11 سبتمبر 2024
الجزائر.. البعد والاقتراب عن الأزمة الخليجية
شكر بيان وزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بعد اجتماعهم في الخامس من يوليو/ تموز الجاري في القاهرة، أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، على وساطته بين حكومات بلدانهم ودولة قطر. حاولت الكويت جَسر الهوة بين أشقائها في مجلس التعاون الخليجي، غير أن لائحة المطالب التي أرسلت إلى الدوحة لم تترك للوسيط الكويتي هامش مناورةٍ كبيرا. استعجل الرباعي الذي يحاصر قطر إعلان وفاة الوساطة الكويتية، فأعاد إحياءها وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من الكويت نفسها، في وقت عبرت فيه واشنطن عن قلقها المتزايد، بعد وصول الأزمة إلى طريق مسدود، ما قد يطيل أمدها أسابيع أو شهورا.
في الأثناء، تخرس ديبلوماسية الوطن العربي، فلا تسمع لها حسّا. تبقى جهود أمير الكويت وحدها تحارب الغياب. انقسمت الأنظمة العربية بين مؤيدٍ بالتبعية لرباعي المقاطعة ودول محايدة تكرّر أجهزتها عبارات الحكمة والتعقل، تُردّدها، ولا تجد لها صدىً يذكر.
انقسم الوطن العربي، وارتسمت معالم شرق أوسط جديد أو تكاد، رقصت إسرائيل جذلى بما تراه من حطامٍ عربي، يتشظى أمام أعين الناس، ولا مغيث. العراق أنهكته الطائفية ومزقت أوصاله، وحرب في سورية لم تبق قائما إلا أوقعته، واليمن تشله معارك وأوبئة من العصور القديمة، أما ليبيا فتراوح مكانها في حربٍ عبثيةٍ لا طائل من ورائها إلا الغلو في الخصومة.
تكابد تونس مسقط رأس الربيع العربي أوجاعها التنموية، وتحاول أن ترسّخ لتجربة ديمقراطية تكاد المؤامرات أن تئدها
. لم تشفع للمغرب مواقفه السابقة المتماهية مع مواقف السعودية، أراد أن يضمن لنفسه في
الأزمة الخليجية حيادا إيجابيا، أرسل وزير خارجيته، ناصر بوريطة، في مأمورية ديبلوماسية قطعتها الرياض وأبوظبي في منتصف الطريق، عاد الوزير المغربي حاملا معه عتبا سعوديا وإماراتيا شديدا، ومشاكسات إعلامية أطلقتها قناتا سكاي نيوز والعربية اللتان تذكرتا حراك الريف والحسيمة ولم تنسيا، هذه المرة، وخز الرباط بقضية الصحراء وجبهة البوليساريو.
أشادت قطر والسعودية بالعلاقات المتميزة التي تجمعهما مع الجزائر في برقيتي تهنئة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلال بلاده، لم تخرج البرقيتان عن البرتوكول المعهود في مثل هذه المناسبات، لكنها كانت مناسبة لتساؤل بعضهم عن غياب أي دور جزائري لمحاولة تخفيف الخلاف الذي وصل إلى مدى صعب بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية. أرجع بعضهم ذلك إلى منح فرصة للوساطة الكويتية التي تعرف جيدا أسرار البيت الخليجي، غير أن آخرين يرون سكوت الديبلوماسية الجزائرية نتاج حطام عربي أجبرها على الصمت، إذ لم يعد لكلمة وفاق أي صوتٍ يُسمع، وإذا سُمع فلا يُعقل.
دعت الخارجية الجزائرية، منذ بداية الأزمة الخليجية، إلى "ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف"، وهو موقف أشاد به وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية، سلطان بن سعد سلطان المريخي، الذي زار الجزائر، وأكد على تأثيرها الديبلوماسي في المنطقة. مرّت الأيام مثقلة بالاتهامات والتجاذبات السياسية والإعلامية، وحتى التهديدات المسلحة، لقطر التي علا صوت بعض الإعلاميين من دول الحصار في ترديدها والتسويق لها.
