14 نوفمبر 2016
الثورة السورية وانْقلاب "المصطلح"
انقلبت المصطلحات المتداولة في الثورة السورية سريعاً من مصطلحات حديثة، كتسمية "ثورة الحرية والكرامة"، إلى مصطلحات سلفية إسلامية، احتلت، تقريباً، كل الفضاء الفكري والسياسي والسلوكي في الثورة.
تاريخياً، مارست كل الشعوب الاستيلاء على مقدرات العدو عند هزيمته، لكن الغنيمة لدى العرب والمسلمين بقيت جزءاً عظيماً من مصادر القوة في أثناء الحروب. وفي العصر الحديث لم يعد للاستيلاء على موارد العدو شكله القديم. ولم يعد "قانونياً" الاستيلاء على الممتلكات الخاصة، وما إلى ذلك. تقنْون سلوك المنتصر، وما عاد له مطلق الحرية في اغتنام كل شيء، كما الحال في ممارسة الجهاديين في سورية.
معلومٌ أن القرآن الكريم قسم الغنيمة لخمسة أخماس (واعْلَمُوا أنَّما غَنِمتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنّ للَّهِ خُمْسَهُ ولِلرَّسُول ولِذي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِيْنِ وابَّنِ السَّبِيْلِ) (الأنفال 41). الأول للرسول أو بيت مال المسلمين واليتامى والفقراء وأبناء السبيل، والأربعة الأخماس الباقية توزع على من "حضر الوقيعة". ولذلك، يُحرم الجهاديّ الذي لم يحضر المعركة من نصيبه.
خلال الستة أشهر الأولى من الثورة، نفدتْ مدخرات الثوار المدنيين ومؤيديهم، وظهرت الحاجة ماسّة للدعم. وفي هذه المرحلة، أيضاً، كان النظام يدخل المدنيين والعلمانيين السجونَ ويُخرج الإسلاميين. وكان سلفيو الخليج الأكثر جاهزية للدعم المالي، مع اشتراط اسم كتيبة إسلامي (!).
ظلّ الجيش الحر ذو التوجه "العلماني" الأقوى، إلى أن بدأت حاجته للمال تطغى وتكبر. تصرفت كتائب منه بخجل ببعض المنشآت والمقدرات التي استولت عليها، وعمّ الشارعَ فيضٌ من الانتقادات، واعتبر الجيش الحر في مناطق كثيرة سارقاً "حرامي". وكان للإسلاميين دور كبير في تثبيت هذه الفكرة.
كان الإسلاميون الجهاديون، كالنصرة وتنظيم الدولة فيما بعد، وحتى أحرار الشام، الأكثر تنظيما. تنظيماتهم تغطي المحافظات السورية، وتفيض إلى العراق وتركيا ولبنان والأردن إلى حد ما. بينما كان ومازال الجيش الحر كتائب محلية مناطقية غير موحدة.
ليس المال الخليجي، ولا أي دعم جاء من الخارج هو الحاسم في القوة التي ظهرت وتظهر عليها التنظيمات الجهادية أبداً. وإنما هي "الغنيمة".
أمثلة: باكراً في النصف الأول من عام 2013 جرى "تحرير" الرقة من إسلاميين جهاديين هم النصرة وأحرار الشام، إضافة إلى كتائب جيش حر محلية. كان واضحاً مآل الأمور من الصراع في المصطلح بين "فتح" و"تحرير"، وكان واضحاً أيضاً لمن الغلبة. اعتبرت منشآت "الدولة" غنيمة، فالدولة كافرة. وكان أن أُفرغت البنوك من الأموال على أنها غنيمة، حتى ودائع ومدخرات المواطنين. ومن المعروف أن "أحرار الشام" موّلت لشهور عملياتها ووزعت غنائم على مقاتليها من أموال بنوك الرقة، وكذلك النصرة ومن ثم داعش. "اغتُنمت" أو نُهبت كل الآليات الثقيلة في الشركات الكبيرة، مثل ساريكو ومشاريع الفرات. واعتبرت كل الدوائر وما فيها من أثاث غنيمة، وكذلك المتحف ومحتوياته وبيعت في تركيا.
