يبدو أن تحديات أمنية وعسكرية كثيرة تدفع السويد إلى العودة لنظام الخدمة العسكرية، الذي جرى تعليق العمل به في يوليو/تموز 2010 بعد 100 عام من الخدمة الإجبارية.
وطيلة السنوات المئة ظلت السويد تعمل بنظام الخدمة الإجبارية لمدة 11 شهرا، ثم استعاضت عنه بالتطوع 3 أشهر بتدريب أساسي ضمن وحدات عسكرية تتيح للمتطوع بعدها الالتحاق بدراسة أشمل لاحقاً. وبلغ عدد المتطوعين وسطياً خلال السنوات الست الماضية 2500 شخص سنويا؛ وتلك أعداد كبيرة ازدادت مع 2014 وبات عشرات آلاف السويديين بمثابة رديف لجيش بلادهم، بعد الشعور بالخطر الروسي يقترب منهم، بيد أن الحاجة أكبر من ذلك، بحسب وزارة الدفاع في استوكهولم.
القرار السويدي الجديد الذي عبّر وزير الدفاع بيتر هولتكفيست عن الحاجة إليه، يستند إلى "حاجة الدفاع السويدي إلى المزيد من الأفراد". ووفقاً لهولتكفيست، فإنه يأمل مع العام المقبل "أن يصبح هناك تنفيذ للخدمة الإجبارية من خلال موازنات حكومية، سعياً لإيجاد الأفراد القادرين والمتمكنين من الدفاع عن السويد".
كما يأتي ذلك بعد توصيات "لجنة مختصة بالتجنيد الإجباري"، وفقا لوكالة أنباء السويد "تي تي"، وترجيحات السويد بأن يجري انضمام 4 آلاف فرد إلى الخدمة العسكرية سنوياً في المتوسط.
يعترف الساسة والعسكريون السويديون بأن "خطأ قد ارتكب بتعليق الخدمة الإجبارية"، وسيشمل القرار الجديد كل من ولد في 1999 و2000، والخدمة العسكرية السويدية تشمل الشبان والشابات على حد سواء.
وفي حال تم تمرير القرار في البرلمان السويدي هذا العام، فستكون عملية الالتحاق والفحص العسكري جاهزة في يوليو/تموز المقبل. ولا يحتاج تمرير المقترح/ التوصية إلى أغلبية برلمانية، باعتبار أن الخدمة الإلزامية جرى "تعليقها" في عام 2010 ولم تلغ. وتؤيد أحزاب عدة، منها الديمقراطيون المسيحيون والليبراليون (حزب الشعب) إعادة تطبيق الخدمة بعد أن وقفا خلف تعليقها عام 2010، وبناء عليه تأمل استوكهولم باتخاذ قرار عاجل بسريان مقترح اللجنة الحكومية.
وعن أسباب العودة إلى هذا النظام العسكري، لا يخفي السياسيون والأمنيون السويديون ارتباطها بـ"تزايد التهديدات الروسية" في السنوات الأخيرة. ويربط هؤلاء زيادة التوجه العسكري للسويد، وهي المملكة التي بقيت تمارس سياسة الحياد لمئتي عام، ولم يدخلها النازيون، أسوة بالدنمارك والنرويج الإسكندنافيتين، بما يسمونه: "سباق تسلح روسي" ملحوظ في المناطق القريبة من غوتلاند، ومنها خليج العاصمة نفسه.
واختارت السويد منذ فترة، ولأول مرة منذ 10 سنوات، انتشاراً عسكرياً واسعاً ودائماً في غوتلاند عبر وحدات مدفعية "بجاهزية قتالية"، ويؤكد سياسيون وأمنيون في شرحهم لوسائل الإعلام السويدية بأن "التأزم والتشنج والتهديدات الروسية، أخذت أبعاداً خطيرة بعيد ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية".
وعلى الرغم من أن السويد ليست من بين أعضاء حلف شمال الأطلسي "ناتو"، إلا أن السنوات الأخيرة، وخصوصاً مع تحركات روسية خفية وعلنية بالقرب من المياه الإقليمية للسويد، دفعت الأخيرة لتوثيق تعاونها مع الناتو، ودخلت في مواثيق دفاعية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وجارتها فنلندا وفي تعاون أوثق مع الدولتين الإسكندنافيتين، النرويج والدنمارك؛ فمع كوبنهاغن منحت اتفاقية العام الماضي حرية كاملة لطيران البلدين العسكري بالتحليق والعمل في أجواء الدولتين دون العودة إلى موافقات مسبقة.
وبالرغم من النقاشات القائمة، منذ أمس الأحد، حول تأمين الموازنة المالية للعودة إلى نظام الخدمة العسكرية الإجبارية، فإن وزارة الدفاع تقدر بأنه في 2017 سيكون قد تم سحب 8000 شخص (بين سن 17 و18، إناثا وذكورا) ليتلقوا التدريبات العسكرية، جنبا إلى جنب مع 2000 متطوع خلال الأشهر الستة القادمة. وأبدى 6 آلاف شخص سويدي أخيراً رغبتهم بالتطوع في جيش بلادهم خلال الفترة القادمة، والأمر الأخير يرده كثيرون إلى "تلمس شعبي لمخاطر التهديد الروسي الذي جرى أيضاً نقله في وسائل الإعلام، وذهاب الروس نحو لغة مهددة حتى لاستوكهولم العاصمة، واحتلال أجزاء من السويد وتهديد بالسلاح الذري".
جدير بالذكر أن السويد بلد مصنّع للسلاح، وتتولى الصناعات الحربية السويدية تزويد جيشها بما يحتاجه، وقامت شركة "ساب" المعروفة بصناعة محركات السيارة التي تحمل الاسم ذاته منذ 1988 بتجربتها الأولى على طائرة "Saab JAS 39 Gripen - ساب غريبن 39" والتي استبدلت بها منذ 2013 طائرات أف 15 الأميركية، التي يرى عسكريون في الشمال بأنها متفوقة جدا في مجال الاعتراض والقصف بما يضاهي الطائرات الأميركية، هذا عدا عن الصناعات العسكرية الأخرى التي تصدرها استوكهولم عبر صفقات توافق عليها الحكومة بشروط متشددة منذ 1974.