13 فبراير 2022
الحسابات المعقدة للأزمة الخليجية
هدأ غبار الأزمة الخليجية على السطح، ودخلت مرحلة "الثبات والتبريد"، وذلك بعد السخونة التي صاحبتها طوال أسابيعها الأولى. فقد وضحت حسابات أطرافها ونضجت، وعرف كل طرفٍ سقف مطالبه وتحركاته، وبات الجميع على وعي تام بما هو مطلوب لحلحلة الأزمة، أو الإبقاء عليها في حالة صيرورة ومراوحة عبر المكان، وذلك انتظاراً لجولةٍ جديدةٍ ساخنةٍ وحاسمةٍ، أو هكذا تبدو الأمور. فقد تراجعت دول الحصار، بحكم الواقع وليس طوعاً، عن مطالبها الثلاثة عشر التي أصبحت في حكم الماضي، باعتراف مسؤولي هذه الدول، وتراجعت لغة التصعيد، على الأقل من المسؤولين الكبار، وليس من جانب الإعلام الذي لن يتوقف عن التسخين، تحقيقاً لمصالح القائمين عليه والمستفيدين منه، واعتدل الخطاب "الرسمي"، نسبياً، عطفاً على تعقيدات الأزمة والتخوّف من مغبة عواقبها وتداعياتها علي المديين، المتوسط والطويل، وذلك حتى يتم إعادة الحسابات والبحث عن استراتيجية جديدة، تحقق ما هدفت إليه الموجة الأولى من الأزمة.
تبدو قطر، من جانبها، ماضيةً في استراتيجيتها المحسوبة، وإن كانت قد انتقلت تدريجياً من مرحلة الدفاع وامتصاص صدمة الأزمة التي استمرت حوالى أربعة أسابيع إلى نوع من التوازن والرد المحسوب، مصحوبةً بدبلوماسية نشطة وواعية، بدا جيداً أنها مستوعبة حجم الأزمة، مستفيدة، كما اتضح، من خبرتها التي بنتها طوال عقد كامل من الانخراط في ملفات الوساطة الإقليمية، وأحياناً الدولية، في التعاطي مع أزماتٍ أخرى خارج البيت الخليجي. كما باتت الدوحة على يقين كامل بأن الأزمة الحالية كانت كاشفة لنوايا (ورؤية) الأطراف الأخرى تجاهها، وهو ما سيدفعها إلى الحذر والتحسّب لأية خطوةٍ مستقبليةٍ يمكن اتخاذها لحلحلة الأزمة.
أخطأت دول الحصار في حساباتها، منذ بداية الأزمة، وذلك بدءاً من افتعالها هذه الأزمة بشكل صبياني وفج، عبر قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا)، حسبما أفاد مسؤولون في المخابرات والمباحث الفيدرالية الأميركية أخيراً، ونسب تصريحات مفبركة لأمير قطر أبعد ما تكون عن الخطاب الرسمي القطري، المعروف بحذره وهدوئه، مروراً بمحاولة استعداء الولايات المتحدة وتحريضها على الدوحة، والتي جاءت بأثر عكسي حتى الآن، وصولاً إلى التراجع عن المطالب العصبية وغير المنطقية التي لاقت استهجاناً إقليمياً ودولياً.
الآن، تبدو حسابات كل طرفٍ واضحة، فدول الحصار تبحث عن مخرجٍ يحفظ ماء وجهها، خصوصاً بعد موجة التصعيد التي بدأت بها الأزمة. وعلي ما يبدو، سوف تشهد المرحلة المقبلة نوعاً من "دبلوماسية الكواليس" التي يمكنها أن تحقق الحد الأدنى من الهجمة على الدوحة، وهو ضمان عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتقليل جرعة النقد الإعلامي الموجه إلى أنظمتها ومسؤوليها، ولعل ذلك ما يفسّر التصريحات المتكرّرة لدول الحصار بعدم التراجع، على الرغم من الضغوط الأميركية والأوروبية لحلحلة الأزمة. وهنا، يجب الالتفات إلى أن مواقف رباعي الحصار وحساباته ليست واحدة، فبعضها يريد التصعيد غير عابئ بالعواقب، كما هي الحال مع مصر والإمارات، في حين تبدو السعودية والبحرين أكثر مرونةً، حتى لا تزداد الأوضاع سوءاً. ومن جهتها، تبدو الدوحة رافضة سياسة ومنطق "ليّ الأذرع"، وإن كانت، حتى الآن، تبدو منفتحةً ومتجاوبةً مع أية حلول منطقية وواقعية، يمكنها إنهاء الأزمة، أو على الأقل منع انحدارها نحو الأسوأ، مع يقينٍ يترسّخ تدريجياً بأن الأمور لن تعود كما كانت عليه قبل الخامس من يونيو/ حزيران 2017.
