سجلت أسعار الإسمنت وحديد التسليح (البناء) في الجزائر ارتفاعاً غير مسبوق خلال الأشهر الستة الأخيرة، في وقت تعتزم فيه الحكومة وقف استيرادهما نهائياً، بعد إخضاع الاستيراد إلى نظام "الحصص" حالياً ومنح رخص للمستوردين، بغية ترشيد فاتورة الاستيراد والاعتماد على الإنتاج المحلي.
وأرجع تجار ارتفاع الأسعار إلى نقص المعروض من المنتجات المحلية وتقلص الكميات المستوردة، فيما قال آخرون إن هناك مضاربات في الأسواق والتي تسبق تنفيذ قرار بإيقاف استيراد الأسمنت قبيل نهاية العام الحالي والحديد بحلول عام 2018.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن كميات الاستيراد زادت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي 2016، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي ولم تنخفض.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في منطقة "الصفصافة" في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية والمعروفة بتواجد عدد كبير من تجار مواد البناء، أشار تجار إلى أن الزيادة في أسعار الحديد لامست نحو 28% وفي الإسمنت بأكثر من 70% مقارنة مع بداية العام الحالي 2016.
وقفزت أسعار الإسمنت خلال يوليو/تموز الجاري إلى قرابة ألفي دينار (19 دولاراً) للقنطار الواحد (50 كيلوغرام)، مقابل نحو 1100 دينار (9.9 دولارات) بنهاية العام الماضي 2015، وفق ما ذكره مقاولون.
وتجاوز سعر القنطار الواحد من الحديد صنف "12 ملليمتر" المخصص للبناء 9 آلاف دينار (82 دولاراً)، بينما كان لا يتجاوز 7 آلاف دينار (63.5 دولاراً) قبل أربعة أشهر.
ويقول تجار مواد البناء، الذين التقتهم "العربي الجديد" إنهم غير مسؤولين عن الارتفاع غير المسبوق في أسعار الحديد والإسمنت، مبررين الزيادة في الأسعار بانهيار أسعار صرف العملة الجزائرية أمام العملات الأجنبية والمضاربات في الأسواق.
وقال خالد بذكري، أحد التجار لـ"العربي الجديد"، إن "الأسعار ترتفع عادة مع قدوم فصل الصيف بسبب ارتفاع وتيرة أعمال البناء، لكن الزيادات المسجلة في أسعار الإسمنت هذا العام ترجع إلى نقص المعروض بسبب تقليص الكميات المستوردة من جهة وتوقف بعض المصانع المحلية وعجز الأخرى عن تلبية الطلب الداخلي".
وأضاف بذكري: "في مثل هذه الظروف ومع توجه الحكومة نحو وقف استيراد الإسمنت تستفحل ظاهرة المضاربة، حتى داخل المصانع المنتجة، حيث تخضع عمليات البيع إلى المحسوبية والرشوة".
أما عن مادة الحديد، فيقول التاجر حمود عصيان، إن "مركب الحجار للحديد والصلب الممون الوحيد للسوق الوطنية يعمل بنصف طاقته بعد انسحاب الطرف الهندي أرسيلور ميتال من السوق، بجانب تقليص الكميات المستوردة إلى مليوني طن سنوياً مما جعل من الصعب التحكم في الأسعار، فنحن آخر حلقة في سلسلة البيع".
وقررت وزارة التجارة الجزائرية في ينار/ كانون الثاني الماضي، تحديد حجم استيراد حديد التسليح من الخارج بـ 2 مليون طن للعام الحالي، مقابل ما يتراوح بين 2.5 و3 ملايين طن سنوياً، بينما يصل حجم الطلب إلى حوالى 4 ملايين طن.
ودفعت الزيادة في أسعار الحديد والإسمنت، عاملين في قطاع المقاولات إلى مراجعة التكاليف المعتمدة لبعض المشروعات، وفق أحمد بالهاني، وهو مقاول من شرق الجزائر.
