تجاهل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الاحتفال بذكرى النصر على الكيان الصهيوني، الذي يقام في العاشر من رمضان من كل عام، للمرة الأولى في تاريخ بلاده، في ضوء التقارب غير المسبوق بين نظامه ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي وصل إلى حد السماح للسفارة الإسرائيلية بالاحتفال بذكرى النكبة السبعين في أحد فنادق وسط القاهرة، وسط حضور لافت لمسؤولين حكوميين، ورجال أعمال مصريين.
واكتفى السيسي بصلاة الجمعة الماضية بمسجد "المشير طنطاوي" بمنطقة التجمع الخامس، شرقي القاهرة، وسط حراسة مشددة، من دون الإعلان عن أي مراسم احتفالية من قبل القوات المسلحة كما جرت العادة، والاستماع إلى خطبة الصلاة التي ألقاها مستشاره للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، حول "فضل يوم العاشر من رمضان، والجهاد.. والوقوف ضد الغلو، والتطرف، والتفريط.. ونشر الوسطية الإسلامية".
كما اقتصر رد فعل الجيش المصري على نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع، أمس الجمعة، أربعة مقاطع مصورة بشأن ذكرى العاشر من رمضان، تحت عنوان "إرادة مصرية"، وتضمن أحدها كلمة للواء يسري عمارة، من مقاتلي الفرقة الثالثة (مشاة) في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، قال فيها: "قالوا لنا الساعة الثانية ظهراً يا نأخذ بثأرنا.. يا نروح، ومالناش لزمة".
وأظهر الفيديو أن 220 طائرة مقاتلة مصرية عبرت قناة السويس وقت اندلاع الحرب، علاوة على عبور 8 آلاف مقاتل القناة في 1600 قارب، في حين علق اللواء محمد الصول، من مقاتلي الفرقة التاسعة عشرة (مشاة)، بالقول إن "الساتر الترابي في الشاطئ الشرقي لقناة السويس كان على ارتفاع 20 متراً، والجنود كانوا يتسلقون عليه مثل الفراشات"، حسب تعبيره.
من جهته، وجّه وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق صدقي صبحي، برقية تهنئة للسيسي بمناسبة ذكرى النصر، قال فيها: إن "ذكرى هذا اليوم المجيد ستظل دائماً مبعث اعتزاز شعب مصر بقواته المسلحة، ورجالها، الذين توجوا كفاح شعب مصر، ونضاله، بإعلاء إرادته، والحفاظ على سلامة ووحدة أراضيه، بنصر مجيد حققوه في العاشر من رمضان".
وأضاف صبحي أن "رجال القوات المسلحة يهنئون سيادتكم (السيسي) بهذه الذكرى المجيدة، ويؤكدون وفائهم للمهام والمسؤوليات التي يحملون أمانتها في الدفاع عن الوطن، وحماية شعبه، ومقدساته، وصون أمنه القومي"، مشيراً إلى إصداره توجيهاً بتهنئة قادة وجنود القوات المسلحة بسيناء بالذكرى، وكذا المشاركين بقوات حفظ السلام، والعاملين المدنيين في قطاعات الجيش.
وغاب السيسي عن احتفالات القوات المسلحة بذكرى العاشر من رمضان عام 2013، أثناء توليه منصب وزير الدفاع، من دون تقديم أسباب الغياب، في سابقة لم تحدث من ذي قبل، وهو ما قوبل بالإشاعة حينها إنه لا يقدر على مواجهة قيادات في الجيش ترفض الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي، وإدخال القوات المسلحة كطرف في معادلة سياسية، كان يجب أن تنأى بنفسها عنها.
وظهر مدى التقارب بين السيسي والصهاينة في مرحلة مبكرة من حكمه، بوصفه أحد اللاعبين الفاعلين فيما يسمى بـ"صفقة القرن"، إذ التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ثلاثة مرات خلال أقل من عامين، واحدة منها في العلن بمدينة نيويورك الأميركية، في 18 سبتمبر/ أيلول 2017، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، بأول محادثات علنية بينهما.
وذكر السيسي إسرائيل في كلمته أمام الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة، بالقول: "لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة في السلام معكم منذ أكثر من 40 سنة، ويمكن أن نكرر هذه التجربة، وهذه الخطوة الرائعة مرة أخرى.. والحفاظ على أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي"، وهي "زلة لسان" أظهرت مدى حرصه على أمن وسلامة الصهاينة، من دون اعتبار للفلسطينيين.
والتقى السيسي ونتنياهو بشكل سري، في مدينة العقبة الأردنية، بتاريخ 21 فبراير/ شباط 2016، فيما عُرف باسم "قمة العقبة"، والتي شهدت حضور وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، واستعرضت "خطة النقاط الخمس"، وهي مجموعة خطوات لبناء الثقة مع الفلسطينيين، وفق ما كشفت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وأفادت الصحيفة ذاتها بأن لقاء آخر تم السيسي ونتنياهو، في أبريل/ نيسان 2016، إثر وصول الأخير على متن طائرة خاصة من تل أبيب إلى القاهرة، رفقة بعض مستشاريه، مشيرة إلى استقبال السيسي لهم في قصره الرئاسي، من أجل استعراض محاولات دفع عملية السلام الإقليمي، والوساطة في التوصل لاتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
كما توجه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى تل أبيب، في 10 يوليو/ تموز 2016، في زيارة علنية وصفتها القاهرة بـ"المهمة"، بغرض توجيه دفعة لعملية السلام، وبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث التقى خلالها نتنياهو، والذي اعتبر الزيارة "تدل على تغيير في العلاقات ما بين مصر وبلاده".
وفي أغسطس/ آب 2017، أعادت إسرائيل فتح سفارتها في القاهرة، بعد إغلاقها لنحو تسعة أشهر، إثر استدعاء سفيرها في ديسمبر/ كانون الأول 2016، كإجراء أمني وقائي، بعد إعادة فتح السفارة في سبتمبر/ أيلول 2015، عقب أربع سنوات من الإغلاق، من جراء اقتحام حشود غاضبة لمقر السفارة، رداً على مقتل جنود مصريين برصاص إسرائيلي على الحدود.
وقال بيان صادر عن السفير الإسرائيلي دافيد غوبرين، في 9 مايو/ أيار الجاري، إن "الشراكة المتينة بين مصر وإسرائيل تشكل قدوة ومثالاً لحل صراعات إقليمية ودولية في العالم أجمع.. ونلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل، حيث لا تعتبرها عدواً، بل شريكاً في صياغة واقع جديد وأفضل في المنطقة.. وتشكل اتفاقية الغاز الموقعة بين مصر وإسرائيل دليلاً على هذه الثمار.. ويبقى الأمل أن تفتح الطريق أمام التعاون في مجالات أخرى".