لاحقا، لخص رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، عبد الحميد سي عفيف، موقف بلاده الرسمي بالمشاركة في أي مسعىً يهدف إلى إيجاد حل لهذه الأزمة، "شريطة توافر الإرادة لدى جميع الأطراف". عطبت الآلة الديبلوماسية العربية بغياب الثقة والإرادة، وأصبحت المنطقة ملعبا للديبلوماسية الغربية، والأميركية خصوصا. هناك في واشنطن تُقاد خيوط اللعبة منذ البداية، يعرف الجزائريون ذلك جيدا، وهو ما زادهم سكوتا وتريّثا، لم تكسره إلا معارضة محاولةٍ مصريةٍ دفعت بعض دول الاتحاد الأفريقي، في قمتهم التاسعة والعشرين في أديس أبابا، إلى إقحام النزاع الخليجي في بلورة موقفٍ ضد قطر.
لم يفاجئ الموقف الجزائري من الأزمة الخليجية المتتبعين، لدرايتهم بتقاليد السياسة الجزائرية في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفي رفض مشاركة الجيش الجزائري في أي نزاعاتٍ خارجية، باستثناء حربي 67 و1973 ضد إسرائيل. ذلك ما أكده تماهي الشارع الجزائري مع موقف بلاده، خصوصا بعد إقحام حركة حماس الفلسطينية في ذرائع الحصار على قطر، وهي "حماس" التي يرى فيها الجمهور الجزائري امتدادا لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، خصوصا بعد أن خبت نار المقاومة التي كانت تقودها حركة فتح والمنظمات الفلسطينية الأخرى، بعد توقيع اتفاقيات أوسلو.
لم ترهن الجزائر قرارها السياسي يوما لدول الخليج، بالمصالح الاقتصادية أو بالمساعدات
المالية. ولم تحاول الأطراف الخليجية، في الأزمة الحالية، استمالة موقف من الجزائر، لعلمها المسبق أن ذلك لا طائل من ورائه. ولم تكن الجزائر محرجةً من اتخاذ موقفٍ محايدٍ، على الأقل في المحافل الرسمية والديبلوماسية، وإنْ ثمّة من يميل إلى أن موقف الجزائر آزر الدوحة، منذ بداية الأزمة، ومنحها فرصة ديبلوماسية ثمينة في خصومتها مع جيرانها القريبين.
صحيح أن الجزائر تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية توصف دائما بالهادئة في العموم، مع كل من الرياض والمنامة، إلا أن الملف الليبي أثر على هدوء علاقاتها بكل من أبوظبي والقاهرة، فمصر والإمارات تتحالفان في ليبيا، وتتدخلان لتغليب شوكة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وجيشه، بل اتهم الناطق الرسمي باسم جيش حفتر، العقيد أحمد المسماري، قبل أسابيع، الجزائر بعرقلة سطوة جيش حفتر وسلطانه على باقي الأراضي الليبية، قائلا إنها (الجزائر) تؤكد دائماً على أن الحل في ليبيا سياسي وليس عسكريا، وأن الجزائر تسعى إلى أن تحتوي ليبيا من وصفهم عناصر إرهابية، حتى لا تعود إليها في جبالها.
ترى الجزائر أن الحل العسكري خطر على الدولة الليبية التي تعرف صراعا على السلطة، لا يمكن رأب صدعه، إلا بالابتعاد عن التدخل العسكري، وحث الليبيين على الوفاق بينهم، من خلال الحوار بين جميع الأطراف المتصارعة. كما ترى الجزائر أن التدخل المصري والإماراتي في ليبيا اقتراب من حدودها، يُهدد أمنها القومي، وهو ما تسعى إلى إبعاده، من خلال رسم معالم علاقة صريحة بهذا الشأن مع القاهرة.
