26 سبتمبر 2023
الجزائر أمام ولاية رئاسية خامسة محتملة لبوتفليقة
على عكس العهدات (الولايات) الرئاسية الأربع السابقة التي حكم فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الجزائر منذ عشرين سنة خلت، تظهر الخطوات هذه المرة، نحو العهدة (الولاية) الخامسة، ثقيلة وئيدة، أو تماما كما لو أنها فوق كرسيٍّ متحرّك، إلى درجة أن أجنحة النظام أنفسهم، ممن يسمّون "العلبة السوداء"، أو "صناع الرؤساء" في البلاد، الذين كانوا متفقين في الماضي على ولايته، يجدون أنفسهم اليوم، بسبب وضعه الصحي، في وضعٍ حرج، وأمام أسئلةٍ تثير في رؤوسهم، كما في رؤوس كل الجزائريين، معارضة وموالاة، صداعا مزمنا، مؤدّاها هل يمكن ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة في وضعه الصحي الحالي أم لا؟ وإذا ترشّح كيف سيكمل رئاسة البلاد خمس سنوات؟ وإذا لم يترشّح، ما هي الخطط والبدائل التي يجب أن توضع على الطاولة، في وقتٍ قصير، لمواجهة هذا الوضع الغامض؟
إنه صداع حقيقي ومؤلم، لم تخفُت أعراضه، حتى بعد سقوط سيناريو التمديد والتأجيل، الذي شغل بال الرأي العام في الأسابيع الماضية، بالإعلان الرسمي عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري في 18 إبريل/ نيسان المقبل، ذلك أن أمر حسم العهدة الخامسة للرئيس، وإعلان الترشّح من عدمه، محدّدة ومحاصرة الآن، بعامل الوقت الضاغط. وعلى الأجوبة أن تكون واضحةً أمام الرأي العام قبل 7 مارس/ آذار المقبل، موعد انتهاء المهلة القانونية لإعلان الترشح. وإذا علمنا حب بوتفليقة ومحيطه، الناتج أساسا من لعبة التوازنات وموازين القوى، لصناعة الإثارة، وانتظاره دائما الدقائق الأخيرة من الوقت بدل الضائع، كما فعل في إعلان ترشّحه للعهدة الرابعة العام 2014، لإظهار رغبته في مواصلة الحكم، نكون أمام حوالي خمسة أسابيع مريرة أخرى، من الأسئلة المرهقة، ومن الانتظار، ولعبة الأعصاب، ليس لرؤية نتائج الصندوق، وإنما للتبرّك بمعرفة رغبة بوتفليقة وقدرته على مواصلة حكم بلدٍ بحجم الجزائر، على اعتبار أن تلك الرغبة والقدرة وحدهما اللتان ستحدّدان الرئيس المقبل، بغض النظر عن مسرحية الانتخابات ورأي الشعب، وما إلى ذلك من قضايا هامشية أخرى.
سيشتد صداع الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة، إذن، في الأيام المقبلة، مع دخول متغيرٍ جديدٍ
في رسم محدّدات الرئيس القادم، فبالإضافة إلى موازين القوى التي كانت دائما تحسم المعركة الرئاسية، يدخل العامل البيولوجي وصحة الرئيس المترشح عاملا حاسما، يخلط كل الأوراق والحسابات، ويجعل من أمر الولاية الخامسة حالة فريدة من نوعها، تجاوزت، بمراحل كثيرة، الوضع المرتبك للولاية الرابعة، والتي ترشّح لها الرئيس في العام 2014، بعد عام فقط من إصابته بجلطة دماغية في 2013، في حين تمر الآن ست سنوات على تلك الوعكة الصادمة، وكل يوم كان يمر بعدها كان يشكل علامة استفهام كبيرة في مسيرةٍ تُضاف إلى هرم السؤال الكبير الذي تركه خلفه الرئيس المغتال محمد بوضياف: الجزائر إلى أين؟ فعبر كل هذه السنوات العجاف، لم يلق الرئيس كلمة واحدة لشعبه، وهو أمرٌ لم يعد يقلق الجماهير المتفرّجة من بعيد على هذا المشهد الكافكاوي، ولا يثير فقط سخرية القنوات الفرنسية التي جعلت من الحالة فرصةً للتندر والتنكيت، وإنما صارت تقلق حتى صناع القرار، وأكثر المقرّبين من الرئيس أنفسهم، إلى درجة أن المحيطين بالرئيس قبلوا أن يناقشوا في مرحلةٍ ما، فكرة التمديد سنتين فقط للرئيس، لولا أن جهاتٍ أخرى في السلطة رفضت ذلك، وأصرت على احترام المسار الدستوري.
