في سابقة لم تألفها الساحة الثقافية اليمنية، شهدت العاصمة صنعاء، تنافساً بين مكونات سياسية وثورية، على إحياء الذكرى السنوية الخامسة عشرة لرحيل شاعر اليمن عبد الله البردُوني (1929-1999).
إذ أقام "مجلس شباب الثورة اليمنية" (ترأسه توكّل كرمان)، أصبوحة شعرية وفنية احتفت بالبردُوني شعراً وغناء، قدّم فيها عددٌ من الشعراء الشباب مجموعة من النصوص، بالإضافة إلى الكلمات الخطابية، أشادوا فيها بالبردُوني وإرثه الشعري والنقدي والتأريخي، متوقفين عند شخصيته ومواقفه الإنسانية التي عُرف بها، فيما قدّم المنشد الشاب محمد الوديع بعض القصائد المغناة من شعر الراحل.
وبينما غلب على الكلمات طابع الشكوى والتذمُّر من خذلان النخبة السياسية والثقافية للبردُوني، وغياب "المثقفين" عن حضور اللقاء الذي "حضره البسطاء والطيبون"، حسب تعبير أحد المتحدثين، اعتبرت متحدثة باسم المنظمين أن "المجلس" اختار إحياء ذكرى البردوني، وسط زحام أخبار الاقتتال، "لأنه يرى في مكتبته روح القائد الوطني الملهم في مقارعة الظلم من خلال الكلمة".
بموازاة هذا اللقاء، أحيتْ "جبهة إنقاذ الثورة" (يسار)، المقرّبة من الحوثيين، ذكرى رحيل البردوني، بمعرض للمصوّر عبد الرحمن الغابري، تضمّن عدداً من الصور التذكارية والشخصية التي وثّقت لجوانب من حياة الشاعر. وتخلّلت الفعالية، التي حضرها بعض أقارب الشاعر، وصلات غنائية لعدد من قصائده، قدّمها المغني الشاب عبد الفتاح القباطي، وكلمة مقتضبة ألقتها حفيدة البردُوني.
الملاحظ أن المتحدثين في الفعاليتين أجمعوا على لوم النخب الثقافية والسلطات الرسمية ومناشدتها لإعادة الاعتبار للبردُوني، وإرثه المتنوع الذي يتألف من 12 ديواناً شعرياً وثماني دراسات نقدية تتنوّع بين النقد الأدبي والتأريخ السياسي، تُرجم خمسٌ منها إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية. ولفت بعضهم إلى ضرورة الكشف عن إرث الشاعر الذي لم ينشر حتى الآن. وفي هذا السياق، وُجِّهت الاتهامات إلى بعض الأطراف بتعمد مصادرة وإخفاء أعماله غير المنشورة التي لم يعرف منها سوى ديوانَي شعر ورواية ودراستين، إحداهما أدبية والأخرى سياسية.
وتتزامن الفعاليتان مع حالة الفرز والاستقطاب الحاد بين القوى السياسية في اليمن. حالة امتدّت لتطال شاعراً مهماً وتثير جدلاً حول شعره السياسي الذي يرى بعضهم أنه حمل "نبوءات" كشفت الأيام عن صحتها في مآلات اليمن السعيد.