احتفل ناشطون وأهالي الأحياء والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلّحة، شمال وشرق وجنوب مدينة حلب، بالذكرى السنوية الخامسة لانطلاق الثورة السورية ضد نظام الرئيس، بشار الأسد، عام 2011. وتزامن ذلك مع عودة التظاهرات السلمية إلى شوارع المدينة، بعد تراجعها بشكل كبير وملحوظ في الأشهر الأخيرة، مع تصاعد وتيرة قصف قوات النظام أحياء المدينة وريفها، ودخول الطيران الروسي على خط قصف هذه المناطق، وتصاعد المواجهات المسلحة في المدينة وريفها، الأمر الذي زاد بشكل كبير من أعداد النازحين الخارجين من بيوتهم في حلب وريفها.
وتدخل حلب عام الثورة السورية السادس، بعد أن تقطّعت أوصال سكانها، الذين باتوا مضطرين للتأقلم مع واقع تقاسم أربعة أطراف متنازعة السيطرة على مناطق حلب وريفها، وهي النظام السوري والمعارضة السورية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وقوات "حماية الشعب الكردية"، المنضوية فيما يسمى بـ"قوات سورية الديمقراطية".
ولم يفت ذلك من عضد المعارضة في المدينة وريفها، بل تواصل العمل في تشكيلاتها العسكرية والمدنية لحماية المناطق التي تسيطر عليها ولخدمة سكانها. وتقع الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب حالياً، تحت خطر وقوعها في حصار كامل بأي لحظة مع اقتراب قوات النظام السوري شمالاً من طريق الكاستلو، الذي بات يعتبر خط إمداد المعارضة إلى المدينة. كما يتزامن ذلك مع استمرار هجمات قوات "حماية الشعب" المتمركزة في حي الشيخ مقصود، شمال حلب، على أحياء الأشرفية والبني زيد والسكن الشبابي المطلّة على طريق الكاستلو.
ودخل سكان حلب وريفها، في الشهر الماضي، في وضع صعب على المستوى الإنساني، مع تقدم قوات النظام شمال المدينة وفصلها مناطق سيطرة المعارضة هناك عن مناطق سيطرتها في حلب وريفيها الغربي والجنوبي.
دفع ذلك نحو خمسين ألفاً من سكان ريف حلب الشمالي إلى النزوح نحو مدينة إعزاز والحدود السورية التركية القريبة، إلا أن هؤلاء النازحين لم يفوّتوا، خلال الأيام الماضية، فرصة العودة للتظاهرات المناوئة للنظام والمطالبة برحيله، وخرجوا في تظاهرات عدة في المخيمات الحدودية وفي إعزاز.
ونجحت قوات النظام في تقدمها الأخير بالاستفادة من الغطاء الجوي الروسي، لفكّ عقدة صمود ريف حلب الشمالي، واستمرار حصار قوات المعارضة بلدتي نبل والزهراء المواليتين للنظام شمال المدينة. لكن قوات المعارضة تمكنت من إفشال كل تلك المحاولات، وكان أبرزها محاولة قوات النظام التقدم بريف حلب الشمالي، في شهر فبراير/شباط من العام الماضي، التي نتج عنها تكبّد قوات النظام خسائر كبيرة في عناصرها، وصلت إلى أكثر من 150 قتيلاً ونحو مئتي أسير.
اقرأ أيضاً: تحوّلات الرقة خلال سنوات الثورة... للإبادة عناوين
ودخلت القوات الكردية على خط قتال قوات المعارضة في حلب وريفها بشكل علني وصريح بعد أن شهدت الأعوام الثلاثة الماضية اشتباكات متقطعة، بينها فواصل زمنية كبيرة نسبياً بين الطرفين. كما استفادت القوات الكردية بالاشتراك مع بعض المجموعات الصغيرة المتحالفة مع المعارضة، بالاستفادة من الغطاء الجوي الروسي أيضاً، لتتقدم على مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب الشمالي، وتسيطر على بلدة منغ ومطارها العسكري، وعلى مدينة تل رفعت القريبة وعلى نحو 20 قرية في المنطقة الواقعة إلى الشمال من حلب. وجرى ذلك بالتوازي مع تواصل المواجهات بين قوات المعارضة والقوات الكردية، في محيط حي الشيخ مقصود الذي تسيطر عليه القوات الكردية.
ولم تغب المواجهة المسلحة المستمرة بين قوات المعارضة وقوات "داعش" عن المشهد الحلبي في الأشهر الأخيرة، إذ تمكنت قوات المعارضة على الرغم من الضغط الكبير الذي تواجهه، من استعادة قرى عدة بريف حلب الشمالي، من يد "داعش"، وذلك بالاستفادة بالدرجة الأولى من أسبوعي الهدنة الماضيين بينها وبين قوات النظام.
وأمام هذا المشهد الميداني المعقّد تقف قوى الثورة في حلب، أمام تحدي الحفاظ على مناطق سيطرتها في المدينة وريفها، وتحدّي منع قوات النظام أو القوات الكردية، من فرض حصار على مناطق سيطرة المعارضة في حلب، وذلك قبل أن تفكر الأخيرة باستعادة المناطق التي خسرتها لصالح القوات الكردية وقوات النظام في الريف الشمالي، ولصالح النظام في الريف الجنوبي في وقت سابق.
كما تواجه المعارضة في حلب تحديات مواجهة قوى التطرف، وعلى رأسها "جبهة النصرة"، الذي بات يحاول، خلال الأشهر الماضية، التواجد بشكل علني في مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها الغربي، على الرغم من رفض السكان وفصائل المعارضة المحلية المتمثلة بـ"كتائب الجيش الحر" وجوده.
ولن يكون من السهل على المعارضة القيام بكل هذه التحديات، في حال لم تغيّر القوى الإقليمية والدولية الداعمة للثورة السورية، من استراتيجياتها، وتقدّم دعماً أكبر للمعارضة في حلب. أما على المستوى الإداري والخدمي، فتظهر أمام قوى الثورة تحديات القيام بواجب رعاية عشرات آلاف النازحين المتجمّعين على الحدود التركية السورية، مع استمرار إغلاق تركيا حدودها في وجوههم، فضلاً عن تقديم الخدمات لسكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب وريفها.
وكانت الهيئة العامة لمجلس محافظة حلب التابع للمعارضة قد انتخبت، قبل أيام قليلة، مجلساً جديداً لمحافظة حلب، مكوّناً من 41 عضواً مقسمين تمثيلياً إلى ممثلين عن مدينة حلب، وممثلين عن مناطق أريافها الشمالية والشرقية والجنوبية والغربية.
في كل الأحوال لن يكون من السهل على قوى المعارضة، تناسي الخسائر الكبيرة التي تكبدتها نتيجة التصاعد المستمر في الصراع مع النظام و"داعش" والقوات الكردية، وسيكون ذلك بلا شك حافزاً لهذه القوى على مواصلة العمل لتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في إسقاط نظام الأسد واستبداله بنظام حكم مدني تعددي وإنهاء معاناة عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام، والقضاء على التنظيمات المتطرفة، وهي أهداف دفعت قوى الثورة والسكان في حلب وريفها ثمناً باهظاً على المستويين البشري والمادي لتحقيقها.
اقرأ أيضاً: عادوا إلى الساحات.. ثوّار سورية يريدون الحرية والكرامة