وقال بالهاني لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى مراجعة الأسعار التي اعتمدها في بعض المشاريع والتي بدأ في إنجازها، مشيراً إلى أن أسعار الإسمنت قفزت من 1100 دينار (9.9 دولارات) للقنطار الواحد نهاية 2015 إلى قرابة 2000 دينار (19 دولاراً) الآن.
وأضاف: "زيادة الأسعار شملت أسعار الحديد أيضاً، وعليه سأعيد عملية تقييم كلفة المشروعات وإلا سأخسر أموالاً من جيبي لإكمالها".
هذه الوضعية باتت تؤرق المقاول أحمد بالهاني، ومعه الآلاف من المقاولين خاصة الذين يتعاملون مع الهيئات الحكومية والوزارات، حيث اضطر الكثير إلى تجميد الأشغال إلى حين مراجعة الفاتورة النهائية للمشاريع.
وقدم المقاول عمر سعدات مثالاً عن هذه الحالة بالقول: "فزت بصفقة إنشاء 3 عيادات طبية متعددة الخدمات نهاية 2014 في محافظة البويرة (شرق العاصمة الجزائر)، لكنني اليوم متوقف عن العمل إلى حين تعديل دفتر الشروط المبرم بيني وبين المديرية الجهوية (المحلية) لوزارة الصحة، لأن الأسعار تغيرت كثيراً ولا أستطيع تحمل عبء الخسارة لوحدي".
وفي هذه الأثناء، يبقى المواطن الجزائري، المتضرر الأكبر من انفلات الأسعار، سواء استعان بخدمات المقاولين أو إن أراد البناء بطريقة فردية.
وقال عبد الحميد بوداود، رئيس المجمّع الجزائري للمهندسين المعماريين، لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة تستورد مواد البناء بطريقة عشوائية، دون إعداد دراسة حول الكمية المحددة لإنجاز المشاريع، الأمر الذي يحول دون معرفة ما إذا كان الإنتاج المحلي يغطي الطلب أم أنه بعيد عن ذلك، وحول كمية الاستيراد الضرورية لتغطية العجز".
وبجانب قرار الحكومة بتحديد حجم الاستيراد لعام 2016 بنحو مليوني طن، تم إقرار نظام الحصص والترخيص للاستيراد، حيث تم فتح باب التقدم للمستوردين لاستخراج رخصة استيراد بدءاً من 12 يناير/كانون الثاني الماضي وحتى 3 فبراير/شباط، وذلك تمهيداً لإيقاف الاستيراد نهائياً.
وقررت الحكومة وقف استيراد الإسمنت نهائياً بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، وتراهن على تقليص فاتورة الاستيراد عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة في 2017، بدخول طاقات إنتاج إضافية تقدر بنحو 4 ملايين طن سنوياً، ليكون 2017 أول عام لا تستورد فيها الجزائر الإسمنت منذ الاستقلال قبل نحو 54 عاماً.
لكن خبراء في قطاع الأشغال العمومية والبناء، يرون أن توجه الحكومة الجزائرية نحو توقيف استيراد الإسمنت قبل نهاية العام الحالي، ثم الحديد مطلع 2018 يعد مخاطرة كبيرة، لأنها لم تضمن بعد البديل.
وكانت فاتورة استيراد مواد البناء، قد تراجعت إلى 965 مليون دولار خلال الخمسة أشهر الأولى من 2016، مقارنة بنحو 1.12 مليار دولار في نفس الفترة من 2015، بانخفاض بلغت نسبته 14.24%، حسب إحصائيات الجمارك الجزائرية.
وقُدرت فاتورة استيراد الإسمنت بأنواعه بنحو 193.6 مليون دولار، مقابل 200 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي، حسب بيانات الجمارك الجزائرية، أما فاتورة الحديد والصلب فسجلت انخفاضاً لتبلغ 435 مليون دولار مقابل 616 مليون دولار.
ورغم تراجع قيمة الاستيراد، إلا أن كمية مواد البناء المستوردة من الإسمنت والحديد والخزف زادت إلى 4.9 ملايين طن مقابل 4.6 ملايين طن العام الماضي، الأمر الذي أرجعه خبراء إلى تراجع الأسعار عالمياً.