في عام 2010 وما قبلها من سنوات، كان المشهد الاقتصادي في مصر يبدو كالتالي: مجموعة قليلة من رجال الأعمال المقربين من نظام مبارك ونجله الأصغر يسيطرون على كل شيء، الحكومة والحزب الحاكم والمجموعة الوزارية الاقتصادية والأراضي وصفقات الخصخصة والتوكيلات التجارية وأرباح البورصة والشركات العملاقة والأسواق.
حتى البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى) ولجانه سيطر عليه هؤلاء، حيث كان عدد من كبار رجال العمال والمستثمرين يرأسون معظم اللجان، خاصة الحساسة منها مثل الموازنة والصناعة والزراعة وغيرها، وأحكم هؤلاء قبضتهم على اللجنة الاقتصادية والمالية في البرلمان، والتي كانت تمر من خلالها كل القوانين الاقتصادية والمساعدات الخارجية والاتفاقات الدولية، خاصة المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز والذهب.
كان هؤلاء الأثرياء والمليارديرات يسيطرون على الثروة والأرض والسلطة التشريعية والتنفيذية وأحياناً القضائية مقابل مزايا مالية ضخمة يمنحونها لرموز النظام بانتظام وأحياناً بالقانون.
في ذلك الوقت، كانت هناك صفقة مبرمة، لكنها غير مكتوبة، بين النظام ورجال الأعمال، الصفقة عبارة عن قيام رجال الأعمال بتمويل الحملات الانتخابية للحزب الوطني الحاكم ومؤتمراته السنوية، ومنح عمولات ورشى لبعض رموز النظام، وتوظيف أبناء دوائر أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وفي المقابل تمنحهم السلطة أراضي بالمجان أو بمقابل بسيط، وامتيازات عينية، وقوانين على مقاسهم وطبقاً لرغباتهم، وسيطرة على الأسواق وممارسة عمليات احتكار على نطاق واسع ( نموذج أحمد عز واحتكار الحديد).
اقرأ أيضاً: الإجراءات الأمنية تصيب تجار وسط القاهرة بالشلل
ساعتها كانت الغالبية العظمى من المصريين تئن تحت آهات البطالة والفقر والفساد والمحسوبية وغلاء الأسعار وتدهور البنية التحتية واختفاء الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم، وكان الهم الأول للأسرة المصرية الحصول على رغيف خبز وأنبوبة بوتاغاز وسرير في مستشفى، وكان ملايين الشباب يجلسون في المقاهي وعلى قارعة الطريق، ولا يجدون فرصة عمل، وكان بعضهم يحلم بالهجرة حتى ولو في قوارب الموت، ويتجه آخرون نحو عالم المخدرات وما أكثرهم.
وفي 2011 خرج ملايين المصريين يبحثون عن "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ويحلمون بأن تكون مصر خالية من الفساد والرشى والمحسوبية والغذاء المسرطن والخبز المسمم والمياه الملوثة، وبأن تكون ثروات مصر لأبنائها وليس لقلة من كبار المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات.
ورغم أن بعض رموز السلطة والدولة العميقة خرجوا وقتها وعقب اندلاع ثورة 25 يناير يحذرون المصريين من مجاعة محتملة ومستقبل مظلم وفقر مدقع ونفاد للسلع والقمح، وعدم تقاضي رواتبهم الشهرية، وانهيار الاقتصاد، وإفلاس الموازنة وانهيار الاحتياطي، إلا أن المصريين أصروا على استكمال ثورتهم.
ومرت سنوات خمس وجرى ما جرى من انقلاب عسكري على أعظم ثورة في التاريخ المعاصر، وعزل أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، وتصور البعض أن المصريين نسوا ثورتهم ومطالبهم المشروعة، لكن ما جرى اليوم الإثنين يؤكد أن هؤلاء عازمون على استكمال ثورتهم، مهما بلغت تضحياتهم، وأن السلطة التي خدعتهم بمشروعات وهمية وكلام معسول لن تستطيع خداعهم مرة أخرى، وأنه مهما علا صوت الرصاص الحي وغاب الآلاف في غياهب السجون، فإن الثورة مستمرة حتى تحقيق مطالبها.
اقرأ أيضاً: بالأرقام: عام الثورة المصرية أفضل اقتصادياً من 2015