04 نوفمبر 2024
التدخل الروسي.. "بزنس" الخاسرين
قد لا يكون التحرك الدبلوماسي الروسي المتعلق بالوضع في سورية، والسعي الظاهري إلى إيجاد حل للمسألة السورية، وخصوصاً منه استقبال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشار الأسد في الكرملين منذ أيام، والاجتماع الرباعي الذي عقد بعده بأيام في فيينا، وشاركت فيه روسيا وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية وتركيا للتباحث في إيجاد حل، سوى محاولة من موسكو للتعمية على الوضع القائم، وعلى حيثيات تدخلها في سورية ونتائجه الكارثية على صعيد إزهاق أرواح أبرياء عديدين، من أجل إدامة وجودها الذي ربما تكون دوافعه نوعاً من "البزنس" الجديد الذي تلجأ إليه موسكو، في ظل وضعها الاقتصادي المتدهور. فالجميع يعلم أن مبادرات سياسية كثيرة ومساعي إيجاد حلول لأزمات دولية قد أطلقت من أجل المحافظة على سلاسة سريان عملية أخرى على أرض الواقع، مماثلة لعمليات القصف التي بدأتها موسكو في سورية منذ حوالي الشهر، ولا تبدو لها نهاية في الأفق.
فإن كان تلفزيون روسيا اليوم، الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية، قد بكَّر في تتويج روسيا قطباً عالمياً جديداً بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، بعد الضربات الأولى التي وجهتها الطائرات الروسية للأراضي السورية، وراح ضحيتها عشرات المدنيين، وإن كان بطريرك موسكو وعموم روسيا قد بارك قبلها القوات الروسية في سورية، ورشَّ قساوسته الطائرات المقاتلة بالماء المقدس، معتبرين حربهم هناك مقدسة، فإن عنصراً ثالثاً هو الأساس، أو ربما يكون ثالث ثلاثي دوافع التدخل الروسي، وهو "البزنس" الروسي الجديد، تجارة السلاح والحروب، بعد خسارات ألحقها انخفاض أسعار النفط بالرأسمال المافيوي الروسي المتحكم بالبلاد. وربما هو الدافع الأكثر ترجيحاً، مع بروز عمليات تسويق قدرات الطائرات الروسية المشاركة في الغارات.
فالمخفي في النيات من وراء التدخل الروسي العسكري في سورية، عبر ضربات الطائرات الروسية التي بدأت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، هو الأكثر وضوحاً، وهو ما لم يستطع قادة الكرملين المثابرة على إخفائه، كونهم قد صرّحوا به غير مرة على وسائل الإعلام، وخلال خطاباتهم في مناسبات عديدة قبل تدخلهم وبعده. وأكد رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيديف، هذه الحقيقة، في حديثه لقناة روسيا-24 في 17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قال: "نحن لا نقاتل لصالح قادة محددين، وإنما ندافع عن مصالحنا القومية". ومصالح روسيا هنا هي، بكل بساطة، كانت في بيع السلاح بداية، ليتطور الأمر إلى حد المشاركة الفعلية في الحرب. وهو عمل يبدو أقرب إلى عملية استثمار في الحرب السورية، خصوصاً مع ما جرى الحديث عنه كثيراً من تمويل إيران مشتريات السلاح الروسية لصالح الجيش السوري، الأمر الذي يبدو أن المعنيين لم يجدوا غضاضة من تطوره، ليطاول تمويل ضربات الطيران الروسي أيضاً.
لم يستطع، أو ربما لم يُرد، ممثلو الرأسمال المافيوي الروسي بناء اقتصاد فعلي حاضر ومنافس على الصعيد الدولي، مستفيدين من القاعدة الاقتصادية الجبارة المتوفرة لهم، والتي ورثتها روسيا عن الاتحاد السوفياتي السابق. على الرغم من بيروقراطية جزء كبير من أشكال تلك القاعدة وذلك الاقتصاد الذي كان يمكنهم تجديده باستخدام أساليب الإدارة الحديثة وإدخال التقنية الحاسوبية إليه. بل آثروا الاعتماد على عوامل الربح السريع، كما الحال دائما مع حديثي النعمة، الأثرياء الجدد المتحكمين بهذا الاقتصاد، عبر اللجوء إلى الاستثمار الأمثل للنفط والغاز، وفي مرحلة لاحقة، إلى تجارة السلاح. وهو ما دعا إليه صراحة الرئيس فلاديمير بوتين العام الماضي، حين أكد على ضرورة زيادة مبيعات السلاح في ظل تدهور الاقتصاد، وهو ما سعى إليه شخصياً في زيارات كثيرة قام بها إلى عدد من الدول. إلى درجة وصل به الأمر للظهور بمظهر بائع سلاح، في مشهد كان مثيراً للنفور، وهو مشهد تقديمه لبندقية كلاشينكوف هدية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في التاسع من فبراير/شباط الماضي، في أثناء زيارته لمصر، في مسعى إلى الحصول على حصة من سوقها.
