في مفاجأة جديدة، قال رئيس حكومة الأزمة، عبد الله الثني، في مؤتمر صحافي، اليوم الإثنين، إنه يقبل بجولة جديدة من المفاوضات على ما أسماها "أسساً" برعاية سودانية. وكأن الثني، من جهة أخرى بحسب المحللين، يتحلل من شروطه الخمسة التي أبلغها للمبعوث الخاص للأمم المتحدة برناردينو ليون، والتي تمثلت في الاعتراف بشرعية مجلس النواب في طبرق والحكومة المنبثقة عنه، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، والقبول بمبدأ محاربة الإرهاب وتقديم كل من ارتكب أعمالاً إجرامية إلى العدالة، وسحب المجموعات المسلحة من العاصمة طرابلس، وتمكين أجهزة الأمن الرسمية من بسط السيطرة، ورجوع الحكومة الشرعية إليها.
ويمكن اعتبار أن شروط الثني الخمسة التي أبلغها لليون، لم تكن شروطه هو للدخول في مفاوضات مع المؤتمر الوطني العام، الذي يمثل الواجهة السياسية للعملية العسكرية التي عرفت بـ"فجر ليبيا"، بل كانت شروط مجلس النواب الليبي، وهي تمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن يجمع المصالح المشتركة لتيار "عملية الكرامة" بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ولحزب "تحالف القوى الوطنية" برئاسة محمود جبريل.
ولم يضع الثني، في تصريحاته شروطاً أو لم يصرح بها والتي ستقوم على إدارتها دولة السودان، وهو ما يعطي مؤشراً إيجابيا كمدخل في أية عملية تفاوضية سياسية، إذ يرى المتابعون أن الثني، يعلم أن شروطه الخمسة في نهاية المطاف لن تفضي إلى عملية سياسية تفاوضية، بل يمكن أن تؤدي إلى خروجه من المشهد الليبي من أوسع أبوابه.
لذا وبحسب وجهة النظر هذه فإن الثني يبحث لنفسه عن دور يجعله بشكل دائم ضمن دائرة التفاوض والحوار السياسي، واختار السودان التي تتمتع بعلاقات جيدة مع طرفي الصراع الليبي، والتي دخلت على خط الأزمة الليبية كوسيط بعد حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية القاضي بعدم دستورية مجلس النواب الليبي، إذ زار وزير الخارجية السوداني بعد الحكم بأيام قليلة العاصمة الليبية، طرابلس، ومدينة طبرق شرقي ليبيا مقر مجلس النواب الليبي المنحل.
ترى الدبلوماسية السودانية أنها من أكثر اللاعبين الإقليميين قدرة على لعب دور الوساطة بين أطراف الأزمة الليبية، بسبب علاقاتها الإقليمية الجيدة مع المتدخلين في الأزمة الليبية كمصر، حيث أن الجزائر كوسيط تعاني دبلوماسيته من نقص كبير في هذا الجانب نتيجة ارتباطات مجلس النواب الليبي بالسياسة المصرية الجديدة، في عهد الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي.
إلا ان السودان تعاني داخلياً من صراع أجنحة من زاوية طرق التعامل مع ليبيا، ففي الوقت الذي تتفهم فيه مؤسسات الدولة السودانية الرسمية، كوزارة الخارجية ومؤسسة الرئاسة، دوافع وأسباب عملية "فجر ليبيا" والحروب الدائرة في شرق ليبيا وغربها، يرى جهاز الاستخبارات العامة السودانية أن يدخل على خط فتح مجال للتعاون مع حفتر، وذلك بحسب وجهة نظر سائدة لدى بعض مؤيدي "فجر ليبيا"، مستدلين بتسليم السودان عن طريق جهاز استخباراتها طائرتين ليبيتين كانتا تحت الصيانة في السودان، إلا أنهما بحسب خبير عسكري تحتاجان إلى وقت طويل حتى تدخلا في الخدمة العسكرية، وهو ما جعل بعض الأطراف المحسوبة على المؤتمر الوطني العام تتخوف من صراع الأجنحة الداخلية السودانية على مصير أية مفاوضات تكون بوساطة سودانية.