منذ حكم الأسد الأب وحتى مطلع حكم الابن، كانت عبارة "خط أحمر" تترافق مع كلمة الخبز، والمتاجرة بأن الحكومات المتعاقبة تتكبد تكاليف الدعم، تصم آذان السوريين، من دون أن يُسمح لأحد بالتفكير: كيف تربح المخابز الخاصة وتفرض رشى خيالية للسماح للسوري بترخيص مخبز؟
وإن جازف سوري وفكّر وسأل، ربما الرد سيأتيه أسرع من سؤاله "الحكومة تبيع الطحين بسعر مدعوم"، وأما إن تمادى في تفكيره ليسأل عن سبب غلاء الطحين، واضطرار الحكومة إلى دعم سعره، وعدم تعويمه في واقع إنتاج وصل مطلع تسعينيات القرن الفائت إلى أكثر من خمسة ملايين طن من القمح، قبل أن يستقر عند أكثر من ثلاثة ملايين، فقد تأتي الإجابة بأن لذلك علاقة بالصمود والتصدي والممانعة، على اعتبار القمح والطحين يعتبران في سورية أسلحة ماضية، ويوصف مخزونهما بالاستراتيجي.
قصارى القول: تغيرت المفاهيم وسقطت الشعارات وأزيح الخط الأحمر، لكل ما كان موضع متاجرة وسرقة باسم الوطن والمواطن والعدو والتوازن الاستراتيجي، ولحق الخبز قفزات سعرية أوصلته إلى الأعلى، ربما حول العالم، إذا قيس سعره اليوم بمدخول السوريين.
نظام الخطوط الحمراء تخلّى عن دعم سعر الخبز، تماماً كما فعل لجهة المقننات والسلع التي كان يصفها بالمدعومة ويدعي أنها سبب عدم تحسين دخل السوريين، باعتباره يحصل على زيادة غير مباشرة للرواتب والأجور عبر مجانية الصحة والتعليم ودعم أسعار الغذاء، وزادت أسعار الخبز، فقط خلال الثورة، 66%، كما زادت أسعار المازوت 105%، والمقننات من سكر وأرز وشاي 100%.
بيد أن حكومة الأسد، ومن قبيل تنشيط التجارة وحقوق الطبقات المخملية، التي لا طاقة لها على أكل الخبز الشعبي، تركت سقف سعر الخبز السياحي المحسّن مفتوحاً، والمواطن طبعاً حر حتى في تقليد الأغنياء، وشراء الخبز السياحي، إن فكر بالتطور والعيش برغد.
لكن البعض تجرأ على عتبة الأسعار وتعامل بجشع، مستغلاً النقص الحاد في الخبز، وفوضى الأسواق وغياب أي شكل رقابي، فرفع سعر كيلو الخبز السياحي إلى 200 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، ما دفع الحكومة الممانعة إلى الوقوف كسد منيع في وجه الزحف نحو استغلال المواطن وحقوقه، فسارعت لتسعير كيلو الخبز بـ 170 ليرة سورية للكيلو الواحد، وتوعدت الجشعين ووعدت المواطنين بالتصدي لمجرد شكواهم من المستغلين.
نهاية القول: لن ندخل في دوامة نسب سعر كيلوغرام الخبز على أجر السوري، أو لما يمكن أن تدفعه أسرة مكونة من أربعة أفراد لشراء الخبز فقط، لسبب بسيط: لا أجر لجل السوريين بعد تحرير نحو 70% من سورية ووقف أجور من فاض من الموظفين عن عصا الفصل التعسفي، لكننا سنشير، للتذكير ليس إلا، إلى أن الخبز في معظم مناطق سورية بات من الكماليات ورؤيته في المناطق المحاصرة التي يزيد سعر الكيلوغرام فيها عن 800 ليرة، من المستحيلات، لكنه لا يزال خطاً أحمر.