لم تتحقق آمال الإيرانيين بعد أكثر من عامين على الاتفاق النووي مع الغرب بالحصول على وظائف. البطالة ما زالت مهيمنة
قبل عامين، عندما توصلت إيران إلى الاتفاق النووي مع الغرب، تصاعدت آمال المواطنين بتحسن أوضاعهم المعيشية تبعاً لإلغاء العقوبات الاقتصادية على البلاد، على الأقل من خلال الحصول على فرص عمل، وإنهاء أزمة البطالة المزمنة. لكن، لا شيء تغير، فالبطالة ما زالت العنوان الأول لمشاكل المجتمع الإيراني، خصوصاً فئة الشباب الخريجين.
يتفق الجميع على أنّ فرص العمل غير متوفرة، وإن أتيحت فلن تكون مناسبة، وهذا ما يؤكد عليه الشاب أمير علي، وهو خريج من كلية العلوم البيئية، ويعمل سائق أجرة في فترات بعد الظهر، بينما يمضي صباحه باحثاً عن عمل في إحدى المؤسسات. لم يجد حتى اليوم ما يناسب تخصصه، وقرر أن يعمل موظفاً في أيّ مكان حتى لو لم يكن يتناسب ذلك مع طموحه، إلاّ أنّه لم يحصل على فرصة أيضاً، والأهم أنّ المستحقات المالية التي عرضت عليه في إحدى المرات كانت متدنية للغاية.
مشكلة تدركها كلّ من سيلا وصديقتها نغار، كلاهما تدرسان الماجستير، وما زالتا تحصلان على مصروفيهما من الأهل. تعملان اليوم في طباعة مشاريع التخرج لطلاب آخرين، في محاولة لتحسين وضعهما، تقولان إنّهما حصلتا على البكالوريوس قبل عامين، ولا فرص عمل. تضيف نغار أنّها تركت قريتها في محافظة خراسان رضوي لتدرس في طهران، أملاً بالعثور على عمل مناسب، لكنّ هذا لم يحدث.
القصص كثيرة، والروايات الرسمية برمتها، تعترف أنّ البطالة معضلة صعبة، مع أنّ الرئيس حسن روحاني تحدث في وقت سابق عن تحقيق شعاره الانتخابي تدريجياً وهو المتعلق بإيجاد فرص عمل جديدة، وأكد أنّه أمّن بضعة آلاف منها، بينما ينفي آخرون الأمر.
اقــرأ أيضاً
نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، نفسه وصف البطالة بالمشكلة الصعبة، وقال مؤخراً إنّ كلّ عائلة إيرانية تضم ثلاثة أفراد بلا وظائف، مؤكداً على أنّ إجمالي عدد العاطلين من العمل يبلغ ثلاثة ملايين شخص، ومن هؤلاء من يحملون شهادات الماجستير والدكتوراه، فقد ازداد عدد هؤلاء بالذات أربعة أضعاف خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بحسب تأكيده. لكنّ البعض يعتبر أنّ العدد الذي تحدث عنه جهانغيري ليس دقيقاً، وبأنّ الرقم الحقيقي يتجاوز أربعة ملايين شخص.
في الحديث عن أسباب بطالة الخريجين، تشير مواقع إلى أنّ الأمر يتعلق بزيادة أعداد الخريجين أساساً وارتفاع نسبة الفئة الشابة في الهرم السكاني، فضلاً عن غياب التوازن بين احتياجات سوق العمل وعدد الباحثين عن وظائف. وقد نقل موقع "تسنيم" أنّ نسبة الخريجين من بين العاطلين من العمل قد ارتفعت بالفعل، إذ كانت عام 2001 تبلغ 10 في المائة، لكنّها وصلت قبل عامين إلى أكثر من 41 في المائة.
يقول أستاذ العلوم الاجتماعية، الدكتور مجيد أبهري، إنّ البطالة سبب ونتيجة لمشاكل ثانية في إيران، واصفاً إياها بالآفة الاجتماعية، التي تؤدي إلى إفرازات أخرى. ويؤكد أنّ الشهادات الأكاديمية لا تتناسب والفرص، ولا حتى مع عددها الحقيقي، بسبب الوضع الاقتصادي بشكل رئيسي، وبسبب اكتفاء المؤسسات الحكومية والخاصة بعدد موظفيها في الوقت الراهن وهو ما يرتبط بالركود الاقتصادي. وفي حديثه إلى "العربي الجديد" يضيف أبهري أنّ الخريجين هم من يدفعون الثمن الأكبر، وهو ما بدأ بالتأثير سلباً على جيل جديد، بات يعتقد أن لا فائدة من التحصيل الجامعي، طالما أنّه لا ينتهي بفرصة عمل مناسبة وذات مستحقات جيدة.
