لم يترك نظام الأسد وسيلة قتل إلا وقام بتجربتها بالسوريين منذ انطلاق ثورتهم في منتصف مارس/آذار من عام 2011، إذ لم يتوان عن استخدام "الأسلحة القذرة" والمحرمة دولياً، في مسعى منه لإيقاع أكبر عدد ممكن من المدنيين، قتلى ومصابين، ونجح في ذلك إلى حد بعيد. هذا ما تؤكده حصيلة الضحايا المرتفعة جداً، وتشريد ملايين السوريين الذين هربوا ويهربون من آلاف البراميل المتفجرة، والصواريخ الفراغية، والألغام البحرية، وسواها من الأسلحة الفتّاكة، ليبدأ أخيراً باختبار نوع سلاح جديد لا يقل فتكاً عما سبق، بل يعتبره خبراء عسكريون أخطر بكثير.
هكذا ألقت الطائرات المروحية التابعة للنظام، في 11 يونيو/حزيران الحالي، خراطيم محشوّة بمواد متفجرة بلغ طول أحدها نحو مائة متر، على عدّة أحياء بمدينة حلب، شمالي سورية، في حادثة هي الأولى من نوعها، بعدما دأب الطيران على استخدام البراميل في الحرب المفتوحة على أهم مدن الشمال السوري وريفها.
يقول الناشط الإعلامي محمد الحلبي لـ"العربي الجديد"، إن "الخراطيم المتفجرة مجهزة بصمامات، وصواعق للتفجير، وألقاها الطيران المروحي على منطقة مناشر البريج، شمال غرب مدينة حلب"، لافتاً إلى أنّها "لم تتسبب بأي أضرار بشرية، لخلو المنطقة من السكان". ويضيف الحلبي أنّ "بعض الأنابيب لم تنفجر وبدت محكمة الإغلاق، ويبلغ طول الواحد منها عشرات الأمتار"، مشيراً إلى أنّ "كل أنبوب يتألف من عدّة قطع موصول بعضها ببعض بوصلات عليها كتابات باللغة الروسية". ويؤكد أنّه "وبعد تفكيك أحدها عثر فيه على مادتي (C4) و(TNT) الشديدتي الانفجار"، متابعاً أنّها "مخصصة لاستهداف الأفراد، في محاولة من النظام لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين"، على حد قوله.
تعقيباً على هذا التطور الجديد، يحذر قادة في المعارضة السورية المسلحة من خطورة هذا السلاح العشوائي على المدنيين وخاصة الأطفال منهم، معتبرين أنه أخطر من البراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، وخاصة تلك التي لم تنفجر حيث من الممكن أن تتسبب بكوارث، وتودي بحياة مدنيين لا يعلمون مدى خطورتها وقدرتها التدميرية.
في هذا الصدد، يشير النقيب أمين أحمد ملحيس، وهو أحد قادة "جيش المجاهدين" في حلب، إلى أن الخراطيم المتفجرة مصنعة لكي تُرمى من كاسحات لتفجير ألغام وفتح ممرات أمام عناصر المشاة الذين يريدون اقتحام منطقة معينة، لكن النظام يرميها من المروحيات على المدنيين كي تتحول المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى حقول ألغام، لافتاً إلى أن الخراطيم المتفجرة روسية الصنع، وسبق لجيش النظام أن استخدمها في مدينة داريا جنوب غرب العاصمة دمشق والمحاصرة منذ سنوات، كما استخدمها في حي جوبر الدمشقي، قبل أن يستهدف بها مناطق في حلب.
ويعتبر ملحيس هذا السلاح "أخطر من البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية"، موضحاً أن قسماً منها لا ينفجر إلا إذا تعرض لضغط، مضيفاً: "قد يظن المدنيون والأطفال تحديداً هذه الخراطيم خاصة بالمياه كونها بلاستيكية فيلعبون بها ما قد يؤدي إلى انفجارها وقتلهم على الفور كونها تحوي مواد شديدة الانفجار. ويشير في حديث مع "العربي الجديد" إلى ضرورة البدء بحملات توعية، في هذا الشأن، تستهدف المدنيين كي يدركوا مخاطر هذه الخراطيم المتفجرة، والقنابل العنقودية على حياتهم وحياة اطفالهم".
ومنذ أواخر عام 2012، يستخدم النظام سلاحاً قليل الكلفة بشكل عشوائي، ولكنه كان ولا يزال الأكثر فتكاً بالمدنيين، وهو سلاح البراميل المتفجرة والتي قتلت مئات آلاف المدنيين على امتداد سورية، ودمرت مدناً وأزالت أحياء كاملة عن الوجود، وخاصة في ريف دمشق وفي حلب وريفها. والبراميل، بوصفها سلاحاً غير موجه وروسي الصنع، هي كناية عن قوالب معدنية أو أسمنتية يبلغ وزن البرميل الواحد ألف كيلوغرام، ويحمل، وفق خبراء، ما بين 200 و300 كيلوغرام من مواد متفجرة، مضافة إليها مواد نفطية تساعد في اندلاع الحرائق، وقصاصات معدنية مثل المسامير وقطع الخردة لتكون بمثابة شظايا تحدث أكبر ضرر في البشر والمباني. كما يستخدم النظام الألغام البحرية، منذ عام 2015، في قصف المدن والبلدات السورية ما تسبب بمقتل المئات من المدنيين، وهي سلاح روسي الصنع أيضاً، يؤكد ضباط منشقون أن جيش النظام أراد التخلص من الكميات القديمة الصنع التي يمتلكها، وذلك من خلال إلقائها لقتل السوريين، مشيرين إلى أنه سلاح فتاك ويحتوي على مواد متفجرة لا تقل خطورة عن الـ"تي أن تي"، وهو أخف وزناً من البرميل المتفجر، إذ تستطيع الطائرة حمل ما يقارب 12 لغماً بينما ليس بمقدورها حمل أكثر من 4 براميل متفجرة.