ولتأكيد حاجة روسيا إلى هذا الاستثمار، تكفي الإشارة إلى الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الروسي، بعد انخفاض أسعار النفط، والتي رجحت منظمة أوبك أن تصل إلى أكثر من مائة مليار دولار هذا العام. علاوة على الخسائر التي لحقته نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، بعد تدخلها في أوكرانيا، وضمها شبه جزيرة القرم. ومن هنا، كان شروع وسائل إعلام روسية بعمليات التسويق للأسلحة الروسية، عقب ضربات طيرانها في سورية، عبر كل الوسائل وفي مختلف اللغات، معتمدةً عرض مواصفاتها وإظهار مقارنات لها مع الأسلحة الغربية، وخصوصاً الأميركية منها.
وتذكِّر عملية التسويق والمقارنة هذه بتلك المتبعة لدى التسويق للسيارات، وخصوصاً الحديث منها عند إطلاقها في الأسواق، عبر إبراز مواصفاتها. مع فارق أنه غاب عن بال المسوقين أنهم يسوّقون آلة موت، وليس مركبة لخدمة البشر. كما غاب عن بالهم أنهم يسوّقون طائرات تستبيح سماءً تغيب عنها المضادات الأرضية، وهو عامل يحرمها إظهار خاصية القدرة على تجنب هذا الاستهداف. كما تجنبت أي تدخل إسرائيلي، ينغص عليها تفردها بالسماء السورية، بعد التفاهم الذي يتزايد، يوماً بعد يوم، عبر التنسيق المشترك الذي اتفق عليه في أثناء زيارة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لروسيا في 21 من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، والذي عبر عنه نتنياهو بعد خروجه من الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالقول: "لدى إسرائيل وروسيا مصلحة مشتركة في ضمان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
تعتقد روسيا أنها بتدخلها في سورية، تراكم على تاريخ طويل من علاقتها مع البلاد في أثناء الحكم السوفياتي وبعده، حين كانت روسيا، خلال تلك الفترة مصدر السلاح السوري شبه الوحيد، علاوة على قرب روسيا إلى المزاج الشعبي السوري. لكن تدخلها العسكري الجاري حالياً يحيلها إلى موقع العدو، ويظهر طياريها مرتزقةً يبيعون الخدمات لقاء المال، وطياراتها بمظهر المركبات التي تتقاضى أجراً يحدده عداد ساعات الخدمة فيها، وهو ما يندرج في مجمله ضمن نشاط الاستثمار في الحرب السورية.
فإن كان تلفزيون روسيا اليوم، الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية، قد بكَّر في تتويج روسيا قطباً عالمياً جديداً بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، بعد الضربات الأولى التي وجهتها الطائرات الروسية للأراضي السورية، وراح ضحيتها عشرات المدنيين، وإن كان بطريرك موسكو وعموم روسيا قد بارك قبلها القوات الروسية في سورية، ورشَّ قساوسته الطائرات المقاتلة بالماء المقدس، معتبرين حربهم هناك مقدسة، فإن عنصراً ثالثاً هو الأساس، أو ربما يكون ثالث ثلاثي دوافع التدخل الروسي، وهو "البزنس" الروسي الجديد، تجارة السلاح والحروب، بعد خسارات ألحقها انخفاض أسعار النفط بالرأسمال المافيوي الروسي المتحكم بالبلاد. وربما هو الدافع الأكثر ترجيحاً، مع بروز عمليات تسويق قدرات الطائرات الروسية المشاركة في الغارات.
فالمخفي في النيات من وراء التدخل الروسي العسكري في سورية، عبر ضربات الطائرات الروسية التي بدأت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، هو الأكثر وضوحاً، وهو ما لم يستطع قادة الكرملين المثابرة على إخفائه، كونهم قد صرّحوا به غير مرة على وسائل الإعلام، وخلال خطاباتهم في مناسبات عديدة قبل تدخلهم وبعده. وأكد رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيديف، هذه الحقيقة، في حديثه لقناة روسيا-24 في 17 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قال: "نحن لا نقاتل لصالح قادة محددين، وإنما ندافع عن مصالحنا القومية". ومصالح روسيا هنا هي، بكل بساطة، كانت في بيع السلاح بداية، ليتطور الأمر إلى حد المشاركة الفعلية في الحرب. وهو عمل يبدو أقرب إلى عملية استثمار في الحرب السورية، خصوصاً مع ما جرى الحديث عنه كثيراً من تمويل إيران مشتريات السلاح الروسية لصالح الجيش السوري، الأمر الذي يبدو أن المعنيين لم يجدوا غضاضة من تطوره، ليطاول تمويل ضربات الطيران الروسي أيضاً.