سيناريوهات محتملة
وأمام هذا الوضع الملتبس، وهذا الصداع الذي لم يعد يطاق أكثر، يُرجح أن صنّاع القرار محكومون بعدة سيناريوهات أو خطط، لمواجهة هذا الوضع الفريد من نوعه في تاريخ الجزائر:
الخطة أ: تفترض أن يترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، على الرغم من حالته الصحية، والفوز بها بطريقة آلية بطبيعة الحال، ومواصلة "تسيير الوضع"، ولو بطريقةٍ أسوأ من التي تم بها تسيير الولاية الرابعة، وهذا على أساس استحالة توافق العلبة السوداء للنظام، على اسم بديل، أو خليفةٍ يمكن أن يوحّد مصالح أطراف هذه العلبة، وهي الخطة التي ارتفع منسوب تثبيتها بشكل كبير في الساعات القليلة الماضية، بعد إعلان وزير الطاقة والتعدين السابق، شكيب خليل، عن عدم ترشحه ودعمه لبوتفليقة، وتعمّد وكالة الأنباء الرسمية نشر ما ذكرت أنه حوار للرئيس بوتفليقة نشر حديثا في تقرير سنة 2018 عن الجزائر لمكتب النصح الاقتصادي "أوكسفورد بيزنس غروب"، تحدث فيه الرئيس عن النمو والتنويع الاقتصادي للبلاد، ومكافحة الممارسات البيروقراطية.
كما تجد الخطة الرئيسية هذه دعما معلنا من أحزاب الموالاة، وفي مقدمها حزبا السلطة، جبهة
التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على الرغم من الطموح الخفي لزعيم التجمع، أحمد أويحيى، الذي يتربص في صمتٍ، لتولي منصب الرئاسة إذا أتيحت له الفرصة، غير أن الدافع القوي إلى الساعة، وراء هذه الخطة، هو بالتأكيد قيادة الأركان، بقيادة الفريق أحمد قايد صالح، والذي كانت له كلمة الفصل في إفشال موضوع التمديد أو التأجيل، عبر إصراره على إجراء الانتخابات في موعدها.
ولكن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وإن كان مرجّحا لدى أغلب المراقبين، إلا أن محاذيره كثيرة، ومخاطره أكثر، لأن تولي بوتفليقة منصب أعلى منصب في الدولة مرة أخرى، بكل ما يجمعه هذا المنصب من صلاحياتٍ ضخمة، محفوفٌ بمخاطر كثيرة، ليس أسوأها تراجع مستوى التسيير للدولة، بسبب تزايد تدهور حالة الرئيس الصحية، المتدهورة أصلا منذ سنوات طويلة، وغيابه شبه التام عن تسيير الشأن العام، مع ما يرافق ذلك من ظاهرة استمرار تسيير الدولة بالوكالة، والتي تجعل محيط الرئيس وعائلته يمارسون تلك المهام الخطيرة، خارج دائرة المساءلة.. الأسوأ أن لا يستطيع الرئيس إكمال عهدته الخامسة هذه من خمس سنوات، وهذا احتمالٌ وارد، الأمر الذي سيجعل الجيش في تلك الظروف الاستثنائية هو الذي ستكون له الكلمة العليا في اختيار الخليفة، وربما لعب طموح قائد الأركان، المعلن في إحدى المناسبات لصحيفة الوطن "لمَ لا أكون رئيسا؟"، الدور الحاسم وقتها، وتنتهي حينها ما تسمّى الدولة المدنية التي قيل إنها ولدت في زمن بوتفليقة إلى الأبد.
