فرضت الحكومة المصرية قيودًا تستهدف تقليص عدد المستفيدين من البطاقات التموينية، البالغ عددهم حوالي 70 مليون شخص، في خطوة جديدة لتخفيض الدعم تطبيقًا للاتفاق الذي أُبرم مع صندوق النقد الدولي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، للحصول على قرض تبلغ قيمته 12 مليار دولار.
القيود التي أقرّتها الحكومة من شأنها أن تزيد معاناة الأسر الفقيرة والمتوسّطة، خاصّة أنها تأتي عقب سلسلة من الإجراءات التي لم يهضم المواطنون آثارها السلبية بعد، كتعويم الجنيه وتخفيض دعم الوقود والكهرباء والمياه.
المحرومون من التموين
جاء على رأس القيود المفروضة، والتي ستطبق على البطاقات الجديدة، وضع حد أقصى بواقع 4 أفراد للأسرة الواحدة، أي أن الأسرة التي يزيد عدد أفرادها على 4 لن يحصل على الدعم التمويني منها سوى 4 أشخاص فقط، وهو قيد يبدو أنه قد فُرض بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي انتقد في أيّار/ مايو الماضي الزيادة السكانية.
وتشمل القيود أيضًا أن لا يزيد الحد الأقصى لدخل أصحاب المعاشات على 1200 جنيه (67.6 دولارًا) شهريًا، وللعاملين في الوظائف الحكومية والقطاع الخاص وقطاع الأعمال على 1500 جنيه (84.5 دولارًا) شهريًا، ولأصحاب العمالة المؤقتة والمهنيين والحرفيين والسائقين والعاطلين والحاصلين على مؤهلات دراسة عليا وما زالوا بدون عمل على 800 جنيه (45 دولارًا).
ونص القرار الحكومي على أن أصحاب الأمراض المزمنة وذوي الاحتياجات الخاصّة والأيتام يستحقون صدور بطاقة تموينية دون التقيّد بالحد الأقصى للدخل.
ووفق منطوق القرار يصبح كل ربّ أسرة يريد عمل بطاقة تموينية جديدة، ويزيد دخله عن 1500 جنيه إن كان عاملًا، أو 1200 جنيه إن كان متقاعدًا، أو 800 جنيه إن كان من أصحاب المهن، وليس ضمن الفئات المستثناة، مطرودًا من "رحمة" الحكومة ومحروما من التموين.
خطوة إلى الخلف
قبل 7 أعوام تقريبًا، وتحديدًا في أواخر العام 2010، قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري بإلزام الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه في الشهر، وهو راتب رأت هيئة المحكمة -في ذلك الوقت- أنه يكفل الحد الأدنى للمعيشة الكريمة.
كان سعر الدولار مقابل الجنيه في ذلك لحين حوالي 5.5 جنيهات مصرية، أي أن الـ1200 جنيه كانت تساوي 220 دولارًا تقريبًا. الآن وبعد موجات التضخم المتتالية ووصول سعر الدولار إلى 18 جنيه مصري، مازالت الحكومة تعتبر أن الأجر الذي يزيد على 1200/ 1500 جنيه هو أجر كافٍ لأن تعيش به أسرة حياة كريمة وأن لا تحتاج إلى دعم تمويني.
لا يعلم أحد على وجه التحديد على أي أساس تم اعتبار هذه القيود قيودًا عادلة، فحتى إذا تمت الحسابات وفقًا لخط الفقر الذي حدّده البنك الدولي والبالغ 1.9 دولار للفرد الواحد يوميًا، أي 1000 جنيه للمواطن المصري الواحد شهريًا، فإن المتوسط الشهري لاحتياجات أسرة مصرية مكوّنة من 4 أفراد لتتجاوز خط الفقر العالمي لا يقل بحال من الأحوال عن 4 آلاف جنيه.
لا أحد يدري أيضًا سرّ التفريق بين المواطنين ووضع ثلاث شرائح مختلفة للمستحقين للدعم التمويني. فهل من المنطقي أن يكون دخل رب الأسرة المتقاعد المستحق للبطاقة، أقل من دخل رب الأسرة العامل، رغم أن كبار السن يحتاجون عادة إلى رعاية صحيّة أكبر بما تستلزمه من نفقات؟
وهل من المنطقي أن يتم وضع 800 جنيه كحد أقصى لراتب الحرفي أو المهني المستحق للدعم التمويني، رغم أنه من المعروف أن المنتمين إلى هذه الفئات لا يعملون بشكل دائم وأغلبهم لا يمتلك تأمينًا صحيًا أو اجتماعيًا؟