البساطة المستهدفة
عُقدت، أخيراً، عدة مؤتمرات عن حوار الأديان، تعرض الجمهور اللبناني بعدها لأخبار انعقادها فقط من دون إشراكه فيها، حتى إن بعضها كان جلسات مغلقة، علماً أن هذا الجمهور هو الممثل الحقيقي والواقعي لهذه الأديان.
وانعقدت أولى جلسات الحوار السياسي المقرر بين أكبر فريقين سياسيين في لبنان، بعيداً عن وسائل الإعلام، فيما المنتمون لهذين الفريقين أو المناصرون، يخوضون قتالاً، أو يعانون حصاراً، أو يواجهون اتهاماً، ولا حوار بينهم جميعاً. واكتفت المشاريع الإغاثية للاجئين السوريين التي تقوم بها جمعيات لبنانية، بعرض أرقام وصور المستفيدين وأسماء الخيرين، فيما قرى لبنانية بأكملها، مثل عرسال، تدفع ثمن مدّ يد العون، وأهالي عسكريين مخطوفين لا أحد يشاركهم معاناتهم.
في موسم الأعياد، نرى لافتات وزينة على الطرقات، في كل المناطق، قامت بها جمعيات لبنانية، تبدو مشابهة للسنة التي مضت والتي قبلها. كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق في مولد الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، ولروح المحبة في مولد المسيح، عليه السلام، وبث الفرح في النفوس بالألوان والأضواء. رسائل موجهة لمواطنين معضلتهم حالياً فقدان الهوية.
قد يكون الحوار والإغاثة والمبادىء الدينية السامية مبتغى، لكنها ليست مبادرات ومشاريع، بحدّ ذاتها، فلا يمكن للنخبة تلبية رغبات تبدو بعيدة وغير واقعية، في ظل حاجة الجمهور لمن يؤطر له اهتماماته وحاجاته، ويأخذها بعين الاعتبار.
فئة المنظرين أصبحت تشكل شريحة واسعة من المواطنين. فحين غرّدت النخبة بعيداً عن جمهورها، وجدت العامة نفسها أمام التنظير، لأن هذه المواضيع لم تعد تحتمل التصفيق واللوم أو المساءلة، ولا مجال لها، أساساً، في ظل قنوات تواصل مغلقة. ولأن التنظير ليس اختصاصها، فقد غلبت المعلومات المغلوطة على الصحيحة في البيانات والأفكار والأخبار. ويسأل بعدها أصحاب الرسائل والمبادرات أين المواطنون في المشاركة المدنية والسياسية والدينية.
لم يعد يقتصر الخوف من النخبة التي، عاجلاً أم آجلاً، ستفقد ثقة الجمهور، أو تتمسح به، ولا على المبادىء التي شوّهتها مشاريع بلا أثر، أصبح الخوف من خطر يهدد البساطة التي تجاهلتها المؤتمرات، وقفزت على جراحها الحوارات، هذه البساطة التي اعتدت عليها "الإغاثة" ولم تُذكر في مناسبة أو احتفال. وبات الخطر، الآن، أن يتحول المواطنون البسطاء إلى "علماء" ينظّرون، ولا يلتفتون إلى أبسط حقوقهم.