بعد عقود من الجهد والخبرة المتراكمة، ظنّ روجيه زخور الذي يمتلك معملاً ناجحاً لصناعة الشوكولا (الشوكولاتة)، أنه سيتركه إرثاً قيّماً لإبنته، لكنه وجد نفسه فجأة وسط انهيار اقتصادي متسارع يجتاح لبنان.
بدلاً من أن يجني الأرباح في فترة عيد الميلاد، كما في كل عام، ينهمك زخور وابنته هذه الأيام بتخفيض أسعار كعك العيد المصنوع من المثلجات، ويشتهر به معملهم.
ويقول زخور في متجره الصغير ومن حوله أنواع مختلفة من قطع الشوكولا المزينة، إنه "إذا بقي الوضع على حاله، فسأفلس خلال أشهر".
وبدأ زخور في فترة التسعينيات بصناعة الشوكولا ثم المثلجات. طوال سنوات، كان يحسّن تدريجاً من وصفاته، إلى أن بات مقصداً لأفخم الفنادق اللبنانية والزبائن الميسورين.
وعمد أخيراً إلى إنشاء معمل جديد، لكن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان تبدو وكأنها "ضربة شبه قاضية" بالنسبة إليه، كما يقول. ويضيف: "نتجه نحو مكان لم نكن نتخيل يوماً أن نصل إليه".
قبل الأزمة، كان زخور يرسل إلى الفنادق طلبين أو أكثر أسبوعياً، بكميات كبيرة، إلا أنه منذ شهرين لم يرسل سوى طلبية واحدة إلى كل فندق. كذلك، لم يعد الزبائن الذين اعتادوا زيارة المحل يقصدونه إلا في ما ندر، وبات يومه يمر ببطء، فيما يدخل أول زبون إلى المتجر بعد أن يكون قد انقضى أكثر من نصف النهار.
وفي بلد يعتمد على الاستيراد أساساً، ومع عدم توافر الدولار، وظهور سوق موازٍ لسعر الصرف، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية، وخصوصاً المستوردة، بنحو حاد.
ويستورد زخور كل المكونات التي يحتاجها في عمله من الخارج، ويدفع سعرها بالدولار أو اليورو. أما اليوم، نتيجة إجراءات المصارف المشددة على سحب الأموال، فلم يعد بإمكانه تأمين العملة الأجنبية لدفع مستحقاته، ويقول: "حين تنفد المكونات المطلوبة لصناعة أحد الأصناف، ينتهي الأمر" دون تجديده.
على غرار زخور، يعاني لبنانيون كثر من انهيار الوضع المالي والاقتصادي، ومنهم من اضطر إلى إغلاق مصدر رزقه، ومنهم من تعرّض للصرف من عمله. وقد تقدمت عشرات الشركات لوزارة العمل بطلبات صرف جماعي.
اقــرأ أيضاً
صنع في لبنان
إزاء هذا التدهور، فكّرت معلمة الحضانة ليا كريدي وعائلتها بحلّ، وتقدمت بمبادرة تقضي بالترويج للمنتجات اللبنانية.
وأطلقت العائلة حملة على موقع "فيسبوك" بعنوان "صنع في لبنان - نبض لبنان صناعته" لمساعدة المنتجين المحليين على الترويج لبضائعهم، التي استقطبت خلال شهرين نحو 32 ألف عضو، يعرض كثر منهم منتجات مصنعة محلياً أو حتى منزلياً، ويسأل آخرون عن بضائع محلية بديلة لمنتجات معينة كانوا يشترون عادة المستورد منها.
وتقول كريدي: "كنا معتادين إذا ذهبنا إلى السوق أن نشتري من دون أن ننظر ما إذا كان المنتج صنع في لبنان أو لا".
وخلال جلسة عائلية، اتفقت مع أقربائها على الذهاب إلى السوق للبحث عن البضائع المصنعة في لبنان، من مستلزمات تنظيف منزلية إلى الشامبو وزبدة الفستق والكاتشاب وحتى ألعاب الأطفال، مضيفة: "تفاجأت بكمية البضائع التي لم نكن نعرف عنها".
وبدلاً من الذهاب إلى السوبرماركت (السوق) الضخمة للتبضع، باتت كريدي تفضل محل البقالة الصغير في بلدتها الواقعة شمال بيروت، واكتفت كريدي وأقرباؤها في عيد الميلاد الحالي، ونتيجة الأزمة، بشراء الهدايا لأطفال العائلة فقط وجميعها صُنعت في لبنان.
على خط آخر، وجد راني الحج (43 عاماً) نفسه مضطراً إلى التأقلم مع الواقع الجديد في الحانة الصغيرة التي يديرها، حيث عمد إلى التقليل من استخدام المشروبات الروحية المستوردة الغالية الثمن حتى لا يضطر إلى رفع الأسعار.
وعمد الحج وأصحاب الحانة إلى البحث عن بضائع بديلة مصنعة محلياً، مضيفاً: "لا يمكننا أن نستبدل كل شيء، لكن يمكن أن نعيد الحياة إلى المنتج اللبناني أكثر ونشجع على استهلاكه".
بالنسبة إلى آخرين، لا يمكن اختصار الوضع باستبدال منتجات بأخرى، فالوضع الاقتصادي صعب والأعباء المعيشية تتفاقم.
في متجر ببيروت، تتنقل مريم رباح (35 عاماً) من ممّر إلى آخر. تنظر بتمعّن إلى أسعار المنتجات التي ارتفعت بنحو حاد لشراء ما يلزمها من دون أن تضطر إلى إنفاق الكثير.
