البراميل المتفجرة تمزق أجساد الأطفال، غبار الحرب يدفن الجثث، النزوح والموت في كل مكان. أما الحصار، فتحول إلى آلة تعذيب بطيئة، تقتل سكان المناطق السورية ألف مرة قبل وفاتهم. إنه التركيع الاقتصادي الذي أصبح من أبشع آلات القتل البطيء.
إذ يبدو شائعاً أن تخضع دول معينة لسياسة العقوبات الاقتصادية والحصار، من أجل حملها على الرضوخ لمطالب سياسية محددة كما حصل في كوبا والعراق مثلاً. غير أنه من النادر جداً عبر التاريخ أن يحاصر نظام في الدولة، شعبه ومناطقه، فيحرمها كل سبل الحياة.
في المنطقة العربية اليوم، حالات الابتزاز الاجتماعي والاقتصادي عبر الحصار، كانت محصورة بالاحتلال الإسرائيلي. إذ إن الأخير فرض الحصار على قطاع غزة منذ عدة سنوات، منكلاً بالشعب الفلسطيني وفارضاً عليه العيش في سجن كبير. كما مارس جيش الاحتلال الأسلوب القاتل ذاته على مدن فلسطينية انتفضت في وجهه (جنين عام 2002). وها هو نظام الأسد يمارس الأسلوب ذاته، بحيث يواصل فرض الحصار على مناطق كثيرة في سورية برز منها مخيم اليرموك والحجر الأسود والغوطة الشرقية، ليتسبب بموت بطيء للسكان، عطشاً وجوعاً وحرماناً من أدنى الحاجات الأساسية، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والمياه. اليوم، وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، يقبع تحت حصار النظام حوالي 288 ألف شخص، يعيشون الموت يومياً.
اليرموك في مرمى الجوع
طال حصار مخيم اليرموك الفلسطيني في جنوب العاصمة دمشق. 600 يوم، منعت خلاله قوات النظام السوري المدعومة بعناصر من منظمة فلسطينية تابعة لها (القيادة العامة - أحمد جبريل)، الفلسطينيين من الخروج للتزود بالمواد الغذائية الرئيسية. بل منعت دخول تلك المواد إلى المخيم في معظم الأحيان، باستثناءات قليلة جداً. هكذا سقط عدد كبير من الشهداء في اليرموك بسبب نقص الغذاء وضعف العناية الطبية، في الوقت الذي يحاول فيه بعض الجمعيات المدنية الفلسطينية دعم إقامة نشاط زراعي داخل المخيم، لكن هذه المحاولة الالتفافية على الجوع، بقيت متواضعة وعاجزة عن تلبية حاجات السكان الغذائية.
يؤكد الناشط حكيم سعيد الذي يعيش الحصار في مخيم اليرموك لـ "العربي الجديد" أن السكان يعتمدون بصورة أساسية اليوم على مساعدات منظمة "الأونروا" التي تقوم بتقديم سلات غذائية تزن الواحدة منها نحو 35 كيلوغراماً، تكفي العائلة لنحو أسبوع واحد. يقول سعيد: "توقفت هذه المساعدات منذ نحو شهرين بسبب الاشتباكات المفتعلة من الطرفين عند مدخل مخيم اليرموك، وهو ما جعل الأهالي يخشون عودة أيام الجوع الشديد التي حلت على المخيم قبل عدة أشهر وتسبب بعشرات حالات الوفاة، خصوصاً الأطفال وكبار السن، الذين لا تستطيع أجسادهم الصمود أمام النقص الحاد في التغذية".
كما يعتمد السكان على طريق بلدة بيت سحم، التي عقدت هدنة مع النظام، حيث يتم إدخال شاحنات صغيرة تحمل مواد غذائية و"يجري بيعها بأسعار مرتفعة داخل المخيم تصل إلى ضعف سعرها في الخارج. ففي حين يباع كيلو الأرز بنحو 120 ليرة يصل إلى المخيم بنحو 300 ليرة. أما حين يتم إغلاق طريق بيت سحم لأي سبب، يرتفع سعر كيلو الأرز لحدود 3000 ليرة، وكذلك حال بقية المواد".
يتحدث سعيد عن نوع من "التجارة المربحة" التي تتحكم بإغلاق وفتح المعابر، حيث "يجري إدخال المواد الأساسية عن طريق النظام من قبل بعض التجار بأسعار منخفضة، وبيعها بعد إغلاق المعبر بأسعار مرتفعة، وتصل الحركة التجارية اليومية على حاجز بيت سحم إلى 30 مليون ليرة سورية يومياً تتضمن مواد غذائية ووقودا ومبالغ نقدية أجنبية، كما تتضمن الرشاوى المدفوعة للحواجز".