في دير الزور، اعتبر البترول غنيمة من النصرة ومن تنظيم الدولة بعدها. ومن المعروف أن البترول يمول جانباً مهماً من ميزانية داعش الآن.
والغنيمة الكبرى، والتي موّلت الفصائل الجهادية، وجعلت منها الأقوى، هي "اغتنام" ونهب الحبوب وبيعها، فقد نهبت أهراءات الحبوب كلها، ومثلها مخازن الذرة الصفراء. والأنكى أن بيع الغنيمة و "الاتجار" بها جرى ويجري مع الأعداء المعلنين للإسلاميين الجهاديين، أي النظام والكرد وحكومة العراق وتركيا.
وفي نقلة أكثر دلالة، شرع تنظيم الدولة، بعد سيطرته على المناطق الشرقية والشمالية في سورية، بالاستيلاء على العقارات والبيوت والمحلات التي غاب عنها مالكوها واعتبرت فَيْئاً. وكتب على جدرانها "أموال مسلمين". وأُسْكن في البيوت مهاجرون ومجاهدون، وهو أمر يمكن مقارنته بـ"قانون" أملاك الغائبين الإسرائيلي.
السؤال المركزي الذي يُبيّن كيف قويت المنظمات الجهادية على حساب الحراك المدني والجيش الحر، يمكن أن يُصاغ بالشكل التالي: أي المنظمات أكثر إغراءً لشاب سوري مفلس بلا أمل، ولا مستقبل، وتعاني عائلته ما تعاني، الجيش حر مفلس أيضاً ولحراكٍ مدني أكثر إفلاساً ينتمي، أم إلى فصائل إسلامية تؤمّن له أن يغتنم وأن يُغِلّ وأن يعيش وعائلته وبالشرع؟
باختصار، اعتَبرت الفصائل الإسلامية "الدولةَ" كافرةً، وكل ما لها يعتبر غنيمة حرب، ومن ثم ومع ازدياد القوة وتنفيذ سياسة السيطرة والتمكين، اعتبر المجتمع هو الآخر كافراً. ولذلك، سمعنا من جهاديين أجانب الكلامَ "الأصل في أهل الشام (سورية) الكفر"، ما يعني أن ما يحصل هو فتح، وأن كل شيء في سورية غنيمة أو فيْءٌ.
الغنيمة هي عصب و"دينامو" القوة لدى المنظمات الجهادية.
معلومٌ أن القرآن الكريم قسم الغنيمة لخمسة أخماس (واعْلَمُوا أنَّما غَنِمتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنّ للَّهِ خُمْسَهُ ولِلرَّسُول ولِذي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِيْنِ وابَّنِ السَّبِيْلِ) (الأنفال 41). الأول للرسول أو بيت مال المسلمين واليتامى والفقراء وأبناء السبيل، والأربعة الأخماس الباقية توزع على من "حضر الوقيعة". ولذلك، يُحرم الجهاديّ الذي لم يحضر المعركة من نصيبه.
خلال الستة أشهر الأولى من الثورة، نفدتْ مدخرات الثوار المدنيين ومؤيديهم، وظهرت الحاجة ماسّة للدعم. وفي هذه المرحلة، أيضاً، كان النظام يدخل المدنيين والعلمانيين السجونَ ويُخرج الإسلاميين. وكان سلفيو الخليج الأكثر جاهزية للدعم المالي، مع اشتراط اسم كتيبة إسلامي (!).
ظلّ الجيش الحر ذو التوجه "العلماني" الأقوى، إلى أن بدأت حاجته للمال تطغى وتكبر. تصرفت كتائب منه بخجل ببعض المنشآت والمقدرات التي استولت عليها، وعمّ الشارعَ فيضٌ من الانتقادات، واعتبر الجيش الحر في مناطق كثيرة سارقاً "حرامي". وكان للإسلاميين دور كبير في تثبيت هذه الفكرة.