في الوقت نفسه، تزيد البطالة في إيران من نسبة هجرة العقول إلى الخارج، والتي ترتبط بالنخبة العلمية والحاصلين على شهادات أكاديمية متقدمة، فيتراوح عدد هؤلاء بين 150 ألفاً و180 ألفاً سنوياً، 5 في المائة منهم فقط يعودون إلى البلاد لاحقاً. يضيف أبهري أنّ البطالة تسبب كذلك خوفاً لدى الشباب يؤدي إلى عزوفهم عن الزواج، وهو ما يعني تأخر سن الزواج، وارتفاع نسب الطلاق، وترتب المزيد من الديون على الأهل في بعض العائلات ممن يقررون مساعدة أبنائهم لبدء حياة شراكة مناسبة.
يشير أبهري إلى مسألة أخرى يبرز فيها تعاظم الأزمة وهي بطالة سكان القرى والأرياف، التي باتت أعلى. يتابع أنّ بطالة سكانها تؤدي إلى هجرتهم نحو المدن، وهو ما يؤدي إلى مشاكل في المكانين على حد سواء. وكان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت، قد قال في مؤتمر صحافي إنّ نسبة البطالة لدى فئة الشباب (15- 29 عاماً) قد ارتفعت من 18.8 في المائة إلى 22 في المائة مؤخراً. وأوضح أنّ عدد سكان الأرياف في إيران كان يبلغ قبل ستة أعوام 21 مليوناً و700 ألف نسمة، ليتدنى العام الماضي إلى 20 مليوناً و466 ألف نسمة.
من ناحيته، يذكر المتخصص الاجتماعي أمان قرايي مقدم أنّ إفرازات البطالة لا تتوقف عند خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية متعددة، بل تؤدي أيضاً إلى زيادة الشرخ الطبقي بين فئات المجتمع، فالأوضاع الراهنة تنعكس بشكل رئيسي على الطبقة الوسطى، التي بدأت بالانحسار شيئاً فشيئاً، وهو ما يزيد من معدلات الفقر. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ تراجع الوضع في الأرياف ينعكس على الحياة هناك بشكل عام، وهو ما سيؤثر على الوضع في كلّ إيران مستقبلاً. يشدد على أنّ من واجب الحكومة تحريك الاقتصاد بما يزيد من فرص العمل، عبر الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي عانت الركود سابقاً وواجهت مشكلة ارتفاع عدد السكان.
اقــرأ أيضاً
قبل عامين، عندما توصلت إيران إلى الاتفاق النووي مع الغرب، تصاعدت آمال المواطنين بتحسن أوضاعهم المعيشية تبعاً لإلغاء العقوبات الاقتصادية على البلاد، على الأقل من خلال الحصول على فرص عمل، وإنهاء أزمة البطالة المزمنة. لكن، لا شيء تغير، فالبطالة ما زالت العنوان الأول لمشاكل المجتمع الإيراني، خصوصاً فئة الشباب الخريجين.
يتفق الجميع على أنّ فرص العمل غير متوفرة، وإن أتيحت فلن تكون مناسبة، وهذا ما يؤكد عليه الشاب أمير علي، وهو خريج من كلية العلوم البيئية، ويعمل سائق أجرة في فترات بعد الظهر، بينما يمضي صباحه باحثاً عن عمل في إحدى المؤسسات. لم يجد حتى اليوم ما يناسب تخصصه، وقرر أن يعمل موظفاً في أيّ مكان حتى لو لم يكن يتناسب ذلك مع طموحه، إلاّ أنّه لم يحصل على فرصة أيضاً، والأهم أنّ المستحقات المالية التي عرضت عليه في إحدى المرات كانت متدنية للغاية.
مشكلة تدركها كلّ من سيلا وصديقتها نغار، كلاهما تدرسان الماجستير، وما زالتا تحصلان على مصروفيهما من الأهل. تعملان اليوم في طباعة مشاريع التخرج لطلاب آخرين، في محاولة لتحسين وضعهما، تقولان إنّهما حصلتا على البكالوريوس قبل عامين، ولا فرص عمل. تضيف نغار أنّها تركت قريتها في محافظة خراسان رضوي لتدرس في طهران، أملاً بالعثور على عمل مناسب، لكنّ هذا لم يحدث.
