غاب الحكواتي منذ زمن وتحوّل إلى تراث في بعض الأماكن، أو غيّر منبره فبات يعتلي المسارح في فقرات قصيرة بعد أن كان يرتاد المقاهي ومختلف المحلات والطرقات.
لطالما كان سرد القصص جزءاً من تاريخ وتراث إيران، ولعب الحكواتي دوراً أساسياً في حفظ الملاحم والأساطير الفارسية على وجه الخصوص، ونقلها من جيل إلى آخر، وما زال حياً اليوم بفضل كثيرين، فلم يعد القصّاص مجرّد رجل كهل حفظ الحكايات عن ظهر قلب، بل نرى اليوم حكواتيين من الشبان والشابات وحتى من الأطفال.
بهاره جهاندوست، حكواتية تبلغ من العمر 32 عاماً، احترفت فن رواية القصص الفارسية منذ سنوات، ففي الرابعة عشر عاماً شاركت في برنامج تلفزيوني مع الحكواتي الإيراني المعروف، ولي الله ترابي، تعلّمت منه منذ نعومة أظفارها، وأصبحت، بمرور الوقت، مقدمة لبرامج الأطفال، واستفادت من موهبتها في الحفظ والأداء وقررت أن تعلّم الأطفال فن رواية "الشاهنامه" للفردوسي.
تعتلي جهاندوست المسارح اليوم ومعها حكواتيون صغار، يحفظون ما كتبه الفردوسي، ويؤدون المشاهد بطريقة احترافية وباستخدام نبرة الصوت المناسبة. تقول عن هذه التجربة لـ"العربي الجديد": "إن الشرط الأول ليصبح المرء حكواتياً يتعلق بشخصيته، فالصوت والأداء والتمثيل ضروري لنقل القصص البطولية مع استخدام أساليب تزيد من المبالغة بما يشد المشاهدين".
ذكرت جهاندوست أنه لطالما كان هذا الفن موجّهاً لعامة الناس، ويجب الحفاظ على هذه الميزة رغم اختلاف الزمن الحاضر، وترى أن تعليمه للأطفال هام وهو ما يعطيه طابعاً آخر، وساهم أيضاً بحفظه، وتؤكد أن لديها طلاباً أعمارهم أربع سنوات تقريباً، لكن سن السابعة هو الأمثل للبدء معهم، كون الأطفال قادرين على الحفظ والتركيز والقراءة في هذا العمر.
تشير جهاندوست إلى أن بعض الأهالي من محبّي الأدب الفارسي، والشعر على وجه الخصوص، يحبذون تعليم أطفالهم فن رواية القصص. وتؤكد وجود طلب كبير على تعليم الأطفال الشاهنامه، وهو ما زاد من حجم الدروس الخصوصية، حتى أن بعض المعاهد فتحت أقساماً خاصة لتعليم فن نقل القصص.
مع ذلك، لا يزال فن الحكواتي هامشياً إلى حد كبير، فليس للحكواتيين نقابة خاصة في إيران تدعمهم وتؤمّن لهم احتياجاتهم، وإن بدا لبعضهم أن هذا الأمر له إيجابياته وسلبياته على حد سواء، فهذا الفن من الشارع وللشارع، ولا يجب أن يأخذ طابعاً غير ذلك، وبذات الوقت يحتاج هؤلاء للدعم بما يتيح لهم تقديم عروضهم في أماكن أكثر ويساعد على بقاء هذا الفن حياً.
لا يوجد أيضاً تاريخ دقيق لرواج فن الحكواتي في إيران، لكن مصادر عديدة تؤكد أنه فن قديم، وقد اختلفت أسماؤه عبر التاريخ، بين الراوي والقصّاص، ويسمونه بالفارسية اليوم "نقال"، والتي تعني من ينقل ويروي القصص والأشعار كذلك. كان لدى الحكواتي أدوات مختلفة يستخدمها في عرضه، كالكرسي والعصا، ويرتدي الحكواتيون اليوم ملابس إيرانية تقليدية، وقد عادوا بشكل لافت ومن كافة الأعمار إلى الواجهة منذ عقد تقريباً.
من جهتها، تقول الممثلة المسرحية، سارا عباس بور، لـ"العربي الجديد"، إنها اضطرت لتعلّم فن رواية القصص كجزء من عملها، وترى أن هذا الأمر كان إيجابياً للغاية وترك أثره على مسيرتها المهنية، كونها أصبحت اليوم حكواتية، وبدأت بتعليم الأطفال هذا الفن منذ فترة وجيزة أيضاً.
تلاحظ عباس بور أن هناك إقبالاً على تعلمّ فن الحكواتي، خلال السنوات الأخيرة الماضية، وترى أن تعليم هذا الفن للأطفال ليس بالهيّن، فعلى الحكواتي المزج بين التمثيل والتقليد، وتطوير الموهبة. فضلاً عن ذلك تعتبر أن انتشار الدروس الأكاديمية أزال العديد من العقبات، فقد كان الحكواتي سابقاً يورّث فنه شفاهياً لينتقل من شخص لآخر في إطار محدود.
كل هذا أوصل إيران لتسجيل "الحكواتي" في قائمة يونسكو عام 2011، ولعل هذا ما ساعد على انتشاره مجدداً بسبب الاهتمام المكثف بحفظه وبنقله من جيل لجيل.