استمرار البطالة يهدد الثورة التونسية وشعارها الأساسي
كانت البطالة التي أوصلت محمد البوعزيزي إلى إضرام النار في جسده، بعدما أَحْكَمَ اليأس سيطرته عليه، الدافع الرئيسي لقيام الثورة التونسية في 17 كانون الثاني/يناير عام 2010، والتي حملت اسم ثورة الحرية والكرامة. بعدها، مرّت الثورة بمراحل كثيرة وأنتجت حكماً لم يلبّ طموحات الشعب التونسي. على العكس، تقمّصت السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي اعتمدها النظام السابق في وجوه جديدة، زادت الأوضاع سوءاً، حتى إن البعض لا ينكر حنينه إلى حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق الثورة، هل لبّت طموحات ثوارها الذين انتفضوا لتغيير واقعهم الاجتماعي والاقتصادي؟ وهل سارت البلاد في المنحى الذي أرادوه؟ بداية، يصف الباحث في علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد المشهد في تونس خلال السنوات الثلاث الأخيرة بـ "المعجزة" التي خرقتها سلسلة تجاوزات لا يتردّد في اعتبارها "فضيحة". ويضيف أن "الأعمال الإرهابية، والاعتداءات من قبل قوات الأمن والميليشيات على المواطنين، وموجة الاغتيالات التي أعقبت انطلاقة الثورة السلمية هذه، والتي طاولت عدداً من الوجوه البارزة بينها المنسّق الجهوي لحركة نداء تونس لطفي نقض، والعضو السابق في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي شكري بلعيد، وعضو المجلس الوطني التأسيسي لحزب التيار الشعبي محمد البراهمي، شكلت فاجعة للشعب التونسي".
ويلفت بلحاج محمد أيضاً إلى التضييق المتعمد على الإعلاميين و"استكمال" ممارسات التعذيب، ليبدو أن النظام المخلوع عاد وانتقم لنفسه. ويضيف أن شعار "شغل كرامة" الذي طبع الثورة سقط بعدما "ازداد عدد العاطلين من العمل والمهمشين، عدا عن سياسة التفقير الناتجة عن اعتماد سياسات اجتماعية واقتصادية خاطئة، إضافة إلى تفشي الفساد المالي والإداري". ممارساتٌ أدت إلى "تراجع صورة تونس في الخارج، لتصبح نموذجاً للإرهاب والفشل الاقتصادي والمشاكل الأمنية وسوء الإدارة السياسية. فيما أُصيب التونسيون بخيبة أمل كبيرة في ثورتهم وطبقتهم السياسية، وزاد قلقهم على مستقبلهم".
الطبقة الوسطى تتقلّص
اعتاد التونسيّون على الاقتراض من المصارف لشراء منزل أو عقار، وبالتالي تأمين مستقبلهم. لكنهم باتوا اليوم ضحايا الدَّين، الذي يساعدهم فقط في التغلب على الصعوبات الاقتصادية اليومية. وفي السياق، يرى بلحاج محمد أن "الطبقة الوسطى تتقلّص شيئاً فشيئاً حتى باتت لا تتجاوز الـ 50 في المئة، بعدما كانت تشكل نسبة 80 في المئة خلال السبعينات من القرن الماضي". ويضيف أن "العمل على تفقيرها سيحولها إلى عبء اقتصادي، بعدما كانت تلبي احتياجاتها واحتياجات الطبقات الأدنى منها". ويعزو السبب إلى ارتفاع نسبة التداين التي كرستها السياسات المصرفية".
سوء تغذية
يشير تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن مليون و287 ألف تونسي يعانون من سوء التغذية، وهو رقم تضاعف خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن مليون و900 ألف تونسي يعجزون عن تحصيل قوتهم اليومي، وأن 45 في المئة من موظفي الدولة فقراء. ويعزو بلحاج محمد هذه الأرقام إلى "الخيارات الاقتصادية الخاطئة والمجحفة التي انتهجها النظام السابق، والقائمة على تحرير الاقتصاد واعتماد اقتصاد السوق الذي لا يؤمّن التوزيع العادل للثروات". ويضيف أن "ضعف مؤسسات الدولة حالياً ساهم في زيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار بنسبة 6 في المئة تقريباً، بسبب بروز ظاهرة التهريب، وتراجع سعر الدينار أمام العملات الأجنبية، إلى جانب السياسة النقدية للبنك المركزي".
ويتابع بلحاج محمد أن "البطالة في تونس وصلت بعد الثورة إلى مستويات قياسية شملت القطاعات الهشة والطبقات الضعيفة، وباتت نسبة العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات 33 في المئة، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية، فيما لم يستفد من الدعم الحكومي إلا 13 في المئة من الفقراء". في المقابل، يقول إن "نسبة الأثرياء زادت بنسبة 16 في المئة، بسبب تسلم حزب محافظ ثقافيا واقتصاديا الحكم، وتبنيه اقتصاد السوق". هكذا غرق التونسيون في مزيد من اليأس.