الخطة ب: وتقتضي هذه الخطة إيجاد شخصيةٍ بديلة، اعتمادا على دعم الخارج، وتحديدا الدعمين، الأميركي والفرنسي، لأنه من دون دعم الخارج لهذه الخطة من الصعب تمريرها في ظل التوازنات الحالية. ويؤكد هذا التوجه، علاوة على خفوت الدعاية (البروباغندا) الإعلامية الداعمة لترشح بوتفليقة، بما في ذلك خفوت صوت التلفزيون الرسمي، ودخول أحزاب الموالاة، على الرغم من دعمهم العلني، في سباتٍ غير معهود، بعكس الضجيج الذي أحدثوه لدعم الولاية الرابعة، هو ما صرح به الأسبوع الماضي، زعيم حركة مجتمع السلم (الإخوانية)، عبد الرزاق مقري، اعتمادا ربما على لقائه المثير للجدل مع شقيق الرئيس في مقر الرئاسة، بأن "هنالك الآن جناحان داخل النظام يتصارعان، يريد الأول عهدة خامسة لبوتفليقة، ويريد الآخر ترشيح شخصية من النظام نفسه". وفي حالة تمكّن الجناح الثاني من تمرير هذه الخطة بدعم خارجي، فإن أبرز الأسماء المطروحة حاليا هي المستشار الخاص لبوتفليقة، الطيب بلعيز، ووزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، الذي وعلى الرغم من نفيه تسريبات ترشحه، وإعلانه دعم الاستمرارية البوتفليقية، إلا أنه يبقى يحظى بدعم أميركي كبير وواضح، في حال تعذّر على بوتفليقة المواصلة، بينما تتحفظ عليه فرنسا، وربما ستراهن على أسماء أخرى. وبالتالي فإن سيناريو الخطة ب ما زال، قبل أسابيع قليلة من فصل الخطاب، غير ناضج تماما، خصوصا إذا ما انتبهنا إلى عامل الانشغال الداخلي الأميركي الفرنسي بالمشكلات التي يتخبط فيها كل من الرئيسين، دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون.
الخطة ج: تبدو مستبعدة إلى حد ما. قد يلجأ فيها أصحاب القرار، جرّاء عدم التوافق على
شخصيات الصف الأول، إلى الاستنجاد بشخصياتٍ أخرى من داخل النظام، لإنقاذ الوضع. ومن أبرز الأسماء المطروحة، في هذا السياق، رؤساء حكومة سابقون، عبد المجيد تبون، عبد المالك سلال، مولود حمروش، أو رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى، وربما وصل الأمر إلى خيار اللواء المتقاعد علي غديري الذي سبق الجميع بإعلان ترشحه، على الرغم من الهجوم العنيف الذي تلقاه من قائد الأركان قايد صالح، بسبب السجالات بشأن موقع المؤسسة العسكرية ودورها في العمل السياسي وحسم الصراع الرئاسي.
هذا السيناريو متقلب، ويحمل في طياته متناقضاتٍ كبيرة، وشخصياتٍ غير منسجمة، فبينما يظهر ترشيح مولود حمروش، مثلا، بمثابة انتصار للحريات، بوصف الرجل زعيم الإصلاحات السياسية في الجزائر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وبوصفه منظّرا بارعا يتوافق حوله كثيرون، وتحديدا داخل المعارضة، خصوصا بعد دعوته أخيرا الجيش إلى عدم التدخل في الشأن السياسي، وتحذيره من مساعي النخب الحاكمة حاليا إلى بناء دولةٍ على طريقة دولة "الجماهيرية" في ليبيا في عهد معمر القذافي. يظهر، في المقابل، كم ستكون خيبة الجماهير كبيرة، لو سقط الرهان على عبد المالك سلال مثلا، أو على أحمد أويحيى، المعروف شعبيا بأنه صاحب المهمات القذرة، على الرغم من أنه بعث، قبل أيام، برسائله المشفّرة، كما هي عادته دائما لمن يهمه الأمر، بأن هنالك في الجزائر، في الآونة الأخيرة، من لا ينامون الليل بسبب ذكر اسمه، على اعتبار أن مجرد ذكر اسمه لدى بعضهم يسيل العرق البارد من ظهورهم.
