما تكون من بلدان الجنسية الثانية التي يحملون!
فإن كانت "الحالة الشعارية" جعلتهم ينزلون إلى الشارع مرة واحدة، وبكل ما في قبضة كل منهم من أموال، فإن "نزولهم" هذا جاءَ "رمزياً"، إن لم نقل "وهمياً" هو الآخر. فهم لم ينزلوا بأنفسهم، ليلتقوا من يعولون عليهم في مسألة الانتخاب، والصعود بهم إلى سُدّة البرلمان، وإنما كان من خلال "الملصقات الإعلانية" التي سدّوا بها منافذ الرؤية على المارة، في شوارع المدن العراقية، وفي الطليعة منها بغداد. ما جعل رجل الشارع العراقي يسأل: ماذا كان سيتم، لو وزّعوا الأموال المنفقة على هذا الحديد والورق على الفقراء. هل سيبقى فقير في البلاد؟ ماذا لو وجهوها لبناء مدارس. هل ستبقى "مدرسة طينية" في العراق؟ وماذا لو تم إنفاقها في تحسين "الواقع الصحي"؟
يثير المواطن، رجل الشارع العراقي، مثل هذه الأسئلة، وأمامه حقيقة ما وقع قبل اليوم مما أطلق عليه، من دون تحفظ، "وعود كاذبة"، أطلقها "أسلافهم" (أو هم أنفسهم) في الدورة السابقة. فهو يجد الأسماء تتكرر، وهي نفسها في القوائم الجديدة، وبالوعود القديمة الجديدة، من دون أن يؤثر على رؤيته هذه تغيير بعضهم "موقعه" منتقلاً من "تيار ليبرالي" إلى غيره "ديني مسيّس"، ومن "قائمة علمانية"، بما تُعلن لنفسها من برنامج، إلى أخرى "طائفية مذهبية المنزع".. وفي الليل تشابه علينا البقرُ...
أمام هذا، يثار التساؤل، وقد أثير، عن موقع المثقف مما يحصل؟ وأين المفكر في ما له من دور تنويري؟ وأين كل منهما، المثقف والمفكر، مما كانا يثيران، ويقترحان، قبل اليوم، من سياقاتٍ حضاريةٍ لمجتمعهم وإنسانه؟
هنا، تبرز حقيقة أخرى، ليس البرلمان ونوابه في معزل منها:
تقول الوقائع إن من غادر العراق من بعد العام 2003 من العلماء، والمثقفين، والمفكرين، وأساتذة الجامعات، قد بلغ 60% من عددهم الكليّ، بعد أن أصبحت حياتهم مهددة بخطر التصفية، وقد أدركت التصفيات الجسدية أعداداً كبيرة منهم. أما من تبقّى، فأرادوا منه أن يكون أحد اثنين: إما "مطوَّعاً"، يرضخ لما يُفرض عليه من سكوت، وقد أرهبوه، أو "متطوّعاً" أغروه بالأجر فاستأجروه!