03 اغسطس 2022
الجيش اللبناني يحرّر وحزب الله يهرّب "داعش"
أسدل الستار عن واحدٍ من فصول تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في لبنان، بعدما أنهى الجيش اللبناني، بنجاح، معركة تحرير الجرود اللبنانية. ورُفع ستار آخر عن فضيحة استباحة حزب الله والنظام السوري الدولة اللبنانية واستخفاف الحكومة بأرواح الجنود الذين يختطفهم "داعش". وقد أرغمت حملة الجيش على الحدود اللبنانية- السورية قسماً من إرهابيي التنظيم المذكور على الاستسلام، والقسم الآخر على الانسحاب الى الداخل السوري باتجاه ديرالزور، غير أن هذا الإنجاز الذي حققه الجيش زاد من الشكوك بشأن الأهداف السياسية الحقيقية لمن يقف في كواليس إدارة هذه المعركة، لا بل عمّق الهوة بين اللبنانيين وشرع الباب واسعاً أمام مجموعة من الأسئلة، وطرح أكثر من علامة استفهام حول أدوار كل من أقحم نفسه فيه وخلفياتها.
أثبت ما قام به الجيش اللبناني أن لديه القدرة والكفاءة على حماية اللبنانيين، كونه الأداة الشرعية الوحيدة المولجة الدفاع عن لبنان، وبسط سيادة الدولة على كل أراضيها. ودحض كل المقولات والحجج التي نظّرت لضعفه وعدم جهوزيته، من أجل تبرير سلاح حزب الله، وفي مقدمة هؤلاء رئيس الجمهورية، ميشال عون نفسه، (قناة النيل المصرية، فبراير/ شباط 2017). وقد حقق إجماعاً منقطع النظير يعكس تعطش اللبنانيين إلى رؤية الدولة التي تفرض نفسها ومؤسساتها الشرعية ممثلاً وحيداً يعبر عن تطلعات مختلف الشرائح اللبنانية، والضامن الوحيد لأمنها وسلمها الأهلي، ولا يحتاج جيشاً رديفاً أو مليشيا تشاركه هذا الدور.
الصدمة الأولى التي نتجت عن تنظيف جبال السلسلة الشرقية هي عودة الجنود الثمانية الأسرى منذ صيف 2014 لدى "داعش" جثثاً وليس أحياء. وزاد من صدمة أهالي الجنود، واللبنانيين
عموماً، أن مدير الأمن العام عباس إبراهيم أعلن أن معلوماته تؤكد أن الجنود تم إعدامهم، على الأرجح، في بداية العام 2015. فلماذا لم يتم التفاوض إذاً، منذ ذلك الحين، من أجل استرجاع الجثامين، طالما أن التفاوض هو المخرج الوحيد الذي يريده، وسعى إليه من فاوض اليوم؟ ومن فاوض اليوم هو حزب الله من دون تكليف رسمي من الحكومة. أم أن الظروف يومها لم تكن تناسبه، ولا تلتقي مع حساباته.
وثانياً، تشكل الطريقة التي تم التعاطي بها مع هذا الملف، بحد ذاتها، فضيحة، فطالما أن الجنود قد غدر بهم، ولم يعد ممكناً استرجاعهم أحياء، فعلى ماذا تم التفاوض، ولماذا اتخذ قرار وقف إطلاق النار عندما أصبح الجيش قادراً على محاصرة الإرهابيين المنهزمين، والقضاء على من تبقى منهم، بدل أن تترك لهم فرصة الانسحاب إلى ما وراء الحدود السورية؟ وهل إن من يخطف جنوداً للجيش اللبناني ويفتك بهم، ويفجر ويقتل هنا وهناك، في ضواحي بيروت وفي القاع، يتم مكافأته بتركه حراً وتأمين خروجٍ آمن له؟
واللافت والمثير أن قرار وقف إطلاق النار اتخذ بالتزامن بين الجيش اللبناني وحزب الله وقوات النظام السوري، وإنْ في بيانين منفصلين، علماً أن قيادة الجيش أصرّت، منذ بدء المعركة، على أنها لا تريد تعاون أحد، ونفت علناً، مراتٍ، وجود تنسيق مع حزب الله، فيما كان الأخير يصر على وجود هذا التنسيق، ويقحم نفسه في هذه المعركة من على الجانب السوري من الحدود المشتركة. في الوقت عينه، كان حزب الله يفاوض "داعش" الذي لطالما وصفه مراراً وتكراراً بالتنظيم الإرهابي والتكفيري، ويعلن التوصل إلى اتفاق معه قبل إعلان وقف إطلاق النار بشأن صفقة استرجاع مقاتلين أسرى وقتلى له في مقابل ترك الحرية لعناصر "داعش" من الانتقال إلى الداخل السوري. أي أنه وضع الجيش اللبناني أمام الأمر الواقع، فارضاً عليه وقفاً لإطلاق النار. ولماذا كانت عناصر من "داعش" تسلم نفسها إلى حزب الله، وليس إلى الجيش اللبناني؟
أيضاً وأيضاً، لماذا وافق النظام السوري على انسحاب عناصر "داعش" إلى داخل الأراضي السورية، وهو الذي يعتبرهم إرهابيين، ويخوض معركة بقائه في السلطة، موهماً العالم أنه يحارب الإرهاب، وليس الشعب السوري الذي انتفض ضد استبداده. أكثر من ذلك، بشار الأسد هو من يقدّم اليوم الحافلات لنقل إرهابيي "داعش" إلى دير الزور. .. مضحك وسخيف ما قاله أحد مسؤولي حزب الله إن قوات الأسد تنقلهم اليوم إلى دير الزور لتعود وتقاتلهم هناك.