هو الوضوح نفسه انتهجته الجزائر سابقا مع القيادة التونسية، بعد انتخاب قائد السبسي رئيسا للجمهورية. كانت أبوظبي قد راودته يومها عن منع حركة النهضة في مقابل دعمه بالمال والاستثمارات. اعتبر السبسي قبول العرض الإماراتي تهديدا للتداول السلمي للسلطة في تونس. رفضت الجزائر أيضا أي تدخلٍ إماراتي في الشأن الداخلي التونسي، ساعدت الجزائر تونس ماليا وأمنيا، وأكّدت أن أمن تونس من أمنها الاستراتيجي، وأن أي زعزعة للاستقرار في تونس هي محاولة لزعزعة الاستقرار في الجزائر. أمام هذا الواقع، تبقى الصراعات سيدة الخطاب العربي، تستسلم حينها الديبلوماسية العربية والجزائرية واحدة منها لحالة البؤس التي تلف الواقع العربي، وتغيب المبادرات في الأزمة الخليجية بغياب الثقة وإرادات البحث عن حلول.
في الأثناء، تخرس ديبلوماسية الوطن العربي، فلا تسمع لها حسّا. تبقى جهود أمير الكويت وحدها تحارب الغياب. انقسمت الأنظمة العربية بين مؤيدٍ بالتبعية لرباعي المقاطعة ودول محايدة تكرّر أجهزتها عبارات الحكمة والتعقل، تُردّدها، ولا تجد لها صدىً يذكر.
انقسم الوطن العربي، وارتسمت معالم شرق أوسط جديد أو تكاد، رقصت إسرائيل جذلى بما تراه من حطامٍ عربي، يتشظى أمام أعين الناس، ولا مغيث. العراق أنهكته الطائفية ومزقت أوصاله، وحرب في سورية لم تبق قائما إلا أوقعته، واليمن تشله معارك وأوبئة من العصور القديمة، أما ليبيا فتراوح مكانها في حربٍ عبثيةٍ لا طائل من ورائها إلا الغلو في الخصومة.
تكابد تونس مسقط رأس الربيع العربي أوجاعها التنموية، وتحاول أن ترسّخ لتجربة ديمقراطية تكاد المؤامرات أن تئدها
. لم تشفع للمغرب مواقفه السابقة المتماهية مع مواقف السعودية، أراد أن يضمن لنفسه في
أشادت قطر والسعودية بالعلاقات المتميزة التي تجمعهما مع الجزائر في برقيتي تهنئة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلال بلاده، لم تخرج البرقيتان عن البرتوكول المعهود في مثل هذه المناسبات، لكنها كانت مناسبة لتساؤل بعضهم عن غياب أي دور جزائري لمحاولة تخفيف الخلاف الذي وصل إلى مدى صعب بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية. أرجع بعضهم ذلك إلى منح فرصة للوساطة الكويتية التي تعرف جيدا أسرار البيت الخليجي، غير أن آخرين يرون سكوت الديبلوماسية الجزائرية نتاج حطام عربي أجبرها على الصمت، إذ لم يعد لكلمة وفاق أي صوتٍ يُسمع، وإذا سُمع فلا يُعقل.
دعت الخارجية الجزائرية، منذ بداية الأزمة الخليجية، إلى "ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف"، وهو موقف أشاد به وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية، سلطان بن سعد سلطان المريخي، الذي زار الجزائر، وأكد على تأثيرها الديبلوماسي في المنطقة. مرّت الأيام مثقلة بالاتهامات والتجاذبات السياسية والإعلامية، وحتى التهديدات المسلحة، لقطر التي علا صوت بعض الإعلاميين من دول الحصار في ترديدها والتسويق لها.