لم يستطع، أو ربما لم يُرد، ممثلو الرأسمال المافيوي الروسي بناء اقتصاد فعلي حاضر ومنافس على الصعيد الدولي، مستفيدين من القاعدة الاقتصادية الجبارة المتوفرة لهم، والتي ورثتها روسيا عن الاتحاد السوفياتي السابق. على الرغم من بيروقراطية جزء كبير من أشكال تلك القاعدة وذلك الاقتصاد الذي كان يمكنهم تجديده باستخدام أساليب الإدارة الحديثة وإدخال التقنية الحاسوبية إليه. بل آثروا الاعتماد على عوامل الربح السريع، كما الحال دائما مع حديثي النعمة، الأثرياء الجدد المتحكمين بهذا الاقتصاد، عبر اللجوء إلى الاستثمار الأمثل للنفط والغاز، وفي مرحلة لاحقة، إلى تجارة السلاح. وهو ما دعا إليه صراحة الرئيس فلاديمير بوتين العام الماضي، حين أكد على ضرورة زيادة مبيعات السلاح في ظل تدهور الاقتصاد، وهو ما سعى إليه شخصياً في زيارات كثيرة قام بها إلى عدد من الدول. إلى درجة وصل به الأمر للظهور بمظهر بائع سلاح، في مشهد كان مثيراً للنفور، وهو مشهد تقديمه لبندقية كلاشينكوف هدية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في التاسع من فبراير/شباط الماضي، في أثناء زيارته لمصر، في مسعى إلى الحصول على حصة من سوقها.
ولتأكيد حاجة روسيا إلى هذا الاستثمار، تكفي الإشارة إلى الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الروسي، بعد انخفاض أسعار النفط، والتي رجحت منظمة أوبك أن تصل إلى أكثر من مائة مليار دولار هذا العام. علاوة على الخسائر التي لحقته نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، بعد تدخلها في أوكرانيا، وضمها شبه جزيرة القرم. ومن هنا، كان شروع وسائل إعلام روسية بعمليات التسويق للأسلحة الروسية، عقب ضربات طيرانها في سورية، عبر كل الوسائل وفي مختلف اللغات، معتمدةً عرض مواصفاتها وإظهار مقارنات لها مع الأسلحة الغربية، وخصوصاً الأميركية منها.
وتذكِّر عملية التسويق والمقارنة هذه بتلك المتبعة لدى التسويق للسيارات، وخصوصاً الحديث منها عند إطلاقها في الأسواق، عبر إبراز مواصفاتها. مع فارق أنه غاب عن بال المسوقين أنهم يسوّقون آلة موت، وليس مركبة لخدمة البشر. كما غاب عن بالهم أنهم يسوّقون طائرات تستبيح سماءً تغيب عنها المضادات الأرضية، وهو عامل يحرمها إظهار خاصية القدرة على تجنب هذا الاستهداف. كما تجنبت أي تدخل إسرائيلي، ينغص عليها تفردها بالسماء السورية، بعد التفاهم الذي يتزايد، يوماً بعد يوم، عبر التنسيق المشترك الذي اتفق عليه في أثناء زيارة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لروسيا في 21 من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، والذي عبر عنه نتنياهو بعد خروجه من الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالقول: "لدى إسرائيل وروسيا مصلحة مشتركة في ضمان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
تعتقد روسيا أنها بتدخلها في سورية، تراكم على تاريخ طويل من علاقتها مع البلاد في أثناء الحكم السوفياتي وبعده، حين كانت روسيا، خلال تلك الفترة مصدر السلاح السوري شبه الوحيد، علاوة على قرب روسيا إلى المزاج الشعبي السوري. لكن تدخلها العسكري الجاري حالياً يحيلها إلى موقع العدو، ويظهر طياريها مرتزقةً يبيعون الخدمات لقاء المال، وطياراتها بمظهر المركبات التي تتقاضى أجراً يحدده عداد ساعات الخدمة فيها، وهو ما يندرج في مجمله ضمن نشاط الاستثمار في الحرب السورية.