القصص كثيرة، والروايات الرسمية برمتها، تعترف أنّ البطالة معضلة صعبة، مع أنّ الرئيس حسن روحاني تحدث في وقت سابق عن تحقيق شعاره الانتخابي تدريجياً وهو المتعلق بإيجاد فرص عمل جديدة، وأكد أنّه أمّن بضعة آلاف منها، بينما ينفي آخرون الأمر.
في الحديث عن أسباب بطالة الخريجين، تشير مواقع إلى أنّ الأمر يتعلق بزيادة أعداد الخريجين أساساً وارتفاع نسبة الفئة الشابة في الهرم السكاني، فضلاً عن غياب التوازن بين احتياجات سوق العمل وعدد الباحثين عن وظائف. وقد نقل موقع "تسنيم" أنّ نسبة الخريجين من بين العاطلين من العمل قد ارتفعت بالفعل، إذ كانت عام 2001 تبلغ 10 في المائة، لكنّها وصلت قبل عامين إلى أكثر من 41 في المائة.
يقول أستاذ العلوم الاجتماعية، الدكتور مجيد أبهري، إنّ البطالة سبب ونتيجة لمشاكل ثانية في إيران، واصفاً إياها بالآفة الاجتماعية، التي تؤدي إلى إفرازات أخرى. ويؤكد أنّ الشهادات الأكاديمية لا تتناسب والفرص، ولا حتى مع عددها الحقيقي، بسبب الوضع الاقتصادي بشكل رئيسي، وبسبب اكتفاء المؤسسات الحكومية والخاصة بعدد موظفيها في الوقت الراهن وهو ما يرتبط بالركود الاقتصادي. وفي حديثه إلى "العربي الجديد" يضيف أبهري أنّ الخريجين هم من يدفعون الثمن الأكبر، وهو ما بدأ بالتأثير سلباً على جيل جديد، بات يعتقد أن لا فائدة من التحصيل الجامعي، طالما أنّه لا ينتهي بفرصة عمل مناسبة وذات مستحقات جيدة.
في الوقت نفسه، تزيد البطالة في إيران من نسبة هجرة العقول إلى الخارج، والتي ترتبط بالنخبة العلمية والحاصلين على شهادات أكاديمية متقدمة، فيتراوح عدد هؤلاء بين 150 ألفاً و180 ألفاً سنوياً، 5 في المائة منهم فقط يعودون إلى البلاد لاحقاً. يضيف أبهري أنّ البطالة تسبب كذلك خوفاً لدى الشباب يؤدي إلى عزوفهم عن الزواج، وهو ما يعني تأخر سن الزواج، وارتفاع نسب الطلاق، وترتب المزيد من الديون على الأهل في بعض العائلات ممن يقررون مساعدة أبنائهم لبدء حياة شراكة مناسبة.
يشير أبهري إلى مسألة أخرى يبرز فيها تعاظم الأزمة وهي بطالة سكان القرى والأرياف، التي باتت أعلى. يتابع أنّ بطالة سكانها تؤدي إلى هجرتهم نحو المدن، وهو ما يؤدي إلى مشاكل في المكانين على حد سواء. وكان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت، قد قال في مؤتمر صحافي إنّ نسبة البطالة لدى فئة الشباب (15- 29 عاماً) قد ارتفعت من 18.8 في المائة إلى 22 في المائة مؤخراً. وأوضح أنّ عدد سكان الأرياف في إيران كان يبلغ قبل ستة أعوام 21 مليوناً و700 ألف نسمة، ليتدنى العام الماضي إلى 20 مليوناً و466 ألف نسمة.
من ناحيته، يذكر المتخصص الاجتماعي أمان قرايي مقدم أنّ إفرازات البطالة لا تتوقف عند خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية متعددة، بل تؤدي أيضاً إلى زيادة الشرخ الطبقي بين فئات المجتمع، فالأوضاع الراهنة تنعكس بشكل رئيسي على الطبقة الوسطى، التي بدأت بالانحسار شيئاً فشيئاً، وهو ما يزيد من معدلات الفقر. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ تراجع الوضع في الأرياف ينعكس على الحياة هناك بشكل عام، وهو ما سيؤثر على الوضع في كلّ إيران مستقبلاً. يشدد على أنّ من واجب الحكومة تحريك الاقتصاد بما يزيد من فرص العمل، عبر الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي عانت الركود سابقاً وواجهت مشكلة ارتفاع عدد السكان.