وتقول: "كل شيء بات أغلى، فيما انخفضت رواتبنا إلى النصف". وتضيف: "ما يهمنا اليوم أن نشتري منتجاً جيداً ورخيصاً، إن كان مستورداً أو لبنانياً".
(فرانس برس)
بدلاً من أن يجني الأرباح في فترة عيد الميلاد، كما في كل عام، ينهمك زخور وابنته هذه الأيام بتخفيض أسعار كعك العيد المصنوع من المثلجات، ويشتهر به معملهم.
ويقول زخور في متجره الصغير ومن حوله أنواع مختلفة من قطع الشوكولا المزينة، إنه "إذا بقي الوضع على حاله، فسأفلس خلال أشهر".
وبدأ زخور في فترة التسعينيات بصناعة الشوكولا ثم المثلجات. طوال سنوات، كان يحسّن تدريجاً من وصفاته، إلى أن بات مقصداً لأفخم الفنادق اللبنانية والزبائن الميسورين.
وعمد أخيراً إلى إنشاء معمل جديد، لكن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان تبدو وكأنها "ضربة شبه قاضية" بالنسبة إليه، كما يقول. ويضيف: "نتجه نحو مكان لم نكن نتخيل يوماً أن نصل إليه".
قبل الأزمة، كان زخور يرسل إلى الفنادق طلبين أو أكثر أسبوعياً، بكميات كبيرة، إلا أنه منذ شهرين لم يرسل سوى طلبية واحدة إلى كل فندق. كذلك، لم يعد الزبائن الذين اعتادوا زيارة المحل يقصدونه إلا في ما ندر، وبات يومه يمر ببطء، فيما يدخل أول زبون إلى المتجر بعد أن يكون قد انقضى أكثر من نصف النهار.
وفي بلد يعتمد على الاستيراد أساساً، ومع عدم توافر الدولار، وظهور سوق موازٍ لسعر الصرف، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية، وخصوصاً المستوردة، بنحو حاد.
ويستورد زخور كل المكونات التي يحتاجها في عمله من الخارج، ويدفع سعرها بالدولار أو اليورو. أما اليوم، نتيجة إجراءات المصارف المشددة على سحب الأموال، فلم يعد بإمكانه تأمين العملة الأجنبية لدفع مستحقاته، ويقول: "حين تنفد المكونات المطلوبة لصناعة أحد الأصناف، ينتهي الأمر" دون تجديده.
على غرار زخور، يعاني لبنانيون كثر من انهيار الوضع المالي والاقتصادي، ومنهم من اضطر إلى إغلاق مصدر رزقه، ومنهم من تعرّض للصرف من عمله. وقد تقدمت عشرات الشركات لوزارة العمل بطلبات صرف جماعي.
صنع في لبنان
وأطلقت العائلة حملة على موقع "فيسبوك" بعنوان "صنع في لبنان - نبض لبنان صناعته" لمساعدة المنتجين المحليين على الترويج لبضائعهم، التي استقطبت خلال شهرين نحو 32 ألف عضو، يعرض كثر منهم منتجات مصنعة محلياً أو حتى منزلياً، ويسأل آخرون عن بضائع محلية بديلة لمنتجات معينة كانوا يشترون عادة المستورد منها.
وتقول كريدي: "كنا معتادين إذا ذهبنا إلى السوق أن نشتري من دون أن ننظر ما إذا كان المنتج صنع في لبنان أو لا".
وخلال جلسة عائلية، اتفقت مع أقربائها على الذهاب إلى السوق للبحث عن البضائع المصنعة في لبنان، من مستلزمات تنظيف منزلية إلى الشامبو وزبدة الفستق والكاتشاب وحتى ألعاب الأطفال، مضيفة: "تفاجأت بكمية البضائع التي لم نكن نعرف عنها".
وبدلاً من الذهاب إلى السوبرماركت (السوق) الضخمة للتبضع، باتت كريدي تفضل محل البقالة الصغير في بلدتها الواقعة شمال بيروت، واكتفت كريدي وأقرباؤها في عيد الميلاد الحالي، ونتيجة الأزمة، بشراء الهدايا لأطفال العائلة فقط وجميعها صُنعت في لبنان.
على خط آخر، وجد راني الحج (43 عاماً) نفسه مضطراً إلى التأقلم مع الواقع الجديد في الحانة الصغيرة التي يديرها، حيث عمد إلى التقليل من استخدام المشروبات الروحية المستوردة الغالية الثمن حتى لا يضطر إلى رفع الأسعار.
وعمد الحج وأصحاب الحانة إلى البحث عن بضائع بديلة مصنعة محلياً، مضيفاً: "لا يمكننا أن نستبدل كل شيء، لكن يمكن أن نعيد الحياة إلى المنتج اللبناني أكثر ونشجع على استهلاكه".
بالنسبة إلى آخرين، لا يمكن اختصار الوضع باستبدال منتجات بأخرى، فالوضع الاقتصادي صعب والأعباء المعيشية تتفاقم.
في متجر ببيروت، تتنقل مريم رباح (35 عاماً) من ممّر إلى آخر. تنظر بتمعّن إلى أسعار المنتجات التي ارتفعت بنحو حاد لشراء ما يلزمها من دون أن تضطر إلى إنفاق الكثير.
وتقول: "كل شيء بات أغلى، فيما انخفضت رواتبنا إلى النصف". وتضيف: "ما يهمنا اليوم أن نشتري منتجاً جيداً ورخيصاً، إن كان مستورداً أو لبنانياً".
(فرانس برس)