خاتمة
وبديهي بعد هذا أن أي حديثٍ عن الخطة الديمقراطية التي تتيح للشعب حرية اختيار رئيسه في الجزائر، بعيدا عن دوائر النفوذ والعسكر، ومعها القوى الخارجية، ما زال ملغىً من الحسابات تماما، فالشعب الجزائري، برأي أحد قادة أحزاب المعارضة الذين صفقوا للانقلاب على إرادة الشعب بعد انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 1991، قاصر عن إدراك مصلحته، وعلى الدوائر المتنفذة أن تتولى الأمور بنفسها، فقد تم ذلك مع أحمد بن بلة وهواري بومدين والشاذلي بن جديد، وتم ذلك بعد توقيف المسار الانتخابي الذي جاء بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في أول انتخابات حرة، وتجسد في تعيين المجلس الأعلى للدولة لتسيير شؤون البلاد، بعد إجبار الشاذلي على الاستقالة، وفي فوز الجنرال ليامين زروال، على الرغم من أن الكفّة كانت تميل شعبيا للراحل محفوظ نحناح، وتجسّد أكثر في انتخابات 1999 التي جاءت ببوتفليقة، بعد انسحاب كل منافسيه من السباق، بعد إدراكهم أن النزال قد حسم قبل أن يبدأ. واستمر الحال على حاله في جميع العهدات الأربع السابقة، فما الذي سيتغير في هذه الخامسة حتى يسلم أصحاب المشعل هذا الفانوس للشعب القاصر؟ لا شيء. يتواصل كابوس الانسداد، ومعه الصداع أيضا، وعلى الذين يمسكون رؤوسهم من شدة الألم أن يدركوا أن الأمور لم تعد قابلة للحل بمواصلة رفع شعار "الاستمرارية" في تناول المُسكّنات.
إنه صداع حقيقي ومؤلم، لم تخفُت أعراضه، حتى بعد سقوط سيناريو التمديد والتأجيل، الذي شغل بال الرأي العام في الأسابيع الماضية، بالإعلان الرسمي عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري في 18 إبريل/ نيسان المقبل، ذلك أن أمر حسم العهدة الخامسة للرئيس، وإعلان الترشّح من عدمه، محدّدة ومحاصرة الآن، بعامل الوقت الضاغط. وعلى الأجوبة أن تكون واضحةً أمام الرأي العام قبل 7 مارس/ آذار المقبل، موعد انتهاء المهلة القانونية لإعلان الترشح. وإذا علمنا حب بوتفليقة ومحيطه، الناتج أساسا من لعبة التوازنات وموازين القوى، لصناعة الإثارة، وانتظاره دائما الدقائق الأخيرة من الوقت بدل الضائع، كما فعل في إعلان ترشّحه للعهدة الرابعة العام 2014، لإظهار رغبته في مواصلة الحكم، نكون أمام حوالي خمسة أسابيع مريرة أخرى، من الأسئلة المرهقة، ومن الانتظار، ولعبة الأعصاب، ليس لرؤية نتائج الصندوق، وإنما للتبرّك بمعرفة رغبة بوتفليقة وقدرته على مواصلة حكم بلدٍ بحجم الجزائر، على اعتبار أن تلك الرغبة والقدرة وحدهما اللتان ستحدّدان الرئيس المقبل، بغض النظر عن مسرحية الانتخابات ورأي الشعب، وما إلى ذلك من قضايا هامشية أخرى.
