خلط موقف الجيش في الجزائر أوراق المعارضة وأعاد الحراك إلى نقطة البداية بعد إطاحته الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وفقاً للمادة 102 من الدستور، ثم الدفع باتجاه إجراء انتخابات رئاسية خلال 3 أشهر. هكذا يبدو المشهد السياسي والشعبي عند منعطف يغيب فيه الحوار، إلا عبر لافتات منتشرة في الشوارع وبيانات سياسية تصدر من حين إلى آخر. منعطف تتقدم فيه السلطة التي يمسك بزمامها الجيش نحو تثبيت الخيار الدستوري، في الوقت الذي يهدد فيه الحراك الشعبي بتصعيد الموقف والتفكير في خيارات بديلة للتظاهرات.
عملياً، وضع الجيش الجزائري الحراك الشعبي والقوى السياسية أمام واقع سياسي وخيار واحد، يؤدي إلى تنظيم سريع لانتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً، مثلما أعلنه قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، يوم الأربعاء الماضي، في وهران غربي الجزائر، في خطوة بدا فيها الجيش غير مهتم بلاءات الحراك ضد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، فضلاً عن مطالب القوى السياسية المعارضة بالذهاب إلى مرحلة انتقالية تديرها شخصية توافقية. ويبدو الجيش في مقابل ذلك متمسكاً بما يصفها مؤسسات "الانتقال الدستوري"، و"حريصاً" على إنهاء سريع للوضع السياسي والعودة إلى مسار الشرعية الدستورية، عبر انتخابات يختار فيها الشعب رئيساً جديداً للبلاد.
وعبّرت مختلف الأحزاب السياسية عن رفضها لهذا المسار، الذي رأت أنه سيؤدي إلى إعادة إنتاج النظام السابق ومنح هامش من الوقت للكارتل المالي لتصفية ملفات فساد وإتلاف الوثائق، خصوصاً في ظل وجود حكومة ووزراء لا يرتاح لهم الشارع والقوى السياسية، بسبب صلاتهم بالنظام السابق ولورود أسماء بعضهم في قضايا فساد.
وتدفع هذه التطورات القوى السياسية المعارضة إلى التخطيط لـ"عزل سياسي" ضد رئيس الدولة الجديد بن صالح الذي يدعمه الجيش، وممارسة ضغوط سياسية وشعبية ضده، عبر رفض الاعتراف به ورفض التعامل معه أو المشاركة في مشاورات سياسية تعهد عبد القادر بن صالح إجراءها يوم الثلاثاء الماضي، حول إنشاء "الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات" التي تطالب بها قوى المعارضة منذ سنوات.
في هذا السياق، أفاد رئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "من الخطأ، بل من الخطيئة، المشاركة في المشاورات مع بن صالح حول أي موضوع كان". واعتبر أنه "من الخطأ بالنسبة لقوى المعارضة أن تقبل بالمشاركة في مشاوراته. هذا الرجل تحديداً قاد مشاورات مزيفة عام 2012، التي لم تكن حينها سوى لعبة سياسية من قبل النظام لتهدئة الشارع بعد احتجاجات يناير/كانون الثاني 2011". وأضاف أنه "من المهم أن تنسجم المعارضة مع مواقفها، نحن لا نعترف ببن صالح ووجوده على رأس الدولة يتصادم كلياً مع مطالب الحراك الشعبي، ومع مطالب مجمل قوى المعارضة التي تطالب بمرحلة انتقالية توافقية".
وفي السياق، أعلنت حركة "مجتمع السلم" عن موقف رافض للمشاركة في أية مشاورات ينظمها بن صالح، بشأن إنشاء لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات. واعتبرت الحركة التي تمثل تيار الإخوان في الجزائر، أنها "غير معنية بأي مشروع سياسي لا يقوم على أساس الحوار والتوافق وتجسيد الإرادة الشعبية". وقال عضو مكتب قيادة الحركة، نصر الدين حمدادوش لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة اعتبرت أن تولي بن صالح الدولة، يُعدّ عملاً استفزازياً فوقياً وإهانة للشعب الجزائري، الذي قرر بشكل صارم رفضه للحكومة. لذلك نحن نرفض أن يقود بن صالح أية مشاورات حول انشاء آلية مستقلة لتنظيم الانتخابات، خصوصاً أن للرجل سوابق في قيادة مشاورات عام 2012، لصياغة خطة إصلاحات سياسية، ظهر لاحقاً أنها كانت مجرد مسرحية سياسية".
بدوره، تجدد الحراك الشعبي منذ الثلاثاء الماضي، بنَفَسٍ ثوري جديد وبسلسلة تظاهرات رفضاً لسياسة الأمر الواقع، التي تفرضها السلطة عبر استبقاء بن صالح وبدوي. عودة الطلاب إلى الجامعات أتاحت الفرصة لحراك طلابي جديد، من المفترض أن يُتوّج بتظاهرات حاشدة اليوم الجمعة، في ظل حملة تعبئة شعبية من قبل الناشطين والمجموعات الشبابية.
وقال الناشط عبد الوكيل بلام لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الجمعة يجب أن تكون مختلفة تماماً، فإذا كانت السلطة بمختلف مؤسساتها مع الجيش، تعتبر أن المطالب الشعبية تعجيزية، فإنها كانت كذلك قبل استقالة بوتفليقة، وإذا كان الحراك قد استطاع إسقاط حكومة أحمد أويحيى، وهو كان من أقوياء السلطة، وإيقاف مشروع الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة ودفعه إلى التنحي عن الحكم، فإن بن صالح وبدوي ليسا عصيين على الحراك".
في مقابل هذا الإصرار الشعبي، تتجه الحكومة إلى محاولة استعادة السيطرة على الشارع والفضاءات العامة. وبدأت منذ الثلاثاء الماضي، باستخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه. ودخلت الخدمة للمرة الأولى مجنزرة تطلق قنابل صوت داخلية (تطلق صوتا يشبه صوت القنابل)، دعت رابطة حقوق الإنسان الحكومة إلى سحبها من الشارع لأن وجودها غير مبرر في ظل سلمية التظاهرات ولكونها تمثل خطراً على المتظاهرين وإمكانية إصابة بعضهم بفقدان السمع. وسبق أن أصدرت إحدى محاكم ولاية نيويورك الأميركية حكماً بمنع استخدامها من قبل الشرطة للأسباب سالفة الذكر.