في الوقت الذي ينصب فيه اهتمام العالم على الاستفحال السريع لعدوى زيكا الفيروسية في الأميركيتين، يحذر الخبراء من أن الفيروس الذي خرج من القارة الأفريقية واحد من بين عدد متزايد من الأمراض التي ينقلها البعوض ويفتك بقطاعات كبيرة من البشر.
وإذا كانت المعركة ضد الحشرات تنشط في شوارع البرازيل الآن، إلا أن علماء يوثقون أن جحافل البعوض تهاجم الآن بأعداد متزايدة من العاصمة الأميركية واشنطن وحتى ستراسبورغ بفرنسا؛ ما ينفي الاعتقاد السائد بأن الأمراض التي ينقلها لا تزال تقتصر على المناطق المدارية الحارة.
ومدّ البشر البساط الأحمر لهذه الجيوش الغازية من خلال تهيئة الظروف الملائمة لانتشارها. فأنواع بعوضة (إيديس إيجبتاي) التي تنقل فيروس زيكا تنمو في إطارات السيارات وفي علب الصفيح وأوعية أكل الكلاب وفي أواني الزهور الموضوعة في الهواء الطلق، في حين تَبْرَع إناث البعوض في نشر الأمراض إذ تلدغ الشخص عدة مرات كي تأخذ كفايتها من البروتين الموجود في دم الإنسان، والذي تحتاج إليه لوضع بيضها.
وفي شتى أرجاء العالم تتسارع خطى البعوض الناقل للأمراض الفيروسية، ومنها حمى الضنك وعدوى زيكا وفيروس تشيكونجونيا والحمى الشوكية والالتهاب السحائي.
وفي عام 2014 استفحلت عدوى تشيكونجونيا -التي تسبب حمى وآلام المفاصل- في منطقة الكاريبي، وانتشر الفيروس نفسه بين الإيطاليين عام 2007.
اقرأ أيضاً: منظمة الصحة العالمية: الملاريا تتراجع في أفريقيا
وشهدت أوروبا عودة الملاريا للظهور في اليونان للمرة الأولى منذ عقود، فضلاً عن حمى غرب النيل في المناطق الشرقية من القارة. وفي منطقة الأطلسي أعلن أرخبيل مادييرا عن اكتشاف أكثر من ألفي إصابة بحمى الضنك عام 2012 في مؤشر على الزحف شمالاً.
وخلال الأعوام الأربعين الماضية غزت نحو خمسة أنواع جديدة من البعوض أوروبا منذ عام 1990، وجاءت في الأغلب عبر التجارة الدولية لإطارات السيارات المستعملة حيث يضع البعوض بيضه.
يعتقد العلماء أن بعوضتي "ايديس إيجيبتاي" و"كيولكس كوينكيفاسياتوس" ربما تكونان قد وصلتا للمرة الأولى إلى الأميركيتين من أفريقيا على السفن التي كانت تنقل العبيد، وما أعقبها من تجارة على مدى قرون، كما أسهمت حركة النقل الجوي في تعريض الملايين لأمراض جديدة.
وزاد الأمر سوءاً اقتحام البشر لغابات المناطق الحارة، فقطع الغابات في ماليزيا مثلاُ سبب زيادة هائلة بحالات الملاريا بين البشر لا توجد إلا لدى القردة.
ورغم ناموسيات الأَسَرَّة المعالجة بالمبيدات الحشرية، واللقاحات المضادة للفيروسات مثل الحمى الصفراء والحمى الشوكية اليابانية، علاوة على علاج جديد ضد حمى الضنك ووفق عليه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلا أن مؤسسة بيل ومليندا غيتس تقول إن البعوض لا يزال يقتل نحو 725 ألف شخص سنوياً ومعظم الوفيات بسبب الملاريا.
الإجراءات المشددة خلال فترة خمسينات وستينات القرن الماضي، واستخدام المبيد الحشري (دي دي تي) قد قضت يقيناً على البعوض لفترة ما. واليوم يجري البحث عن أساليب أخرى منها التعديل الجيني والإشعاع والبكتريا التي تستهدف البعوض دون غيره.
إلا أن محاولة استئصال أنواع البعوض جميعها لا معنى لها لأن هناك 3549 نوعاً من البعوض في حين أن أقل من 200 منها هي التي تلدغ الإنسان.
اقرأ أيضاً: الفقراء أكثر عرضة لخطر فيروس "زيكا"