بكلماتٍ أخرى، يبدو أن الأزمة الخليجية قد وصلت إلى ما يُعرف في العلاقات الدولية بمرحلة "التعادل" equilibrium، وهي المرحلة التي لا يمكن لأي طرفٍ كسرها من دون القيام بخطوةٍ هجوميةٍ تربك حسابات الخصم، ولكنها مصحوبة بمخاطر كثيرة، قد تؤدي إلى عكس ما هدفت إليه.
تبدو قطر، من جانبها، ماضيةً في استراتيجيتها المحسوبة، وإن كانت قد انتقلت تدريجياً من مرحلة الدفاع وامتصاص صدمة الأزمة التي استمرت حوالى أربعة أسابيع إلى نوع من التوازن والرد المحسوب، مصحوبةً بدبلوماسية نشطة وواعية، بدا جيداً أنها مستوعبة حجم الأزمة، مستفيدة، كما اتضح، من خبرتها التي بنتها طوال عقد كامل من الانخراط في ملفات الوساطة الإقليمية، وأحياناً الدولية، في التعاطي مع أزماتٍ أخرى خارج البيت الخليجي. كما باتت الدوحة على يقين كامل بأن الأزمة الحالية كانت كاشفة لنوايا (ورؤية) الأطراف الأخرى تجاهها، وهو ما سيدفعها إلى الحذر والتحسّب لأية خطوةٍ مستقبليةٍ يمكن اتخاذها لحلحلة الأزمة.
أخطأت دول الحصار في حساباتها، منذ بداية الأزمة، وذلك بدءاً من افتعالها هذه الأزمة بشكل صبياني وفج، عبر قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا)، حسبما أفاد مسؤولون في المخابرات والمباحث الفيدرالية الأميركية أخيراً، ونسب تصريحات مفبركة لأمير قطر أبعد ما تكون عن الخطاب الرسمي القطري، المعروف بحذره وهدوئه، مروراً بمحاولة استعداء الولايات المتحدة وتحريضها على الدوحة، والتي جاءت بأثر عكسي حتى الآن، وصولاً إلى التراجع عن المطالب العصبية وغير المنطقية التي لاقت استهجاناً إقليمياً ودولياً.
الآن، تبدو حسابات كل طرفٍ واضحة، فدول الحصار تبحث عن مخرجٍ يحفظ ماء وجهها، خصوصاً بعد موجة التصعيد التي بدأت بها الأزمة. وعلي ما يبدو، سوف تشهد المرحلة المقبلة نوعاً من "دبلوماسية الكواليس" التي يمكنها أن تحقق الحد الأدنى من الهجمة على الدوحة، وهو ضمان عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتقليل جرعة النقد الإعلامي الموجه إلى أنظمتها ومسؤوليها، ولعل ذلك ما يفسّر التصريحات المتكرّرة لدول الحصار بعدم التراجع، على الرغم من الضغوط الأميركية والأوروبية لحلحلة الأزمة. وهنا، يجب الالتفات إلى أن مواقف رباعي الحصار وحساباته ليست واحدة، فبعضها يريد التصعيد غير عابئ بالعواقب، كما هي الحال مع مصر والإمارات، في حين تبدو السعودية والبحرين أكثر مرونةً، حتى لا تزداد الأوضاع سوءاً. ومن جهتها، تبدو الدوحة رافضة سياسة ومنطق "ليّ الأذرع"، وإن كانت، حتى الآن، تبدو منفتحةً ومتجاوبةً مع أية حلول منطقية وواقعية، يمكنها إنهاء الأزمة، أو على الأقل منع انحدارها نحو الأسوأ، مع يقينٍ يترسّخ تدريجياً بأن الأمور لن تعود كما كانت عليه قبل الخامس من يونيو/ حزيران 2017.
بكلماتٍ أخرى، يبدو أن الأزمة الخليجية قد وصلت إلى ما يُعرف في العلاقات الدولية بمرحلة "التعادل" equilibrium، وهي المرحلة التي لا يمكن لأي طرفٍ كسرها من دون القيام بخطوةٍ هجوميةٍ تربك حسابات الخصم، ولكنها مصحوبة بمخاطر كثيرة، قد تؤدي إلى عكس ما هدفت إليه.