وفي هذا الوقت، تبدو الحكومة اللبنانية غائبة عن السمع، مكتفية بتكرار عبارات الدعم للجيش اللبناني، والإشادة بكفاءته، فيما القرار السيادي على الحدود متروك لحسابات حزب الله التي يريدها أن تبقى مفتوحة وسائبة، فيما يريدها الجيش جزءاً من مشروع بسط سيادة الدولة
اللبنانية، ويريدها حزب الله أيضاً امتداداً ونقطة وصول للخط الإيراني من طهران إلى بيروت، عبر بغداد ودمشق. أما النظام السوري فيمنّي نفسه بتجديد الهيمنة على القرار اللبناني. وفي المناسبة، فإن حزب الله هو من رفض "ترسيم" الحدود بين لبنان وسورية على طاولة الحوار عام 2006، فاستعيض عنها بكلمة "تحديد". وبطبيعة الحال، لم يحصل هذا ولا ذاك، لكي تبقى الحدود موضوع نزاع بين البلدين، ولكي يستمر النظام السوري في ابتزاز لبنان.
ولكي يبقى لبنان منقوص السيادة، كان لا بد من منع جيشه من إكمال معركة إنهاء وجود "داعش" على الأراضي اللبنانية، ومنعه من تسجيل نصر كامل وأكيد يجعله سيد القرار السيادي، ولكي تبقى حدود لبنان الشرقية جبهة توتّر مفتوحة، على غرار ما كانت عليه الجبهة الجنوبية، الصامتة اليوم بفعل قرار مجلس الأمن 1701 الذي صدر بعد حرب يوليو/ تموز 2006، والذي قضى بانكفاء قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني.
وهكذا، فإن حزب الله يمسك بمصير لبنان عبر تحكّمه بالقرارين، العسكري- السيادي والسياسي، فهو شريك في الحكومة ومعطل لها في آن. يسعى إلى تعويم بشار الأسد، وإلى إعادة لبنان إلى حضن دمشق عموداً فقرياً لـ "محور الممانعة" الذي تتزعمه طهران. وهذا ما بدأ يثير اشمئزازاً لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، ويحدث تصدعاً في صفوف "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري الذي يبدو أنه عاد إلى الحكومة ورئاستها بناءً على صفقة عقدها مع الثنائي الممسك بزمام السلطة، أي حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية.
أثبت ما قام به الجيش اللبناني أن لديه القدرة والكفاءة على حماية اللبنانيين، كونه الأداة الشرعية الوحيدة المولجة الدفاع عن لبنان، وبسط سيادة الدولة على كل أراضيها. ودحض كل المقولات والحجج التي نظّرت لضعفه وعدم جهوزيته، من أجل تبرير سلاح حزب الله، وفي مقدمة هؤلاء رئيس الجمهورية، ميشال عون نفسه، (قناة النيل المصرية، فبراير/ شباط 2017). وقد حقق إجماعاً منقطع النظير يعكس تعطش اللبنانيين إلى رؤية الدولة التي تفرض نفسها ومؤسساتها الشرعية ممثلاً وحيداً يعبر عن تطلعات مختلف الشرائح اللبنانية، والضامن الوحيد لأمنها وسلمها الأهلي، ولا يحتاج جيشاً رديفاً أو مليشيا تشاركه هذا الدور.
