الثورة السورية والاصطفافات

28 مايو 2016
+ الخط -
عمل النظام السوري أربعة عقود على تعزيز الهويات الدينية والمذهبية والإثنية، فلم يسع إلى الربط بين مكونات الشعب برابط اقتصادي أو ثقافي على الأقل، بل كان عمله يتجلى بجمع الضرائب والخدمة العسكرية، ما أدى إلى غياب مفهوم الوطنية ضمن منطق حدود الدولة، باعتبار الوطنية قائمةً على الاندماج والتكامل الاجتماعي.
مع انطلاق الثورة، عمل النظام على تفعيل الطائفية، وتحويل الثورة من شعبية سلمية إلى ثورة مسلحة، وإلى "الاقتتال الطائفي"، حيث عمل على إدخال الميلشيات الطائفية الشيعية من ايران والعراق وحزب الله والميلشيات الأفغانية، ناهيك عن قيامه بأعمال قصف وإبادة بحق المناطق ذات الغالبية السكانية السنية، وإرسال المفخخات إلى المناطق ذات الغالبية العلوية ومناطق الأقليات الأخرى وتفجيرها، وادعائه أنها قادمة من المناطق السنية، ما ولد حالة احتقان وردات فعل من الطرفين. وهنا، استطاع النظام كسب تأييد الأقليات، بدعوى حمايتهم من الثورة السورية، التي يقوم بها "الإرهابيون"، وربط مصير الأقليات بمصيره، وبالتالي، شهدت الساحة السورية اصطفافات عدة، سواء على المستوى الداخلي المحلي أو المستوى الإقليمي والدولي. فعلى المستوى المحلي الداخلي، وجد السوريون أنفسهم أمام الاصطفاف خلف واحدةٍ من القوى الأربعة، وهي:
قوات النظام السوري، حيث عمل النظام على جمع الأقليات خلفه لمواجهة الثورة، والاستعانة بالميليشيات الطائفية، واستخدامه شتى أنواع الأسلحة بحق مخالفيه. قوات الجيش الحر، وغالبية أفرادها من الطائفة السنية، وبعض الطوائف والمكونات السورية الأخرى، والتي هدفها إنشاء الدولة الوطنية التي لاتقبل التجزئة والتقسيم. القوات الكردية، وغالبية أفرادها من القومية الكردية، وهدفها تأسيس كيان كردي خاص بهم، وإعلانهم حكما ذاتيا، بالرغم من معارضة قسم كبير من الأكراد لهم، ووقوفهم إلى جانب قوات الجيش الحر. الفصائل الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة أو المنشقة عنه أو المستقلة، والتي هدفها تأسيس الخلافة الإسلامية أو الإمارة الإسلامية، والتي أغلب عناصرها من الأجانب "المهاجرين" والقليل من السوريين "الأنصار".
في مقابل هذه الاصطفافات المحلية، هنالك اصطفافات إقليمية ودولية تدعم الاصطفافات المحلية، بشكل مباشر أو غير مباشر وهي:
النظام السوري، الذي تصطف خلفه كل من روسيا وإيران وحزب الله، والتي تعمل على إمداده بالسلاح والمعدات والمقاتلين والدعم الجوي وإقامة القواعد العسكرية، وتعطيل القرارات في مجلس الأمن والأمم المتحدة. الجيش الحر، وتصطف خلفه بشكل أساسي قطر وتركيا والسعودية، داعمة إياه بالسلاح والمعدات، بالإضافة إلى الدعم الأميركي المحدود، والذي يقتصر على المساعدات الإنسانية غير الفتاكة. القوات الكردية التي يصطف خلفها تياران، روسيا والنظام السوري، اللذان يعملان على إنشاء حلف مشترك لمواجهة الجيش الحر عبر الإسناد الجوي والدعم العسكري والاستطلاع من جهة، والولايات المتحدة الأميركية، بإقامة القواعد العسكرية، كقاعدة رميلان والغطاء الجوي من قوات التحالف الدولي الذي تمثل الولايات المتحدة الأميركية جزءا كبيرا منه من جهة أخرى، بالإضافة للدعم غير المحدود من حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل مركزا له. الفصائل الإسلامية، التي تصطف خلفها أو بعض منها تنظيم القاعدة، الذي يعمل بشكل مستقل اعتمادا على الموارد المحلية المتوفرة في المناطق التي يسيطر عليها وبيع النفط والغاز والكهرباء وغيره للنظام السوري .
مما سبق، نلاحظ أن أمام السوريين حلاً وحيداً للخروج من هذه الاصطفافات، هو إسقاط النظام بالمرتبة الأولى، وإقامة الدولة الوطنية القائمة على أساس مدني، والتي تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات بعيداً عن الطائفية والقومية، وهذا هو الحل الأفضل للخروج من هذه الدوامة المغلقة، والتي تدعمها الدول البراغماتية.
28AC53C3-A990-4784-871A-04072AC363B2
28AC53C3-A990-4784-871A-04072AC363B2
هاني أحمد (سورية)
هاني أحمد (سورية)