الجمعيات "الإنسانية" تتربّح من مأساة السوريين

04 مايو 2015
مساعدات لا تتعدى بعض الأطعمة (مايا هوتفوي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن تجربة السوريين مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني العاملة بالشأن الاقتصادي-الاجتماعي جيدة في أي يوم من الأيام. شكل الإحباط عنوان مرحلة ما قبل اندلاع الثورة بسبب هامشية ما أطلقت عليه المنظمات الدولية "إصلاحات" وابتعادها عن الأزمات المعيشية الحقيقية للسكان، فضلاً عن منع عمل منظمات المجتمع المدني في سورية باستثناء ما تديره السلطة أو المقربون منها.

منظمات ما بعد الثورة
أما بعد الثورة فقد اندفعت منظمات دولية عديدة لمساعدة السوريين في تدبر حاجاتهم الأساسية، فيما تكاثرت منظمات المجتمع المدني المحلية في مناطق النظام ومناطق المعارضة على السواء، إلا أن العنوان الرئيسي كان العوم في بحر من الفساد.


قبل اندلاع الثورة، اهتمت المنظمات الدولية كالبنك الدولي على سبيل المثال، بتقديم استشارات اقتصادية وإدارية للحكومة السورية من أجل السير قدماً في سياسية "الإصلاحات" التي كانت وبالاً على شريحة واسعة من السوريين بسبب تركيزها على "دعم عمل القطاع الخاص المرتبط أساساً بعناصر من السلطة، ودفعها للأخيرة إلى تقليص الإنفاق الحكومي على قطاعات الصحة والتعليم وإيقاف دعم السلع الأساسية" بحسب الباحث الاقتصادي منذر الناجي. وقال لـ"العربي الجديد": "بعد اندلاع الثورة، بات دور المنظمات مقتصراً على تتبع المسار الكارثي الذي اتجه إليه الاقتصاد السوري، من خلال إصدار تقارير شبه دورية توثق الخسائر بشكل عام".

ومقابل تراجع دور مؤسسات اقتصادية، تزايد حضور مؤسسات تختص بالشأن الإنساني كمنظمة الأغذية ومنظمة الصحة ومنظمة اليونسيف وجميعها تتبع للأمم المتحدة وتعتبر مساهمتها "أساسية في مساعدة السوريين النازحين والمهجرين في الدول المجاورة على مواصلة البقاء وخصوصاً أنهم باتوا يفتقدون أي مصدر للدخل" بحسب ما أكده الناشط السوري سعد ربيع المقيم في تركيا. وقال:"في المقابل، تكاثر إنشاء جمعيات محلية وبأعداد كبيرة جداً، تعمل على إغاثة السوريين والمساعدة في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، لكنها متهمة بالفساد إذ تحصل على مبالغ طائلة من الجهات المانحة مقابل تقديم خدمات متواضعة جداً لا تغير من المشهد البائس".

منظمات النظام

بعد اندلاع الثورة، سمح النظام للمقربين منه بتأسيس عدد كبير من الجمعيات الأهلية "اندرجت جميعها تحت عنوان الإغاثة ‏والتنمية، وكانت ترتبط إما بعناصر أمنية تابعة للنظام أو بمؤسسة (الأمانة السورية للتنمية) التي تديرها أسماء الأسد" يقول الناجي.

ويضيف: "وفقاً ‏للبيانات الحكومية، يتجاوز عدد الجمعيات الأهلية في مناطق النظام 1400 جمعية، وهي تشكل اليوم مصدراً للدخل لفئات ‏مرتبطة بالسلطة حيث تستقطب تلك الجمعيات أموالاً طائلة من منظمات دولية وإقليمية، لكن الأموال تتبدد أثناء مرورها ‏في أقنية الفساد، فيما يذهب قسم منها للموالين للنظام لأسباب سياسية لا علاقة لها بالإغاثة، وأخيراً يستخدم ما يتبقى لتقديم ‏الطعام واللباس للعائلات النازحة والتي تقطن في بعض المدارس".

ويعتبر الناجي أن العمل الإغاثي سواء في مناطق النظام أو في مناطق المعارضة تشوبه العديد من أشكال "التلاعب ‏بالمساعدات الإنسانية وتوجيهها إلى جماعات غير مستهدفة، بل إن العديد من المنظمات تحتفظ بقوائم أسماء وهمية أو تقوم ‏بتضخيم الأعداد في قوائمها للحصول على الأموال، في ظل عدم وجود أي آليات للرقابة". ويضيف: "أن توجيه الأموال ‏القادمة إلى مستحقيها بالفعل سوف يساهم في تغيير المشهد قليلاً".

الأهم من ذلك بحسب الناجي هو "توجيه الأموال ‏المهدورة إلى قنوات إنتاجية، كتأسيس مشاريع صغيرة ومتناهية في الصغر في مخيمات اللجوء التي باتت تختنق بملايين ‏السوريين، وكذلك في المناطق المحررة، فرغم الأخطار الأمنية المحدقة، لا تزال أعداد كبيرة من السوريين تعيش هناك ‏وتكافح من أجل البقاء".

يد السلطة
طيلة حكم الأسد الأب ومن ثم الابن في سورية، تم منع العمل المدني على نطاق واسع، وكان محصوراً بالمؤسسات المرتبطة بالنظام السوري كالاتحادات والنقابات. لكن العمل الأهلي شهد لاحقاً تطوراً محدوداً مع اهتمام الدائرة المقربة من الأسد، وتحديداً مع رجل الاعمال، وابن خال الاسد، رامي مخلوف، بالإضافة إلى أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري.

أسس الأول "جمعية البستان الخيرية" وأسست الثانية "الأمانة السورية للتنمية" التي باتت بعد الثورة أكبر منظمة عاملة داخل مناطق النظام، إذ تدير النشاط المرتبط بإغاثة العائلات النازحة إلى بعض المدارس، وتقوم بتمويل مشاريع، كما تتلقى الدعم من مؤسسات الأمم المتحدة للقيام بدورها رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بهذا الدور.


إقرأ أيضا:‏ ما هي الشراكة التجارية؟
دلالات