لاحقا، لخص رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، عبد الحميد سي عفيف، موقف بلاده الرسمي بالمشاركة في أي مسعىً يهدف إلى إيجاد حل لهذه الأزمة، "شريطة توافر الإرادة لدى جميع الأطراف". عطبت الآلة الديبلوماسية العربية بغياب الثقة والإرادة، وأصبحت المنطقة ملعبا للديبلوماسية الغربية، والأميركية خصوصا. هناك في واشنطن تُقاد خيوط اللعبة منذ البداية، يعرف الجزائريون ذلك جيدا، وهو ما زادهم سكوتا وتريّثا، لم تكسره إلا معارضة محاولةٍ مصريةٍ دفعت بعض دول الاتحاد الأفريقي، في قمتهم التاسعة والعشرين في أديس أبابا، إلى إقحام النزاع الخليجي في بلورة موقفٍ ضد قطر.
لم يفاجئ الموقف الجزائري من الأزمة الخليجية المتتبعين، لدرايتهم بتقاليد السياسة الجزائرية في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفي رفض مشاركة الجيش الجزائري في أي نزاعاتٍ خارجية، باستثناء حربي 67 و1973 ضد إسرائيل. ذلك ما أكده تماهي الشارع الجزائري مع موقف بلاده، خصوصا بعد إقحام حركة حماس الفلسطينية في ذرائع الحصار على قطر، وهي "حماس" التي يرى فيها الجمهور الجزائري امتدادا لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، خصوصا بعد أن خبت نار المقاومة التي كانت تقودها حركة فتح والمنظمات الفلسطينية الأخرى، بعد توقيع اتفاقيات أوسلو.
لم ترهن الجزائر قرارها السياسي يوما لدول الخليج، بالمصالح الاقتصادية أو بالمساعدات
صحيح أن الجزائر تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية توصف دائما بالهادئة في العموم، مع كل من الرياض والمنامة، إلا أن الملف الليبي أثر على هدوء علاقاتها بكل من أبوظبي والقاهرة، فمصر والإمارات تتحالفان في ليبيا، وتتدخلان لتغليب شوكة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وجيشه، بل اتهم الناطق الرسمي باسم جيش حفتر، العقيد أحمد المسماري، قبل أسابيع، الجزائر بعرقلة سطوة جيش حفتر وسلطانه على باقي الأراضي الليبية، قائلا إنها (الجزائر) تؤكد دائماً على أن الحل في ليبيا سياسي وليس عسكريا، وأن الجزائر تسعى إلى أن تحتوي ليبيا من وصفهم عناصر إرهابية، حتى لا تعود إليها في جبالها.
ترى الجزائر أن الحل العسكري خطر على الدولة الليبية التي تعرف صراعا على السلطة، لا يمكن رأب صدعه، إلا بالابتعاد عن التدخل العسكري، وحث الليبيين على الوفاق بينهم، من خلال الحوار بين جميع الأطراف المتصارعة. كما ترى الجزائر أن التدخل المصري والإماراتي في ليبيا اقتراب من حدودها، يُهدد أمنها القومي، وهو ما تسعى إلى إبعاده، من خلال رسم معالم علاقة صريحة بهذا الشأن مع القاهرة.
هو الوضوح نفسه انتهجته الجزائر سابقا مع القيادة التونسية، بعد انتخاب قائد السبسي رئيسا للجمهورية. كانت أبوظبي قد راودته يومها عن منع حركة النهضة في مقابل دعمه بالمال والاستثمارات. اعتبر السبسي قبول العرض الإماراتي تهديدا للتداول السلمي للسلطة في تونس. رفضت الجزائر أيضا أي تدخلٍ إماراتي في الشأن الداخلي التونسي، ساعدت الجزائر تونس ماليا وأمنيا، وأكّدت أن أمن تونس من أمنها الاستراتيجي، وأن أي زعزعة للاستقرار في تونس هي محاولة لزعزعة الاستقرار في الجزائر. أمام هذا الواقع، تبقى الصراعات سيدة الخطاب العربي، تستسلم حينها الديبلوماسية العربية والجزائرية واحدة منها لحالة البؤس التي تلف الواقع العربي، وتغيب المبادرات في الأزمة الخليجية بغياب الثقة وإرادات البحث عن حلول.