كان الإسلاميون الجهاديون، كالنصرة وتنظيم الدولة فيما بعد، وحتى أحرار الشام، الأكثر تنظيما. تنظيماتهم تغطي المحافظات السورية، وتفيض إلى العراق وتركيا ولبنان والأردن إلى حد ما. بينما كان ومازال الجيش الحر كتائب محلية مناطقية غير موحدة.
ليس المال الخليجي، ولا أي دعم جاء من الخارج هو الحاسم في القوة التي ظهرت وتظهر عليها التنظيمات الجهادية أبداً. وإنما هي "الغنيمة".
أمثلة: باكراً في النصف الأول من عام 2013 جرى "تحرير" الرقة من إسلاميين جهاديين هم النصرة وأحرار الشام، إضافة إلى كتائب جيش حر محلية. كان واضحاً مآل الأمور من الصراع في المصطلح بين "فتح" و"تحرير"، وكان واضحاً أيضاً لمن الغلبة. اعتبرت منشآت "الدولة" غنيمة، فالدولة كافرة. وكان أن أُفرغت البنوك من الأموال على أنها غنيمة، حتى ودائع ومدخرات المواطنين. ومن المعروف أن "أحرار الشام" موّلت لشهور عملياتها ووزعت غنائم على مقاتليها من أموال بنوك الرقة، وكذلك النصرة ومن ثم داعش. "اغتُنمت" أو نُهبت كل الآليات الثقيلة في الشركات الكبيرة، مثل ساريكو ومشاريع الفرات. واعتبرت كل الدوائر وما فيها من أثاث غنيمة، وكذلك المتحف ومحتوياته وبيعت في تركيا.
في دير الزور، اعتبر البترول غنيمة من النصرة ومن تنظيم الدولة بعدها. ومن المعروف أن البترول يمول جانباً مهماً من ميزانية داعش الآن.
والغنيمة الكبرى، والتي موّلت الفصائل الجهادية، وجعلت منها الأقوى، هي "اغتنام" ونهب الحبوب وبيعها، فقد نهبت أهراءات الحبوب كلها، ومثلها مخازن الذرة الصفراء. والأنكى أن بيع الغنيمة و "الاتجار" بها جرى ويجري مع الأعداء المعلنين للإسلاميين الجهاديين، أي النظام والكرد وحكومة العراق وتركيا.
وفي نقلة أكثر دلالة، شرع تنظيم الدولة، بعد سيطرته على المناطق الشرقية والشمالية في سورية، بالاستيلاء على العقارات والبيوت والمحلات التي غاب عنها مالكوها واعتبرت فَيْئاً. وكتب على جدرانها "أموال مسلمين". وأُسْكن في البيوت مهاجرون ومجاهدون، وهو أمر يمكن مقارنته بـ"قانون" أملاك الغائبين الإسرائيلي.
السؤال المركزي الذي يُبيّن كيف قويت المنظمات الجهادية على حساب الحراك المدني والجيش الحر، يمكن أن يُصاغ بالشكل التالي: أي المنظمات أكثر إغراءً لشاب سوري مفلس بلا أمل، ولا مستقبل، وتعاني عائلته ما تعاني، الجيش حر مفلس أيضاً ولحراكٍ مدني أكثر إفلاساً ينتمي، أم إلى فصائل إسلامية تؤمّن له أن يغتنم وأن يُغِلّ وأن يعيش وعائلته وبالشرع؟
باختصار، اعتَبرت الفصائل الإسلامية "الدولةَ" كافرةً، وكل ما لها يعتبر غنيمة حرب، ومن ثم ومع ازدياد القوة وتنفيذ سياسة السيطرة والتمكين، اعتبر المجتمع هو الآخر كافراً. ولذلك، سمعنا من جهاديين أجانب الكلامَ "الأصل في أهل الشام (سورية) الكفر"، ما يعني أن ما يحصل هو فتح، وأن كل شيء في سورية غنيمة أو فيْءٌ.
الغنيمة هي عصب و"دينامو" القوة لدى المنظمات الجهادية.