التعديل الأميركي لمشروع حظر الأسلحة على إيران: شكوك بتمريره

14 اغسطس 2020
لا تحدد المسودة الأميركية مهلة زمنية للحظر (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

تراجعت الإدارة الأميركية عن خطوتها الرامية إلى تقديم مسودة مشروع قرار مفصلة، موزعة على أكثر من أربع صفحات، حول تمديد حظر توريد الأسلحة لإيران، والذي تنتهي مدته في 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بموجب القرار 2231. وعرضت، في خطوة مفاجئة، مسودة جديدة من أربع "فقرات" أقرب إلى أربعة أسطر. ويمكن تلخيص المسودة الجديدة، التي يرجح التصويت عليها اليوم الجمعة إن لم يحدث تغيير في آخر لحظة، بجملة واحدة، وهي: تمديد حظر الأسلحة على إيران إلى أجل غير مسمى، وإلى حين يقرر مجلس الأمن غير ذلك.
بحسب مصادر إعلامية أميركية، فإن الجانب الأميركي حاول قبل أن يقدم المسودة الجديدة حث كل من تونس وأستونيا، وهما من الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، على تقديم نص مشابه للنص الجديد، كنوع من الصيغة "الوسطية" لحفظ ماء الوجه للطرف الأميركي، بعدما أصبح واضحاً أن المسودة المفصلة لن تحصل على الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لتبني القرار. وبذلك لن تضطر روسيا والصين حتى إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تبني المشروع. لكن تونس وأستونيا رفضتا الطلب الأميركي، بحسب مصادر الإعلام الأميركي، حيث لا تريد أي من الدول الأعضاء في المجلس الدخول في متاهات اللعبة الأميركية حول إيران، ما اضطر واشنطن إلى اتخاذ خطوة محرجة ومفاجئة، عبر "التنازل" عن كل المطالب السابقة وتوزيع مسودة جديدة بصيغتها المختصرة.

لا تريد أي من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدخول في متاهات اللعبة الأميركية حول إيران

 

لكن الطرف الأميركي وإن "تنازل" عن مطالبه السابقة، إلا أنه لم يتنازل عن مطلبه الأساسي والأهم، وهو تمديد حظر الأسلحة على إيران، وهذه المرة لأجل غير مسمى، إلى أن يتخذ المجلس قراراً جديداً، الأمر الذي يعني فعلياً أنه لن يرفعها إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقة بين البلدين. ولأن رفعها سيعني الحاجة لتبني قرار جديد، ما يتيح للولايات المتحدة استخدام الفيتو ومنع ذلك. لكن المسودة الأميركية الجديدة مرشحة للفشل، لأنها لا تعطي مهلة زمنية محددة للحظر، الأمر الذي لن تقبله إيران وحليفاها في مجلس الأمن، الصين وروسيا.
ويبدو أن الأطراف الأوروبية في مجلس الأمن، والأعضاء في الاتفاق النووي الإيراني، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أبدت استعداداً للتفاوض حول تمديد حظر الأسلحة ولمدة زمنية محددة، لكن المفاوضات مع الجانب الأميركي وصلت إلى طريق مسدود. وعموماً تعمل تلك الدول، بما فيها بقية دول الاتحاد الأوروبي، بقرارات حظر توريد الأسلحة لإيران، ومن المرجح أن تستمر في العمل بها، حتى لو لم يتم التجديد لقرار حظر الأسلحة على إيران إلى ما بعد 18 أكتوبر/تشرين الأول.
وكان الطرف الأميركي هدد بأنه في حال عدم تبني مشروع القرار، فسيقوم بتفعيل فرض العقوبات الشاملة على إيران، وهي إمكانية تنص عليها "خطة العمل الشاملة المشتركة" المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني، ويمكن للدول الأطراف في الاتفاق طلب تفعيلها بحسب شروط معينة. لكن الولايات المتحدة لم تعد طرفاً في تلك الخطة والاتفاقية التي انسحبت منها قبل نحو سنتين. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف ستتمكن الإدارة الأميركية الحالية من دعم موقفها قانونياً وإجبار حلفائها وبقية الدول الأعضاء على الالتزام بإعادة فرض عقوبات شاملة على إيران، إن لم تتمكن من إقناع حلفائها الأوروبيين بصيغة مشروع يمدد حظر الأسلحة؟

