الثائرون بالألسنة والشتائم

21 مايو 2014
+ الخط -
في المرحلة التي تلت الانقلاب العسكري في مصر، ازداد العتب عليّ من أصدقاء وأقارب كثيرين، لاستخدامي ألفاظاً وشتائم تصنف في خانة "البذاءة" أحياناً، تجاه النظام الحاكم في مصر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وكان تبريري أن شيوع ثقافة إهانة الحكام والسلطة على يد العامة وذيوعها أولى الخطوات الفعلية في سبيل إسقاط النظام.
السخرية والشتائم والعنف اللفظي أقدم وسائل الاحتجاج السلمي عبر الأزمان، فإسقاط الحاكم في نفوس الناس الخطوة الأهم والأقوى والأصعب لإسقاطه ميدانيا، فالسباب السياسي، في نظري، ليس سوى عمل ثوري بامتياز، والثورة، بطبيعة الحال عمل استثنائي خارج دائرة القوانين والدساتير المكتوبة.
 قد لا يكون هذا التعليل مقنعاً لكثيرين، فما هو المردود الإيجابي الذي يمكن أن تؤديه الشتائم سوى أنها تفريغ وقتي لشحنة غضب لا يقدم ولا يؤخر، فـ"الشتيمة مبتلزقش" كما يقال في لغتنا الدارجة. وماذا يمكن أن تفعل بشتائمك سوى أن تؤذي مسامع من حولك ومشاعرهم، وتؤذي نفسك، أيضا، وقد يقول قائل "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ..".
لست في حاجة هنا للبحث عن مسوغ ديني، أو أخلاقي، أو تأصيل شرعي لشرعنة السباب أو مآلاته، لكن متتبع المسار الثوري والسياسي في مصر يلاحظ أن سقوط حسني مبارك لم يتأتى سوى بعد ثورة "لسانية" و"قلمية"، نسبة إلى دور اللسان والقلم في الفضاء الإلكتروني، وعلى الأرض في نقد النظام بشكل لاذع، بل إن "التنكيت" على الرئيس وابنه ووريثه "جيمي" وزوجته "سوزان"، وإهانته من العامة وسائقي سيارات الأجرة وحتى الصغار أصبح سمة ملحوظة في المدن والقرى المصرية، في طول البلاد وعرضها في السنوات التي سبقت اندلاع شرارة الثورة، وهو مؤشر خطير على قرب انهيار السلطة، فيما كان يفسره بعضهم  باستهتار على أنه من باب "خليهم يتسلوا".
ولم يكن محمد مرسي أحسن حظاً من سابقه، فقد استقبل الكرسي بسيل من السخرية في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فهو الرئيس "الاستبن" و"الطرطور" و"خروف المرشد" وهلم جرا، إذا انقطعت الكهرباء، أو شحت المياه أو اصطف الناس على طوابير البنزين والسولار، فـ"منك لله يا مرسي انتا والخرفان".
وكانت لحلقات برنامج البرنامج للساخر باسم يوسف أيضا دور كبير في إثارة كم هائل من السخرية السياسية، تعليقا على خطابات الرئيس التي لا تنتهي، ما أثار حفيظة مؤيديه، فانبرت قنوات دينية للدفاع عن الرئيس والهجوم المنظم على "الأراجوز"، أو "باسم سوستة" كما أسماه بعضهم.
هذه المقدمة أراها ضرورية للحديث عن الهاشتاج أو الوسم الذي يصنف بأنه مسيء لعبدالفتاح السيسي، لاعتبارات عديدة، في مقدمتها هالة القداسة التي يحطيها به أنصاره، كونه عسكريا فأي انتقاد له أو لغيره من منسوبي المؤسسة العسكرية هدم للجيش وعداء للوطن وخيانة لترابه، ثم إن ذيوع المشاركة على هذا النحو الذي تخطى الفضاء الإلكتروني، على الرغم مما حقق فيه من سابقة فريدة، مؤشر جد مهم على انكسار الخوف، في أثناء القبضة الأمنية الشديدة، وحالات القمع غير المسبوقة، بالإضافة إلى أن المتأمل في اللفظ المستخدم في الهاشتاج نفسه يلحظ كم الانفعال والحقن والإحساس بالقهر، وأيضا الخديعة، لكثيرين رحبوا بأحداث 30 يونيو/حزيران 2013، ثم ما لبثوا أن عضوا الأنامل، ولا يزالون منذ الثالث من يوليو/تموز الماضي، ولعل النقطة التي أفاضت الكأس لدى البقية من مؤيدي الثورة ممن كانوا يتابعون المشهد في صمت، أو توجس، إعلان السيسي ترشحه للرئاسة في بزته العسكرية.
وليس من المبالغة القول بأن الهاشتاج المصنف مسيئاً للسيسي هو الخطوة الأولى في سبيل لم شمل الصف الثوري، بأطيافه المتباعدة المتناثرة المتناقضة المتنافرة، من جديد، بعدما سقطت أوراق التوت عن سوءات الجميع، لكن الطريق أيضا ما يزال طويلاً وطويلاً جدا.  
 
 
 
 
 
7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
عمر غازي (مصر)
عمر غازي (مصر)