سيشتد صداع الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة، إذن، في الأيام المقبلة، مع دخول متغيرٍ جديدٍ
سيناريوهات محتملة
وأمام هذا الوضع الملتبس، وهذا الصداع الذي لم يعد يطاق أكثر، يُرجح أن صنّاع القرار محكومون بعدة سيناريوهات أو خطط، لمواجهة هذا الوضع الفريد من نوعه في تاريخ الجزائر:
الخطة أ: تفترض أن يترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، على الرغم من حالته الصحية، والفوز بها بطريقة آلية بطبيعة الحال، ومواصلة "تسيير الوضع"، ولو بطريقةٍ أسوأ من التي تم بها تسيير الولاية الرابعة، وهذا على أساس استحالة توافق العلبة السوداء للنظام، على اسم بديل، أو خليفةٍ يمكن أن يوحّد مصالح أطراف هذه العلبة، وهي الخطة التي ارتفع منسوب تثبيتها بشكل كبير في الساعات القليلة الماضية، بعد إعلان وزير الطاقة والتعدين السابق، شكيب خليل، عن عدم ترشحه ودعمه لبوتفليقة، وتعمّد وكالة الأنباء الرسمية نشر ما ذكرت أنه حوار للرئيس بوتفليقة نشر حديثا في تقرير سنة 2018 عن الجزائر لمكتب النصح الاقتصادي "أوكسفورد بيزنس غروب"، تحدث فيه الرئيس عن النمو والتنويع الاقتصادي للبلاد، ومكافحة الممارسات البيروقراطية.
كما تجد الخطة الرئيسية هذه دعما معلنا من أحزاب الموالاة، وفي مقدمها حزبا السلطة، جبهة
ولكن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وإن كان مرجّحا لدى أغلب المراقبين، إلا أن محاذيره كثيرة، ومخاطره أكثر، لأن تولي بوتفليقة منصب أعلى منصب في الدولة مرة أخرى، بكل ما يجمعه هذا المنصب من صلاحياتٍ ضخمة، محفوفٌ بمخاطر كثيرة، ليس أسوأها تراجع مستوى التسيير للدولة، بسبب تزايد تدهور حالة الرئيس الصحية، المتدهورة أصلا منذ سنوات طويلة، وغيابه شبه التام عن تسيير الشأن العام، مع ما يرافق ذلك من ظاهرة استمرار تسيير الدولة بالوكالة، والتي تجعل محيط الرئيس وعائلته يمارسون تلك المهام الخطيرة، خارج دائرة المساءلة.. الأسوأ أن لا يستطيع الرئيس إكمال عهدته الخامسة هذه من خمس سنوات، وهذا احتمالٌ وارد، الأمر الذي سيجعل الجيش في تلك الظروف الاستثنائية هو الذي ستكون له الكلمة العليا في اختيار الخليفة، وربما لعب طموح قائد الأركان، المعلن في إحدى المناسبات لصحيفة الوطن "لمَ لا أكون رئيسا؟"، الدور الحاسم وقتها، وتنتهي حينها ما تسمّى الدولة المدنية التي قيل إنها ولدت في زمن بوتفليقة إلى الأبد.
الخطة ب: وتقتضي هذه الخطة إيجاد شخصيةٍ بديلة، اعتمادا على دعم الخارج، وتحديدا الدعمين، الأميركي والفرنسي، لأنه من دون دعم الخارج لهذه الخطة من الصعب تمريرها في ظل التوازنات الحالية. ويؤكد هذا التوجه، علاوة على خفوت الدعاية (البروباغندا) الإعلامية الداعمة لترشح بوتفليقة، بما في ذلك خفوت صوت التلفزيون الرسمي، ودخول أحزاب الموالاة، على الرغم من دعمهم العلني، في سباتٍ غير معهود، بعكس الضجيج الذي أحدثوه لدعم الولاية الرابعة، هو ما صرح به الأسبوع الماضي، زعيم حركة مجتمع السلم (الإخوانية)، عبد الرزاق مقري، اعتمادا ربما على لقائه المثير للجدل مع شقيق الرئيس في مقر الرئاسة، بأن "هنالك الآن جناحان داخل النظام يتصارعان، يريد الأول عهدة خامسة لبوتفليقة، ويريد الآخر ترشيح شخصية من النظام نفسه". وفي حالة تمكّن الجناح الثاني من تمرير هذه الخطة بدعم خارجي، فإن أبرز الأسماء المطروحة حاليا هي المستشار الخاص لبوتفليقة، الطيب بلعيز، ووزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، الذي وعلى الرغم من نفيه تسريبات ترشحه، وإعلانه دعم الاستمرارية البوتفليقية، إلا أنه يبقى يحظى بدعم أميركي كبير وواضح، في حال تعذّر على بوتفليقة المواصلة، بينما تتحفظ عليه فرنسا، وربما ستراهن على أسماء أخرى. وبالتالي فإن سيناريو الخطة ب ما زال، قبل أسابيع قليلة من فصل الخطاب، غير ناضج تماما، خصوصا إذا ما انتبهنا إلى عامل الانشغال الداخلي الأميركي الفرنسي بالمشكلات التي يتخبط فيها كل من الرئيسين، دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون.