حاولت بعض المؤسسات المدنية والخيرية إقامة مشاريع زراعية في مخيم اليرموك، لكنها بقيت متواضعة إذ "لا تتجاوز الأراضي المزروعة مساحة ستة دونمات، حيث يجري زراعة الفول والسلق والخس والكوسا والفجل والبصل الأخضر، فيما يتم شراء أنواع خضر أخرى مثل البندورة والبطاطس من خارج المناطق المحاصرة عن طريق النظام والتجار المرتبطين به" يقول سعيد.
مجزرة الحجر الأسود
إلى جنوب مخيم اليرموك، يمتد الحصار ليهدد حياة نحو عشرة آلاف مدني في منطقة الحجر الأسود. ويقدر المجلس المحلي في الحجر الأسود عدد حالات الوفاة بعد عامين متواصلين من الجوع والجفاف وسوء العناية بنحو 82 حالة، ويشمل ذلك أولئك الذين قضوا قنصاً على يد قوات الأسد أثناء رحلة البحث عن الطعام في البساتين المجاورة.
فيما يؤكد سعيد أن المناطق التي لم توقع هدنة عسكرية مع النظام هي التي تعيش اليوم شبح الجوع والحصار وهي مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن. ويقدر عدد "شهداء الجوع" فيها بنحو 220 شهيداً يستحوذ مخيم اليرموك، التجمع الأكبر للمدنيين، على 146 حالة منها.
الحصار ذاته تفرضه قوات الأسد على الغوطة الشرقية، ما أدى لارتفاع أسعار المواد الغذائية حيث "يصل سعر كيلو السكر في أيام الحصار العجاف إلى ستة آلاف ليرة سورية، و الأرز 3500 والطحين إلى ألف، في ظل فقدان سلع أخرى كالعدس والحمص والفول" يقول عضو "مكتب الإغاثة الموحد في الغوطة الشرقية" عبد الله الحافي لـ "العربي الجديد". ويضيف الحافي: "مع الشح الكبير في مواد المحروقات، وصل سعر ليتر المازوت إلى 14 دولارا، ما دفع بعض الأهالي في الغوطة إلى تكرير البلاستيك واستخراج المحروقات منها بطرق بدائية، وقد أحيا ذلك مشاريع زراعية وبعض الحرف البسيطة، حيث يتم زراعة القمح والشعير والفول و البازلاء، فضلاً عن تربية المواشي".
يوضح الباحث الاقتصادي زين عبود لـ "العربي الجديد" أن "سياسة الحصار هي جزء من تنمية اقتصاد الحرب الذي يخدم النظام السوري الخاضع للعقوبات الغربية، والذي يفتقد إلى الموارد المناسبة". ويضيف: "يشجع النظام جنوده على ممارسة السلب والنهب وعلى تشديد الحصار لإخضاع المناطق الثائرة، ولكن أيضا لتأمين دخل إضافي لمقاتليه يشكل حافزاً لهم لمواصلة القتال، إذ إن رواتبهم الحكومية غير مغرية على الإطلاق". ويعتقد عبود أن تلك السياسة "استخدمت دوماً في النزاعات الداخلية حيث تشكل أحد أهم مصادر التمويل الذاتي للحروب الأهلية".
اليرموك في مرمى الجوع
طال حصار مخيم اليرموك الفلسطيني في جنوب العاصمة دمشق. 600 يوم، منعت خلاله قوات النظام السوري المدعومة بعناصر من منظمة فلسطينية تابعة لها (القيادة العامة - أحمد جبريل)، الفلسطينيين من الخروج للتزود بالمواد الغذائية الرئيسية. بل منعت دخول تلك المواد إلى المخيم في معظم الأحيان، باستثناءات قليلة جداً. هكذا سقط عدد كبير من الشهداء في اليرموك بسبب نقص الغذاء وضعف العناية الطبية، في الوقت الذي يحاول فيه بعض الجمعيات المدنية الفلسطينية دعم إقامة نشاط زراعي داخل المخيم، لكن هذه المحاولة الالتفافية على الجوع، بقيت متواضعة وعاجزة عن تلبية حاجات السكان الغذائية.
يؤكد الناشط حكيم سعيد الذي يعيش الحصار في مخيم اليرموك لـ "العربي الجديد" أن السكان يعتمدون بصورة أساسية اليوم على مساعدات منظمة "الأونروا" التي تقوم بتقديم سلات غذائية تزن الواحدة منها نحو 35 كيلوغراماً، تكفي العائلة لنحو أسبوع واحد. يقول سعيد: "توقفت هذه المساعدات منذ نحو شهرين بسبب الاشتباكات المفتعلة من الطرفين عند مدخل مخيم اليرموك، وهو ما جعل الأهالي يخشون عودة أيام الجوع الشديد التي حلت على المخيم قبل عدة أشهر وتسبب بعشرات حالات الوفاة، خصوصاً الأطفال وكبار السن، الذين لا تستطيع أجسادهم الصمود أمام النقص الحاد في التغذية".
