مصر.. حين يعلو الصمت

17 سبتمبر 2014
+ الخط -

يتجه باحثون ومختصون كثيرون والمراقبون لقياس اتجاهات الرأي العام في أي من البلدان إلى أعمدة الرأي في الصحف وبرامج "التوك شو" في الفضائيات، وربما إلى الأعمال الإبداعية، وهو ما قد يواجه انتقادات باعتباره مقياساً غير دقيق لاحتمالات التسييس والتوجيه الاستخباراتي وأحادية الرؤية أو ذاتيتها، فيما يعتمد فريق آخر على قنوات الإعلام الجديد، "السوشيال ميديا"، كانعكاس لنبض الواقع، وهي، أيضاً، مهما اتّسعت رقعتها تظلّ نخبوية.

في المقابل، يرى آخرون أن الشارع والمقهى ووسائل النقل الجماعي والتجمعات الشعبية هي الترمومتر، أو المقياس الأكثر دقة وواقعية. ويبقى مصطلح الرأي العام، في حد ذاته، فضفاضاً ونسبياً، فلا رأي عام واحداً أو دائماً، وهناك ما قد يصدر بشكل عفوي أو مؤقت، فما يمكن أن يطلق عليه رأياً عاماً نتيجة اتفاق وجهات النظر وتقارب الشعور السائد إزاء موقف أو مشكلة من المشكلات في منطقة أو طبقة أو جماعة معينة، لا يمكن اعتباره كذلك في منطقة أو طبقة أو جماعة أخرى من المجتمع نفسه.

وإذا كان الرأي العام يتم بالتعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة في وقت معين، فإن الصمت والتجاهل والسلبية تشكل رأياً عاماً في حالاتٍ كثيرة، وهو ما يفقد وسائل الإعلام دقتها في التعبير عن الرأي العام، إذ ليس بالضرورة ما يبرزه الإعلام ويسلّط الضوء عليه هو ما يعكس وجهات النظر السائدة.

هذه المقدمة تبدو ضرورية لمَن يحاول التقاط الصورة من منبعها، مع التأكيد على أنه لا يمكن الحكم على عينةٍ من المواقف مهما اتسعت، أو تم تعميمها، لكنها تعطي مؤشراً لنبض الشارع، وتحمل دلالاتٍ مع مقارنة المواقف بين الوضع القائم في مصر والفترة التي أعقبت ثورة يناير إبان حكم المجلس العسكري، إذ كان الجميع يخوض في السياسة بنهم، وبلا تحفظ أو مواربة.

بعد ثلاثة أعوام من حالة السيولة السياسية، من السهل أن يلاحظ الزائر محاولة الغالبية من سائقي التاكسي والغرباء تجنّب ذكر اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي صريحاً، سواء في معرض الذم أو المدح أو الامتعاض، أو الحديث الصريح عن النزاع القائم على السلطة في البلاد، أو محاولة مقارنة الأوضاع بما كانت عليه في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، وكثيراً ما تلاحظ عدم إفصاح كثيرين عن آرائهم السياسية وإيثارهم الظهور بمظهر الحياد في البداية، إلى حين الاطمئنان إلى الشخص الذي يتحدث إليهم، وإلى أنه يوافقهم الرأي، تأييداً أو معارضة، على نحو لم يكن موجوداً، حتى بالمقارنة مع السنوات الأخيرة من عهد الرئيس حسني مبارك، إذ كان من الوارد جداً تبادل النكات والقفشات حول الرئيس والحكومة والنظام، ولا تحتاج إلى عناء كثير حتى تحصل على "فضفضة" المواطن "الغلبان" المليئة بالشتائم والسباب.
 
الصمت أو التحفّظ أو التجاهل ليست مؤشرات إيجابية، بل ربما تكون لها انعكاساتها الخطيرة مستقبلاً، فـ"دوامة الصمت"، تمثّل إحدى نظريات التأثير طويل المدى على المجتمع وثقافة أفراده، بحسب الباحثة الألمانية نيوهان نويل، التي قدمت نظريتها في كتاب أصدرته عام 1980 بعنوان: "دوامة الصمت: الرأي العام باعتباره جلدنا الاجتماعي".

فحين ننظر إلى الموضوع من وجهة نظر أخرى، بعيدة عن فضاء الحريات والمخاوف الأمنية، نجد أن سعي الأفراد إلى القبول العام، والخوف من العزلة المجتمعية، يدفعهم إلى عدم الإعلان عن بعض آرائهم التي يشعرون أنها لا تحظى بموافقة الأغلبية، أو تجعلهم محط انتقاد من المجتمع. إذ الغالبية العظمى من الأفراد، على اختلاف مستوياتهم العلمية، يعتمدون على وسائل الاعلام في معرفة اتجاهات الرأي السائدة، ومن ثم يقررون ما إذا كانوا قادرين على التعبير عن مواقفهم أم لا، فإذا أدركوا من مراقبتهم البيئة المحيطة أن الآراء الخاصة بهم تحظى بالقبول العام، فإنهم يعبّرون عنها بثقة، وإذا أيقنوا عكس ذلك، فخوفهم من العزلة الاجتماعية يجعلهم يميلون إلى الصمت واتباع الأغلبية، في محاولة للتوحد معها، وتبني الرأي العام السائد في المجتمع، والذي تعمل وسائل الإعلام على تغذيته. وهنا، يكمن السؤال: هل يكون الصمت بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، وتعود جذوة الثورة إلى الاشتعال؟ أم أنه الصمت المميت الذي تتكسّر على شاطئه الأحلام والأمنيات؟

7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
7D276E38-CB57-42CB-BB9F-F2A89365B1C3
عمر غازي (مصر)
عمر غازي (مصر)