اختلفت ردود فعل السياسيين التونسيين حول التسريبات الأولية لـ"أوراق بنما"، وما أثارته من جدل. وفي حين لم يستبعد البعض تورط سياسيين ورجال أعمال تونسيين في الفضيحة، إلا أنّ عدداً من النواب، والقيادات الحزبية، طالبوا بعدم التسرّع في الحكم على البعض، أو توظيف المسألة سياسياً، مؤكدين في الوقت عينه على أهمية المحاسبة، وأن يتمّ التعامل جدّياً مع المتورّطين. في غضون ذلك، صوتت الجلسة العامة للبرلمان التونسي، أمس الجمعة، على مقترح بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول ما يعرف بـ"أوراق بنما" وذلك بموافقة 124 صوتاً مقابل رفض المقترح من قبل نائب واحد.
كما يدعو القيادي إلى "التريث، وترك القضاء يقوم بمهمته"، مشدّداً في الوقت عينه على "ألا أحد فوق المساءلة، أو القانون، وأن الموضوع تحوّل إلى قضية رأي عام، ولكن مع ذلك يجب التعامل معه بمسؤولية ودون حجب للحقائق أو محاولات التغطية على أي طرف". ويضيف الوريمي أن "من يرد اسمه في الملف، عليه التوجّه إلى القضاء وتقديم البيانات التي بحوزته، رغم الآثار والتداعيات التي سيتركها لمجرد إثارة الشبهة".
وحول إمكانية تورط قيادات من "النهضة" في الملف، تحديداً بعد تلميح بعض المحامين في تونس إلى ذلك، يلفت الوريمي إلى أن "القانون فوق الجميع، ولا يجب التعامل مع المسألة على أساس أن الشخص المعني هو من اليمين أو اليسار، بل في كنف الشفافية، بعيداً عن أي انتماءات أو مزايدات". كما يستبعد تورّط قيادات نهضاوية في الملف، قائلاً: "أشعر بالاطمئنان لأن حركة النهضة غير متورطة، وحتى أنه وفي صورة تورّط البعض، فإنها ستتعامل بجدية مع ذلك ومن دون إخفاء الحقائق". ويشير إلى أن "أغلب نواب النهضة بادروا بالتوقيع على العريضة الخاصة بفتح تحقيق في الموضوع، والمطالبة بتكوين لجنة تحقيق برلمانية بتهم التهرّب الضريبي والاستيلاء على المال العام"، وهو ما تم التصويت عليه أمس الجمعة.
أما فيما يتعلق بالجدل الذي أثاره ورود اسم محسن مرزوق، المستشار السابق للرئيس الباجي قائد السبسي، يأمل الوريمي، عدم "تورّط أي سياسي أو أي تونسي في الملف، فكل انسان بريء إلى أن تُثبت إدانته".
من جهته، يرى المتحدث الرسمي لحزب "العمال"، النائب الجيلاني الهمامي، أنّ "الملف المتعلق بتورط رجال أعمال وسياسيين تونسيين لا يزال غامضاً، إذ إنه لم يقع إلى حدّ اللحظة التثبّت من ورود أسماء لسياسيين، خصوصاً بعد قرصنة الموقع وتكذيب بعض الأخبار"، مبيّناً أن "التونسيين لا يستطيعون معرفة ما إذا كان التكذيب صحيحاً أم لا في الوقت الراهن". وفي حديث لـ"العربي الجديد"، يقول الهمامي، إنّ "هذا الغموض يدفع لعدم التسرّع في الأحكام، والتريّث حتى صدور الأسماء"، منوّهاً إلى أن "الجهة الوحيدة المخوّل لها التثبّت من الموضوع، هي السلطات التونسية، لأنها تملك الإمكانيات والوسائل للتكفّل بهذه المهمة".
ويلفت إلى أنه "من المنتظر أن يتمّ خلال الجلسة العامة التي ستُعقد بمجلس النواب، التداول في تركيبة اللجنة البرلمانية وطريقة عملها حول هذا الملف". كما يشير الهمامي إلى أن "الوثائق التي ستصدر في الملف ليست من أوساط تونسية، بل ستكون من قبل صحافيين دوليين من مختلف أنحاء العالم، وعملهم يتميّز بالحرفية والتحرّي، ومن الطبيعي أن يتم توظيف الملف سياسياً".
في سياق متصل، يعتبر الأمين العام السابق، لـ"التيار الديمقراطي"، محمد عبو، أنّه "بحسب الإجراء المعهود في مثل هذه الملفات، فإن قاضي التحقيق يبادر إلى فتح بحث ضد مجهول. ويملك القاضي صلاحيات مطلقة في كشف الحقيقة، والبحث عن المتورطين، ويُمكن له تفتيش المنازل والمحلات والاطلاع على الأرصدة المصرفية ومنع السفر". وينوّه عبو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "سويسرا قامت في ظرف وجيز بعد صدور المعطيات بالتفتيش والتحرّي"، مبيّناً أن "تونس اكتفت بمجرد تصريحات من وزير المالية (سليم شاكر) وبعض المسؤولين".
من جهتها، ترى النائبة عن "الجبهة الشعبية"، مباركة عواينية، أنّ "الفضيحة ثقيلة، والمفروض في دولة مستقلة أن يتعهّد القضاء بالملف، فلا أحد فوق القانون". وفي حديثٍ لـ"العربي الجديد"، تأمل عواينية، في أن "تكون هناك جدية في التحقيقات وفي تناول القضاء للملف، لكنها تشعر بخيبة أمل مسبقاً".
أما القيادي في حزب "حراك تونس الإرادة"، عدنان منصر، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "الأخطر من ذلك هو التمويل الأجنبي الذي يهدد استقلالية القرار السياسي"، مشيراً إلى أنّه "بناء على الوثائق فإن المضمون الوحيد المنشور، متعلق بأحد مستشاري السبسي، محسن مرزوق، والذي ورد اسمه ضمن هذه الوثائق". ويضيف منصر أن "القرصنة تهدف إلى نشر الإشاعة والتغطية على المتورطين الحقيقيين، خصوصاً أن الوثائق المسرّبة لا زالت محل جدل واسع ليس في تونس فقط، بل في العالم ككل". ويرى بأنّ "الشائعة التي حاولت إقحام اسم الرئيس السابق المنصف المرزوقي، تُظهر أن هناك تخوّفاً حقيقياً من اسم المرزوقي، ومن مشروعه السياسي، وما عُرف عنه من سمعة طيبة".