كما يعتمد السكان على طريق بلدة بيت سحم، التي عقدت هدنة مع النظام، حيث يتم إدخال شاحنات صغيرة تحمل مواد غذائية و"يجري بيعها بأسعار مرتفعة داخل المخيم تصل إلى ضعف سعرها في الخارج. ففي حين يباع كيلو الأرز بنحو 120 ليرة يصل إلى المخيم بنحو 300 ليرة. أما حين يتم إغلاق طريق بيت سحم لأي سبب، يرتفع سعر كيلو الأرز لحدود 3000 ليرة، وكذلك حال بقية المواد".
يتحدث سعيد عن نوع من "التجارة المربحة" التي تتحكم بإغلاق وفتح المعابر، حيث "يجري إدخال المواد الأساسية عن طريق النظام من قبل بعض التجار بأسعار منخفضة، وبيعها بعد إغلاق المعبر بأسعار مرتفعة، وتصل الحركة التجارية اليومية على حاجز بيت سحم إلى 30 مليون ليرة سورية يومياً تتضمن مواد غذائية ووقودا ومبالغ نقدية أجنبية، كما تتضمن الرشاوى المدفوعة للحواجز".
حاولت بعض المؤسسات المدنية والخيرية إقامة مشاريع زراعية في مخيم اليرموك، لكنها بقيت متواضعة إذ "لا تتجاوز الأراضي المزروعة مساحة ستة دونمات، حيث يجري زراعة الفول والسلق والخس والكوسا والفجل والبصل الأخضر، فيما يتم شراء أنواع خضر أخرى مثل البندورة والبطاطس من خارج المناطق المحاصرة عن طريق النظام والتجار المرتبطين به" يقول سعيد.
مجزرة الحجر الأسود
إلى جنوب مخيم اليرموك، يمتد الحصار ليهدد حياة نحو عشرة آلاف مدني في منطقة الحجر الأسود. ويقدر المجلس المحلي في الحجر الأسود عدد حالات الوفاة بعد عامين متواصلين من الجوع والجفاف وسوء العناية بنحو 82 حالة، ويشمل ذلك أولئك الذين قضوا قنصاً على يد قوات الأسد أثناء رحلة البحث عن الطعام في البساتين المجاورة.
فيما يؤكد سعيد أن المناطق التي لم توقع هدنة عسكرية مع النظام هي التي تعيش اليوم شبح الجوع والحصار وهي مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن. ويقدر عدد "شهداء الجوع" فيها بنحو 220 شهيداً يستحوذ مخيم اليرموك، التجمع الأكبر للمدنيين، على 146 حالة منها.
الحصار ذاته تفرضه قوات الأسد على الغوطة الشرقية، ما أدى لارتفاع أسعار المواد الغذائية حيث "يصل سعر كيلو السكر في أيام الحصار العجاف إلى ستة آلاف ليرة سورية، و الأرز 3500 والطحين إلى ألف، في ظل فقدان سلع أخرى كالعدس والحمص والفول" يقول عضو "مكتب الإغاثة الموحد في الغوطة الشرقية" عبد الله الحافي لـ "العربي الجديد". ويضيف الحافي: "مع الشح الكبير في مواد المحروقات، وصل سعر ليتر المازوت إلى 14 دولارا، ما دفع بعض الأهالي في الغوطة إلى تكرير البلاستيك واستخراج المحروقات منها بطرق بدائية، وقد أحيا ذلك مشاريع زراعية وبعض الحرف البسيطة، حيث يتم زراعة القمح والشعير والفول و البازلاء، فضلاً عن تربية المواشي".
يوضح الباحث الاقتصادي زين عبود لـ "العربي الجديد" أن "سياسة الحصار هي جزء من تنمية اقتصاد الحرب الذي يخدم النظام السوري الخاضع للعقوبات الغربية، والذي يفتقد إلى الموارد المناسبة". ويضيف: "يشجع النظام جنوده على ممارسة السلب والنهب وعلى تشديد الحصار لإخضاع المناطق الثائرة، ولكن أيضا لتأمين دخل إضافي لمقاتليه يشكل حافزاً لهم لمواصلة القتال، إذ إن رواتبهم الحكومية غير مغرية على الإطلاق". ويعتقد عبود أن تلك السياسة "استخدمت دوماً في النزاعات الداخلية حيث تشكل أحد أهم مصادر التمويل الذاتي للحروب الأهلية".