الخطة ج: تبدو مستبعدة إلى حد ما. قد يلجأ فيها أصحاب القرار، جرّاء عدم التوافق على
هذا السيناريو متقلب، ويحمل في طياته متناقضاتٍ كبيرة، وشخصياتٍ غير منسجمة، فبينما يظهر ترشيح مولود حمروش، مثلا، بمثابة انتصار للحريات، بوصف الرجل زعيم الإصلاحات السياسية في الجزائر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وبوصفه منظّرا بارعا يتوافق حوله كثيرون، وتحديدا داخل المعارضة، خصوصا بعد دعوته أخيرا الجيش إلى عدم التدخل في الشأن السياسي، وتحذيره من مساعي النخب الحاكمة حاليا إلى بناء دولةٍ على طريقة دولة "الجماهيرية" في ليبيا في عهد معمر القذافي. يظهر، في المقابل، كم ستكون خيبة الجماهير كبيرة، لو سقط الرهان على عبد المالك سلال مثلا، أو على أحمد أويحيى، المعروف شعبيا بأنه صاحب المهمات القذرة، على الرغم من أنه بعث، قبل أيام، برسائله المشفّرة، كما هي عادته دائما لمن يهمه الأمر، بأن هنالك في الجزائر، في الآونة الأخيرة، من لا ينامون الليل بسبب ذكر اسمه، على اعتبار أن مجرد ذكر اسمه لدى بعضهم يسيل العرق البارد من ظهورهم.
خاتمة
وبديهي بعد هذا أن أي حديثٍ عن الخطة الديمقراطية التي تتيح للشعب حرية اختيار رئيسه في الجزائر، بعيدا عن دوائر النفوذ والعسكر، ومعها القوى الخارجية، ما زال ملغىً من الحسابات تماما، فالشعب الجزائري، برأي أحد قادة أحزاب المعارضة الذين صفقوا للانقلاب على إرادة الشعب بعد انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 1991، قاصر عن إدراك مصلحته، وعلى الدوائر المتنفذة أن تتولى الأمور بنفسها، فقد تم ذلك مع أحمد بن بلة وهواري بومدين والشاذلي بن جديد، وتم ذلك بعد توقيف المسار الانتخابي الذي جاء بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في أول انتخابات حرة، وتجسد في تعيين المجلس الأعلى للدولة لتسيير شؤون البلاد، بعد إجبار الشاذلي على الاستقالة، وفي فوز الجنرال ليامين زروال، على الرغم من أن الكفّة كانت تميل شعبيا للراحل محفوظ نحناح، وتجسّد أكثر في انتخابات 1999 التي جاءت ببوتفليقة، بعد انسحاب كل منافسيه من السباق، بعد إدراكهم أن النزال قد حسم قبل أن يبدأ. واستمر الحال على حاله في جميع العهدات الأربع السابقة، فما الذي سيتغير في هذه الخامسة حتى يسلم أصحاب المشعل هذا الفانوس للشعب القاصر؟ لا شيء. يتواصل كابوس الانسداد، ومعه الصداع أيضا، وعلى الذين يمسكون رؤوسهم من شدة الألم أن يدركوا أن الأمور لم تعد قابلة للحل بمواصلة رفع شعار "الاستمرارية" في تناول المُسكّنات.