بعدما اشتريت سيارة، اكتشفت ان التاكسي أجمل بكثير في المواصلات، خاصة عند الذهاب إلى العمل، التاكسي حكواتي متنقل، دائما ما يكون سائق الأجرة هو البطل، وكأنه أحمد السقا بطل الأفلام المصرية الشهير..الذي لا يهزم ولا يموت!
في كل العالم يتجه سائق الأجرة بحسب طلب الزبون، إلا في لبنان، فهو يجبرك على الركوب، وفي طبيعة الحال فقد تمر بخمس أو ست مناطق على الأقل، وذلك بسبب منهج سيارة الأجرة في بلادنا، إذ يؤخذ الزبون بحسب مزاجية السائق... بالإضافة إلا أنه يمكن أن يقف فجأة في وسط الطريق ليشتري الخضرة أو ليشرب فنجان قهوة... هذا إن لم نذكر القصص البطولية التي يكرر روايتها.
فهو يتقن "المسايرة "، مثل حكواتي من الطراز الأوّل. مرّة قفز من مبنى إلى مبنى لينقذ طفلاً من حريق، ومرّة استطاع أن يجذب امرأة فائقة الجمال بغمزة واحدة. منهم من كانوا أبطال في الحروب الأهلية، وما زالوا يتفاخرون بماضيهم. إنْ حدثته بالدين أجابك، وبالسياسة يسرح ويمرح، حتى أنه يستطيع إتقان اللكنات واللهجات وليس فقط اللغات: إنجليزي، فرنسي، إيطالي، إسباني، ألماني.... وكما يقول المثل اللبناني "وين ما بتزتو بييجي واقف". وفي كل تاكسي قصة.
أما في السيارة الخاصة فلا توجد قصص، ليس هناك سوى أقراص مدمجة لفنانين نحبهم، لكننا نستمع إليهم لوحدنا دون إثارة ولا تشويق. ففي التاكسي يدندن السائق أغاني أم كلثوم، يبصق ويسعل، يمسح عرقه بمنشفة متسخة، يقطع الإشارة الحمراء، يصرخ ويشتم كل من حوله، التاكسي عصبي، لكنه يحب المزاح ويضحك، ودائما لديه قصص. وكأنه مخرج سينمائي، الفرق الوحيد أنه يجلس خلف مقود ولا يجلس خلف كاميرا.
أحد سائقي سيارات الأجرة قال لي: "يا ليتهم يعطوني وزارة الداخلية والبلديات، لكنت نظمت الطرقات وجعلت بيروت أفضل من ألمانيا! أنا كنت في ألمانيا أفهم طريقة السير الأوروبية، لا أريد شيئا. أريد فقط 3 ملايين دولار ومنصب وزاري فقط لا غير". من الواضح أن هذا السائق قنوع وراض عن نفسه!
سائق آخر أتحفني بنظريته: "الصحافة طق حنك، أنا أستطيع ان أكون صحافي، لكن الصحافي لا يستطيع أن يصبح سائق أجرة، فهو لا يعرف الزواريب، ولا يملك سرعة بديهة في حال توقف على حاجز أمني أو تعطل بسبب ازدحام".
أما السائق الستينيّ صاحب الخبرة الطويلة، فيقول: "دخيل إجريكي يا أم كلثوم"، "آخ من جيل الهامبرغر"، "الزبائن بطّلوا عم يحكونا بالسيارة، رؤوسهم في الواتس آب دائماً".