المعركة القادمة والأهم بعد تصويت اليوم الجمعة ستكون أكثر تعقيداً، لأن الطرف الأميركي يدعي أنه يمكنه تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات، "سناب باك"، التي ينص عليها الاتفاق النووي، وتسمح بتفعيل فرض العقوبات الشاملة على إيران من قبل أي من الدول الأطراف في الاتفاق. لكن الولايات المتحدة لم تعد طرفاً في "خطة العمل الشاملة المشتركة" ومعها الاتفاقية، لأنها انسحبت منها منذ سنتين، ولم تحضر أيا من اجتماعاتها وترى نفسها غير ملتزمة بها. كما قامت بفرض عقوبات على طهران لا تتماشى مع تلك الاتفاقية.

الكثير من المصارف والشركات تلتزم بالعقوبات بسبب علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة

في هذا السياق، قال مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى في مجلس الأمن، لـ"العربي الجديد" في نيويورك، "إننا نجد أنفسنا أمام وضع غير مسبوق من الناحية القانونية، حيث سيدعي الطرف الأميركي أنه قانونياً يمكنه فعل ذلك لأنه عضو في مجلس الأمن والأمم المتحدة ولأنه تم المصادقة على الاتفاق بموجب قرار للمجلس. لكن في الوقت نفسه ترى الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ومعها الصين وروسيا، أن السند الأميركي القانوني غير قوي. وسيدعي كل طرف قانونية موقفه أمام مجلس الأمن المنقسم أصلاً. وقد يكون أحد الحلول أن يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) أن يقدم مكتبه رأياً قانونياً حول الموضوع. ولكن حتى اللحظة نحن نجد أنفسنا أمام وضع غير مسبوق". وشكك المصدر بأن "ترغب سكرتارية الأمم المتحدة (مكتب الأمين العام) بالدخول بهذه المتاهة القانونية والسياسية". ورجح أن "يحاول الجميع مد الأمر إلى الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والآمال المعلقة عليها بعدم فوز دونالد ترامب".
ونوه المصدر إلى أنه وفي حال فاز ترامب فإن خلط الأوراق قد يبدأ من جديد، وقد يضطر الجانب الإيراني إلى التفاوض مجدداً على الاتفاق النووي. وتساءل "لقد تفاوضت الأطراف حول الاتفاق الحالي لسنوات، وكانت الولايات المتحدة طرفاً في التفاوض، وكانت مفاوضات طويلة وغير سهلة. ما الذي يضمن أن أي مفاوضات جديدة لن تكون كذلك طويلة ومضنية، من دون تحقيق نتائج أفضل من الاتفاق الذي أمامنا؟".
ولفت المصدر إلى أن "الولايات المتحدة، وبعد انسحابها، قامت بفرض أغلب تلك العقوبات مجدداً على إيران. صحيح أنه ومن الناحية النظرية فإن الدول والشركات غير ملزمة بها، لكن في واقع الحال نجد أن الكثير من المصارف والشركات تلتزم بها بسبب علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة. ولكن في حال فعّلت الولايات المتحدة العقوبات عن طريق الأمم المتحدة، وهو ما هددت بفعله، فإن ذلك سيلزم جميع الدول حول العالم. لكن من المرجح ألا ينجح هذا التفعيل للأسباب القانونية والمعارضة الدولية. حيث يبدو حتى اللحظة أن جميع الدول الأعضاء بالاتفاق النووي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وإيران، ما زالت ملتزمة به، حتى لو سجلت خروقات مختلفة بعد الانسحاب الأميركي". ما ستأتي به الأشهر المقبلة إلى حين موعد الانتخابات، إذا ما قيس على التخبط الأميركي حول مشروع القرار، فإنه يبدو كعاصفة قانونية ودبلوماسية، يتطلع أغلب الأطراف إلى أن تمر بسلام حتى أن تصبح الرؤية أكثر وضوحاً.