الصدمة الأولى التي نتجت عن تنظيف جبال السلسلة الشرقية هي عودة الجنود الثمانية الأسرى منذ صيف 2014 لدى "داعش" جثثاً وليس أحياء. وزاد من صدمة أهالي الجنود، واللبنانيين
وثانياً، تشكل الطريقة التي تم التعاطي بها مع هذا الملف، بحد ذاتها، فضيحة، فطالما أن الجنود قد غدر بهم، ولم يعد ممكناً استرجاعهم أحياء، فعلى ماذا تم التفاوض، ولماذا اتخذ قرار وقف إطلاق النار عندما أصبح الجيش قادراً على محاصرة الإرهابيين المنهزمين، والقضاء على من تبقى منهم، بدل أن تترك لهم فرصة الانسحاب إلى ما وراء الحدود السورية؟ وهل إن من يخطف جنوداً للجيش اللبناني ويفتك بهم، ويفجر ويقتل هنا وهناك، في ضواحي بيروت وفي القاع، يتم مكافأته بتركه حراً وتأمين خروجٍ آمن له؟
واللافت والمثير أن قرار وقف إطلاق النار اتخذ بالتزامن بين الجيش اللبناني وحزب الله وقوات النظام السوري، وإنْ في بيانين منفصلين، علماً أن قيادة الجيش أصرّت، منذ بدء المعركة، على أنها لا تريد تعاون أحد، ونفت علناً، مراتٍ، وجود تنسيق مع حزب الله، فيما كان الأخير يصر على وجود هذا التنسيق، ويقحم نفسه في هذه المعركة من على الجانب السوري من الحدود المشتركة. في الوقت عينه، كان حزب الله يفاوض "داعش" الذي لطالما وصفه مراراً وتكراراً بالتنظيم الإرهابي والتكفيري، ويعلن التوصل إلى اتفاق معه قبل إعلان وقف إطلاق النار بشأن صفقة استرجاع مقاتلين أسرى وقتلى له في مقابل ترك الحرية لعناصر "داعش" من الانتقال إلى الداخل السوري. أي أنه وضع الجيش اللبناني أمام الأمر الواقع، فارضاً عليه وقفاً لإطلاق النار. ولماذا كانت عناصر من "داعش" تسلم نفسها إلى حزب الله، وليس إلى الجيش اللبناني؟
أيضاً وأيضاً، لماذا وافق النظام السوري على انسحاب عناصر "داعش" إلى داخل الأراضي السورية، وهو الذي يعتبرهم إرهابيين، ويخوض معركة بقائه في السلطة، موهماً العالم أنه يحارب الإرهاب، وليس الشعب السوري الذي انتفض ضد استبداده. أكثر من ذلك، بشار الأسد هو من يقدّم اليوم الحافلات لنقل إرهابيي "داعش" إلى دير الزور. .. مضحك وسخيف ما قاله أحد مسؤولي حزب الله إن قوات الأسد تنقلهم اليوم إلى دير الزور لتعود وتقاتلهم هناك.
وفي هذا الوقت، تبدو الحكومة اللبنانية غائبة عن السمع، مكتفية بتكرار عبارات الدعم للجيش اللبناني، والإشادة بكفاءته، فيما القرار السيادي على الحدود متروك لحسابات حزب الله التي يريدها أن تبقى مفتوحة وسائبة، فيما يريدها الجيش جزءاً من مشروع بسط سيادة الدولة
ولكي يبقى لبنان منقوص السيادة، كان لا بد من منع جيشه من إكمال معركة إنهاء وجود "داعش" على الأراضي اللبنانية، ومنعه من تسجيل نصر كامل وأكيد يجعله سيد القرار السيادي، ولكي تبقى حدود لبنان الشرقية جبهة توتّر مفتوحة، على غرار ما كانت عليه الجبهة الجنوبية، الصامتة اليوم بفعل قرار مجلس الأمن 1701 الذي صدر بعد حرب يوليو/ تموز 2006، والذي قضى بانكفاء قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني.
وهكذا، فإن حزب الله يمسك بمصير لبنان عبر تحكّمه بالقرارين، العسكري- السيادي والسياسي، فهو شريك في الحكومة ومعطل لها في آن. يسعى إلى تعويم بشار الأسد، وإلى إعادة لبنان إلى حضن دمشق عموداً فقرياً لـ "محور الممانعة" الذي تتزعمه طهران. وهذا ما بدأ يثير اشمئزازاً لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، ويحدث تصدعاً في صفوف "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري الذي يبدو أنه عاد إلى الحكومة ورئاستها بناءً على صفقة عقدها مع الثنائي الممسك بزمام السلطة، أي حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية.